· أمير: مهرجان الجونة عطل ظهور فيلم حظر تجول بشكل كبير
· أمينة خليل.. تذهب بسهولة للاتجاه المعاكس
· إلهام شاهين.. مقتحمة. لا يهمها المظهر الخارجي
· النجاح الشديد لورقة شفرة.. كان لعنة بالنسبة لي!
· وُلدت وتربيت في شبرا.. وهذا سبب اختياري تصوير الفيلم فيها
· أميل إلى تناول الموضوعات التي هناك صمتاً مجتمعياً عنها.
· “كوريال” كان ملهماً لي.. ووهب فيلته بالزمالك للجزائر لتصبح سفارتها بمصر
· هذه هي العناصر الأساسية التي أعتبرها ركن مهم في شخصيتي
· أحاول الدفاع عن الخبرات الفردية للشخصيات التي أصبح المجتمع رافضها
أمير رمسيس مخرج مصري متميز ذو طابع خاص.. تشغله القضايا المجتمعية.. وتستفزه الجرائم المسكوت عنها.. يقدم أفلامه بأسلوب السهل الممتنع.. فيغوص معه المشاهد بانسيابية وبساطة في عُمق المشهد المطروح.. ولا يألو أمير جهداً في تحقيق هذا.. حتى ولو قام بإنجاز كل متطلبات خروج العمل السينمائي بنفسه… من كتابة القصة، للتصوير، للمونتاج، للإخراج.. كما فعل في فيلمه “عن يهود مصر”.
حصد فيلم واحد له هو “حظر تجول” على 12 جائزة من مهرجانات محلية ودولية مختلفة.. عمل في بداياته مع المخرج الكبير يوسف شاهين.. الذي اختاره للعمل معه لتميزه خلال دراسته بمعهد السينما.. عن مشواره وطموحاته وقناعاته بالحياة والفكر الذي أراد أن يطرحه من خلال بعض أعماله.. يحدثنا المخرج المتميز جداً.. أمير رمسيس.
إذا تحدثنا في البداية.. عن أمير رمسيس المخرج والكاتب … عملت كمخرج مساعد في العديد من اﻹنتاجات الأجنبية داخل مصر.. كيف بدأت هذه الخطوة في مشوارك المهني؟ وهل أفادتك في مزيد من الاحترافية خلال أعمالك التالية كمخرج؟
_ خطوة العمل على الإنتاج الأجنبي جاءت أولاً من خلال شركة أفلام مصر العالمية وهي شركة الراحل يوسف شاهين، والذي بدأت كاريري (مشواري) المهني كمساعد له، حيث أنه لحسن حظي عند دراستي في معهد السينما، كنت الطالب الأول على دفعتي، وعملت عدد من الأفلام التي جعلت هناك انتباه ما لما حققته أو عملته.. وكان لي حظ أيضاً أني كنت في مدرسة فرنسية وأتكلم وأجيد الفرنسية والإنجليزية بطلاقة.. وهذا كان شيئاً مطلوباً جداً عادة بالنسبة لأي إنتاج أجنبي يأتي إلى مصر.. كما كان هذا مطلوباً أيضاً في شركة أفلام مصر العالمية، خاصة وأن أفلام يوسف شاهين تتم من خلال الإنتاج الأجنبي المشترك مع فرنسا.
أيضاً فكرة أن هناك مساعد مخرج وقتها.. بيقولوا أو يدعوا أنه شاطر.. يتحدث عدة لغات.. كان ذلك وقتها بوابة لطيفة جداً مكنتني من الدخول للعمل مع الإنتاجات الأجنبية من خلال الشركة ومن خلال شركات أخرى بعدها، بعد أن أصبح لي اسم في هذا المجال. وبالتأكيد أن العمل مع شاهين” بدايةً، وكيانات الإنتاج الأجنبية التي تُصور في مصر لاحقاً.. تجعلك تكتسب خبرة من نوع مختلف.. نحن في مصر مثلاً نفتقد ثقافة التحضير.. إنك تدخل اللوكيشن “موقع التصوير” وعارف كل ما سيحدث.. فهذا بالتأكيد أمر تعلمته من خلال الاحتكاك معهم.
v حظر تجول
n حظر تجول.. قصة إنسانية رائعة شديدة التصديق والانغماس الوجداًني في أحداثها والتفاعل مع آلام أبطالها من جانب المشاهد.. ما السر وراء كتابتك لهذه القصة الرائعة؟
_ ربما عندما بدأت كتابة سيناريو حظر تجول في عام 2017.. كنا نعاني من حالة أعتبرها مفزعة.. فخلال شهر أو شهر ونصف، هناك أخبار تتالى متعلقة بالانتهاك الجسدي للأطفال في إطار العائلة في مصر، وكان هذا حدث متكرر جداً.. وكان ملفت للنظر بالنسبة لي دائماً أن هذا الحدث يخرج للنور مع جريمة أخرى كما لو كان المجتمع لا يعتبره هو جريمة في حد ذاته!! وفي لحظات شعرت أني أريد أن أقتحم هذا العالم.. أقتحم حالة هذا الصمت العائلي الذي يحدث تجاه هذه النوعية من الجرائم وأن أتكلم عنه، وذلك من خلال تقديم العلاقات الإنسانية التي بين البنت وأمها في الفيلم (الهام شاهين وأمينة خليل).. وهذا كان الهاجس الأساسي الذي حركني لكتابه الفيلم.. أردت التعبير عن القدرة على التعايش مع هذا الحدث، والقدرة على تجاوزه والشفاء النفسي منه..
وأنا عامةً أميل إلى تناول الموضوعات التي هناك صمتاً مجتمعياً عنها.. فدائماً آفة المجتمعات الشرقية هي الصمت. لأننا عندما نسكت على عيوبنا ونداري عليها ولا نتحدث عنها.. تكبر أكثر فأكثر جداً.. لذا أرى أننا نحتاج صراحة في موضوعات كثيرة جداً للأسف نفضل الصمت فيها.. وعادة الانتهاكات الجنسية والجسدية هي أكثر موضوع يحتاج لهذا، لأنها للأسف ترتبط بموضوع عقيم عن الشرف، ومن هنا جاء الاحتياج للحديث عن هذا الموضوع.
n ما سبب اختيارك للفنانة الكبيرة إلهام شاهين لأداء دور الأم؟ وكذلك بقية الفنانين الرئيسين بالعمل كالفنانة أمينة خليل والفنان أحمد مجدي، كامل الباشا؟
__ الحقيقة أنا كان لدي رغبة قديمة من مدة طويلة للعمل مع الفنانة الهام شاهين فهي ممثله مبهرة بالنسبة لي على كل المستويات.. أولاً هي فنانة موهوبة جداً.. ليس عندها خوف أن تقتحم أدواراً مختلفة.. وعامة أنا اشعر أن الممثلين في مصر عندهم “مساحة راحة” ما.. يحبون أن يتحركوا في إطارها وعندهم اعتناء كبير جداً بصورتهم الاجتماعية.. بمعنى أني أعمل دور عشان أعمل “لوك محدد”.. بينما الهام تحب الدور فتنتصر له للآخر.. ما بتفكرش ها تعمل ماكياج شكله إيه.. أيضاً هي فنانة نستطيع القول إنها جريئة ومقتحمة جداً.. فكل الأفلام التي أنتجتها بشكل مغامر جداً.. من يوم للستات.. لخلطة فوزية.. الحقيقية هي ممثلة محفزة لأي مخرج أنه يعمل معها، وأنا كان عندي هذه الرغبة.. لذا أول ما خلصت كتابة “حظر تجول” حسيت أنها فرصة أننا نشتغل مع بعض.
v أمينة خليل مرنة
__ أمينة خليل كانت لها تجربة سابقة صغيرة معي بأن كان لها ظهور خاص في فيلم خانة اليك.. وكان فيها حاجة ملفتة للنظر جداً بالنسبة لي.. إذ أن أمينة ممكن تبقى قادمة بمجموعة قناعات أو فكرة بنتها للشخصية خلال البروفة.. وتبدأي تناقشي معها بشكل مختلف أو حتى تذهبي معها بشكل معاكس في اتجاه بناء الشخصية.. فتذهب معك في هذا الاتجاه تماماً.. أغلب الممثلين بيكون عندهم مساحة من الأمان يشعرون بها في التصور الأولي للشخصية التي يؤدوها.. ولا يكونوا مرتاحين في الخروج من هذا التصور.. أمينة العكس.. لو وُجهت في أي اتجاه في البروفة –فلن يتبقى داخلها أي فكر عن التصور القديم.. فأمينة مرنة.. قادرة تتحرك بحرية شديدة.
__ أحمد مجدي.. كنت شايف فيه حالة من التشابه الكبيرة جداً بينه وبين الشخصية في هدوئه والسلام الذي تشعرين به ناحيته.
__ الفنان الفلسطيني كامل الباشا.. الحقيقة أنا منبهر به من أول ما شاهدت له “القضية 23” لزياد دويري.. هو ممثل تقيل (قوي) جداً بالنسبة لي.. تعاملت معه في مهرجان الجونة في الدورة الثانية.. حسيت أن فيه شيء من صفاء الشخصية.. حسيت أنه شبه يحيى في الفيلم جداً.. ومن هنا جاءت الفكرة.. وأنا سعيد أنه يعمل ظهور خاص في المساحة المحدودة دي.
n لماذا اخترت منطقة شبرا لتصوير فيلمك حظر تجول؟ هل ممكن أن تذكر لي مشهد أو أكثر تأثرت بهم بعد تصوير الفيلم أكثر من كتابته؟
__ يمكن شبرا كان اختيار شخصي جداً.. لأني اتولدت وتربيت في شبرا.. بشكل ما لا اعرف كيف أتى هذا.. ولكني وأنا أكتب السيناريو شعرت أني اكتب علاقة المكان والجيران بهذا الشكل.. فلما كتبت النسخة الأولى من السيناريو لم أكن لديَّ تصور في البداية أني سأكتب سيناريو يحدث في شبرا.. ولكن لما خلصت السيناريو شعرت أني واصف شكل هذه العلاقات.. شكل الطبقة المتوسطة دي.. لأني عشت وتربيت وسطها.. شكل الشوارع.. شكل المباني المبنية بهذا الشكل.. فهناك حاجة بصرية كانت تشدني لأن أعمل الفيلم في شبرا.. يمكن عشان عارفها جيدا جداً منذ طفولتي.
على مستوى المشاهد التي كانت مؤثرة بالنسبة لي وظلت معي بعد التنفيذ بكثير.. الحقيقة كان هناك أكثر من مشهد.. أهمهم مشهد الختام، إذ كان مُنهِك تنفيذاً جداً.. لأنني كنت مصمماً أن أصل لحالة معينة مع الممثلين.. وحتى تحدث اضطررنا لتأجيل المشهد واعادته في أيام أخرى أكثر من مرة.. لأنه لأسباب تقنية ما في التنفيذ (متعلقة بالإضاءة أو بالوقت الذي يتم التصوير فيه) كنت أفقد الممثلين.. فعندما تطلبين من الممثلين أنهم يعيدوا المشهد أكثر من مرة.. تفقدي الوهج الخاص به.. وبالتالي أجلنا المشهد عدة مرات حتى وصلنا لبناء المشهد بالشكل الذي خرج به..
n هل تأمل أن تنجح أفلام مثل “حظر تجول” في تغليظ قوانين “زنا المحارم” مثلما نجحت أفلام مثل أريد حلاً في تغيير قوانين حقوق المرأة؟
__ الحقيقة أنا مش مشغول قوي بالقوانين بقدر ما أنا مشغول بالناس.. مشغول بالمجتمع.. فأنا أرى أن لدينا ما يكفي من القوانين لمعاقبة مرتكبي هذه الجريمة.. ومشكلتنا هي في المجتمع الذي يخفي هذه الجريمة.. يمكن لو الفيلم نجح في أنه يطرح بشكل ما هذه القضية وأن الناس تتكلم عنها وأن الناس لا تصبح مكسوفة أنها تذهب للجهات المختصة لتقول إن مثل هذه الجرائم حصلت.. فهذا هو النجاح الذي أبحث عنه وليس تغيير القوانين.. لأني أرى أن هناك قوانين ربما أتمنى أن تكون أكثر صرامة.. ولكن في الآخر عندنا خطوة يجب أن تحدث قبل ذلك.
n هناك تصريح سابق لك تقول فيه: أنا لست من دعاة السينما النظيفة.. وأرى أنها من أسباب موت السينما. فهل أسيء نقل هذا التصريح.. لأنه غير واضح؟
__ الحقيقة أنا فعلا ضد السينما النظيفة.. وأرى أن أي مشهد في سياق السرد مهم أن يحدث بالشكل المناسب له.. في الآخر أنا أحب فيلم “الكرنك” لعلي بدرخان بمشاهد الاغتصاب التي يحتويها.. الحب الذي كان.. نفس المخرج.. بأحب مشاهد الحب في أفلام شاهين.. محمد خان.. رأفت الميهي.. عيون لا تنام.. لا أعتقد أنه كان لدي أبداً _يوماً ما_ فكرة أن مشهد الحب في الأفلام هو حاجة مُجَرَّمة.. ذلك التوجه الذي بدأ يحدث عندنا في التسعينات.. “السينما النظيفة التي لا تحمل قبلات وترضي جميع افراد العائلة”.. أنا لا أرى أن السينما مفروض أصلاً أن ترضي العائلة (كلها بنفس الوقت).. هناك أفلام موجهة للعائلة وهناك أفلام موجهة للبالغين وأفلام موجهة للأطفال.. هناك حاجه اسمها تصنيف عمري مناسب لكل عمر.. لو فكرت اليوم أن مشاهد الحب في الأفلام سيئة أكون بجرم فنانة مثل سعاد حسني والنجوم الآخرين.. وأنا أرى أنهم فنانون عظماء وقد صنعوا سينما عظيمة.. ولا أقدر أقول إن أنا ضدهم.
v “عن يهود مصر”
n “عن يهود مصر” فيلم من تأليفك و تصويرك وإخراجك.. ما الذي دفعك إلى تقديم هذا الفيلم؟
__ يمكن كنت حاسس في بداية الألفية وقت ما عملت الفيلم أننا لدينا خلط كبير جداً ما بين كلمة يهودي وكلمة إسرائيلي.. يعني كان هناك استخدام لكلمة يهودي في حد ذاتها كشتيمه أو سُبة.. وأنا يمكن أيام المعهد وأيام الدراسة كنت من الناس المتحمسين.. أي عندما يحدث حاجه في فلسطين أنزل مظاهرات وأذهب خصيصاً لجامعة القاهرة أشارك بالمظاهرات.. بس كان مثير جداً بالنسبة لي أن تُستخدم شتائم في اليهود وسط السياق.. لأن أنا نازل مظاهرات ضد كيان استعماري مش نازل مظاهرة ضد ديانة.. وحسيت أننا محتاجين أن نعمل تركيز على الفرق بين الاثنين.. من هنا جاءت فكرة يهود مصر.. يمكن في 2003 كنت أعمل مع شاهين على إسكندرية نيويورك.. ولما تعرضنا في أحد المشاهد لشخصية “هنري كوريال” بدأت أقرأ عنه وحدث لي انجذاب شديد له.. هذا اليهودي المصري الذي طُرد من مصر عام 50.. وبعد عبد الناصر وخطة العدوان الثلاثي.. استعان به عبد الناصر عام 69 في المفاوضات.. وهي سنه الثورة الجزائرية.. وقد أهدي “كوريال” الفيلا الخاصة به في مصر لدولة الجزائر لتصبح مقرًا لسفارتها الكائنة بمكانها بمنطقة الزمالك.. هذا الشخص كان ملهماً بالنسبة لي وشعرت أنني اريد أن أتحدث عنه.. عن مثل هذه الشخصيات اليهودية المصرية التي كانت جزءً من الحركة السياسية وأيضاً الفنية والثقافية بمصر.. كنا محتاجين أن يعرف الناس عنهم أكثر.. ومن هنا جاءت فكرة الفيلم.
يستكمل أمير: رداً على.. لماذا صورت ومنتجت (قمت بمونتاج) وأخرجت الفيلم.. أعتقد بشكل أساسي أنه محاولة للتحرر.. فلما تعملي فيلم عن يهود مصر.. أ ي تمويل سيأتي إليك سيكون تمويل قادم بأجندة.. سيكون آتٍ ومعه مجموعه من الخطوط الحمراء.. مثلا لا تتكلم عن هذا أو ذاك.. أنا كنت أرغب في التكلم عن كل حاجة.. لا أ ريد أن يُملي عليَّ أحد ماذا أقول وماذا لا أقول.. ومن هنا قررت أنا وزميلي وصديقي هيثم الخميسي.. أن نقدم الفيلم مع بعضنا.. وأن كل واحد يعرف أن يعمل شيء في الفيلم يعمله.. أنا أ صور.. أ خرج.. أ قوم بالمونتاج.. وهيثم يتعاون معي.. من هنا خرج الفيلم للنور.
v “بتوقيت القاهرة”
وماذا عن فيلم “بتوقيت القاهرة”.. ما الذي أردت أن تقوله من خلاله؟
__ لا أستطيع القول إنه كان عندي رسالة.. أنا لا أفكر في الأفلام بمنطق الرسالة.. الفيلم يحكي حالة أو يحكي شكل المجتمع.. يمكن كنت أحاول أن أحكي عن شخصيات تحاول كلها أن تعيش بشكل منفرد خارج السياق الذي يحاول المجتمع فرضه عليه.. فالمجتمع يحاول دائما أن يجعلنا شخصيات شبه بعض.. أو تفكر مثل بعض.. وهذا شيء يقلقني دائماً.. ولهذا أنظر للشخصيات الأساسية التي عندي.. مثلا يحيى شكري (نور الشريف).. الشخصية التي تطارد العلاقة الأولى في حياته والتي تجعلنا ننتصر لشكل حياته المتمردة في مقابل ابنه المتزمت.. هناك سامح الممثل المعتزل (الفنان سمير صبري) الذي يرفض تجريم الفنون والنظرة الدونية للفن الذي كان يمارسه في وقت ما، في الخط الخاص به، مع الفنانة ميرفت أمين.. هناك الشاب والفتاة اللذان يحاولان الانتصار لعلاقة حبهما في مواجهة مجتمع يحارب هذه العلاقة.. كنت أحاول أدافع عن الخبرات الفردية للشخصيات التي أصبح المجتمع رافضها الآن مع الأسف.
v لعنة ورقة شفرة
n أربعة سنوات بين ورقة شفرة 2008 وبين “عن يهود مصر” 2012.. و4 سنوات أخرى بين خانة اليك 2016، وحظر تجول 2020 … ما الذي يجعل مخرج ومؤلف متميز مثلك يتمهل مرتين لمدة 4 سنوات لتقديم جديد للساحة الفنية؟
__ هما السببين مختلفين ما بين مرحلة يهود مصر و ورقة شفرة.. وما بين خانة اليك وحظر تجول.. ورقة شفرة.. أعتقد أنه على قدر ما نجح الفيلم إلا أنه شكَّل لعنة إلى حد ما بالنسبة لي.. فأعتقد أن نجاح الفيلم في شباك التذاكر.. الذي جعله تقريبا أعلى إيرادات في السينما في وقته.. برغم أنه معمول بممثلين جدد.. ورطني بشكل ما.. من مرحلة أن عندي سيناريو وأنا الذي أبحث عن إنتاج له ، وأنا كنت محظوظ في هذا الأمر في البداية بالأفلام التي عملتها في خلال الثلاث سنوات، التي قبلها_ إلى مرحلة أن كل المنتجين يكلمونك ويريدون أنك تعملي أفلام أخرى مثل ورقة شفرة..
يريدون كوميديا من نفس النوع.. يريدون ناس جدد يطلعوا يفرقعوا نفس الفرقعة.. أنا لم أكن مشغول بأني أعمل فيلم كوميدي وقتها.. كنت عاوز أن أجرب حاجات ثانية.. فقررت أني لا أريد أن أعمل فيلم في الوقت ده.. ومن هنا توقفت، وقلت أجعل السينما تهضم ورقة شفرة ويتنسى شوية.. وآخذ فرصة أني أعمل فيلم يهود مصر.. الذي هو بالنسبة لي مشروع كان نفسي أعمله منذ عام 2003.. فقلت آخذ الاستراحة هذه من عالم السينما الروائية حتى يتم نسيان نجاح فيلم ورقة شفرة وأستطيع أن أعمل الأعمال التي أرغب في عملها.
الفترة الثانية، أعتقد أنها كانت مرتبطة بشكل أساسي بمهرجان الجونة.. يعني فكرة أنك تشتغلين مهرجان بهذا الحجم جانب صناعة السينما ليس بالأمر السهل.. خاصة في السنوات الأولى للتأسيس.. وهي الفترة التي خلص فيها سيناريو حظر تجول.. وطبعا بعدما خلص السيناريو اضطررت أن أوقف التفكير فيه تماما حتى انتهاء دورة المهرجان التي كانت حاصلة في ذلك العام.. واشتغلت على الفيلم بعد دورة المهرجان.. وبالتالي توقفت عاماً آخر.. وأعتقد أن المهرجان عطل ظهور الفيلم بشكل كبير.
__ هل يمكن أن يقبل المخرج أمير رمسيس تقديم أفلام تجارية هادفة للربح فقط.. دون أن يكون لها رسالة أو فكر يقدمه للمجتمع؟ حتى يمكنه الاستمرار في أعماله الفنية التنويرية؟
__ مش بالضبط.. أنا مش معني برسالة الفيلم بقدر ما أنا معني بعمل فيلم أرغب في عمله.. يعني فكرة “يلا أوكي فيلم لطيف معروض عليك”.. لا أشعر أنها بتاعتي.. ورقة شفرة كان فيلم تجاري وكنت مستمتع وأنا بعمله.. وفي ذلك الوقت كان عندي رغبة في أني اعمل كوميدي.. “خانة اليك”.. كان فيلم تجاري.. وفي الوقت ده كنت حابب أجرب نفسي في هذا النوع من الأفلام.. بمعنى أني وجدت سبب أريد عمل الفيلم لأجله.. لكن إني أعمل فيلم لمجرد التواجد وعمل فيلم كل سنة.. لا أشعر أني قادر أن أفكر بهذا الشكل.. مش حاسس إني إذا عملت ده سيكون الناتج أفلام حلوة.. أنا لست ضد السينما التجارية، لكن أنا إذا عملت فيلم لا أريد عمله.. استحالة ينجح.
v مهرجان الجونة السينمائي
__ بصفتك المدير الفني لمهرجان الجونة السينمائي.. ما هو تقييمك له بين المهرجانات العالمية؟ وما الذي تعتقد أنه مازال ينقصه ليحقق نجاح أكبر؟ وما الذي أضافه لأمير رمسيس؟ وما الذي أضافه أمير له؟
__ أنا أرى أن المهرجان خلال الأربع سنين الماضية بدأ يأخذ مساحة مهمة في المنطقة.. ابتدأ يبقى معروف بالنسبة للموزعين والمنتجين في العالم كله، وهذه خطوة ليست سهلة أن تتحقق في أربع سنوات فقط.. لما أنظر إلى حصاد عدد الأفلام التي تأتي الينا سنوياً من أكبر مهرجانات العالم.. وأيضاً عدد الأفلام التي نختارها سنوياً.. وصولاً إلى أنه أصبح عندنا هذا العام ثلاث أفلام من قائمة أهم خمس أفلام مرشحة لأفضل فيلم دولي وجائزة أوسكار.. وأنا أعتقد أن المهرجان بدأ يصبح له شكل واضح بالنسبة لصناعة السينما في المنطقة وهذا في حد ذاته أرى أنه إنجاز كبير.
يستطرد أمير: ماذا أضاف لي المهرجان.. أعتقد أنه أضاف لي الكثير جداً.. إذ كانت علاقتي قوية بالمهرجانات من الناحية الأخرى.. إذ كنت الضيف أو المخرج أو حد عنده فيلم في المسابقة أو عضو لجنة تحكيم.. لكن إني أبدأ في الارتباط بهذا العالم من خلال الكواليس.. أو إني أشوف المشهد من وراء الستارة.. أعتقد أن هذا أمر أضاف لي الكثير جداً.. حتى فهمي لكيفية أنه لما يكون عندي فيلم أتعامل معه ازاي، أقدمه لأي نوع من المهرجانات.. أعمل خطة ازاي.. التسويق الدولي أو التوزيع وأي نوع فيلم ممكن أذهب به لأي نوع من الموزعين.. وأعتقد أن هذه كلها خبرات جاءت لي من المهرجان.. أما بالنسبة لــ “ماذا أضفت أنا للمهرجان”.. صعب جداً أقول.. الحاجة الوحيدة التي يمكنني قولها هي.. إن أنا شخص محب للسينما و الفرجة على الأفلام من زمان، وعارف ماذا الذي يحدث في السينما العالمية.. وأعتقد أني لو كنت أضفت شيء فهو هذه المعرفة بعالم السينما وهذا الذوق في اختيار الأفلام.
n منصة الجونة السينمائي، حققت نجاحاً في دعم عدد من الأفلام، ومنها فيلم “يوم الدين” الذي فاز بعدة جوائز.. فهل هناك خطط مستقبلية للعمل على توفير مصادر جديدة لإمكانية زيادة الدعم المادي لعدد أكبر من الأفلام العربية في مراحلها النهائية؟
__ دائما عندنا طموح أن دعم المنصة يزيد.. والغريب جداً بالنسبة لمهرجان الجونة أنه يعمل منصة لدعم الأفلام منذ بدايته.. فلو نظرنا إلى أغلب المهرجانات سنجد أن هذه الخطوة تأتي بعد ما يكون المهرجان قد رسخ رجليه على الأرض.. بعد الدورة الخامسة أو السادسة أو السابعة.. ولكننا قررنا البدء من الدورة الأولى تقديم دعم موجه للأفلام بما يوازى 6000 دولار والتي ارتفعت إلى 120 ألف ثم 150,000 إلى حد أن الدورة الرابعة أصبحت تقدم حوالي 320 ألف دولار.. فدائما عندنا طموح لزيادة الدعم واعتقد أننا حتى الآن قادرين أن نعمل هذا بشكل معقول.. بالنسبة التخطيط في ظل الصناعة التي نحن فيها، أعتقد أنه لا أحد في العالم العربي كله يقدر أن يقول بشكل مضمون.. لأن الموضوع جزء من المنظومة الاقتصادية الأكبر ليس فقط في صناعة السينما التي أضيرت العامين الماضيين، بل نفس الشيء بالنسبة للاقتصاد العربي.. فأنتِ جزء من هذا المشهد.
v أمير رمسيس الإنسان
n أمير رمسيس الإنسان.. قيمة هامة نشأت عليها؟ أكثر من أثر في حياتك؟ ما هي ظروف عشقك وتخصصك بالفن؟ المخرج الذي تعتبره قدوة؟ ما هي أهم قناعاتك في الحياة؟ بعض من أحلامك المستقبلية؟
__ الحقيقة هناك مفاهيم تربيت عليها وأنا سعيد بهذا.. منها مثلا قبول الاختلاف.. وقبول الآخر والتسامح.. وعدم تصنيف البشر بناء على مرجعيتي الثقافية أو الدينية أو السياسية الشخصية.. قبول الآخر كان شيء تعلمته من أناس كثيرين وملهمين في حياتي.. ومنهم من كانوا في الطفولة.. أعتقد أن هذه هي المفاهيم الأساسية التي اعتبرها ركن مهم في شخصيتي.. اما بالنسبة للذين أثروا فيَّ.. فأعتقد أنه يأتي بشكل أساسي المخرج الراحل يوسف شاهين.. منذ كان عمري 10 سنوات عندما قررت وقتها، من خلال أفلامه، أني أريد أن أعمل في السينما.. أعتقد أن أفلامه غيرت مني كثيرا جداً.. حتى قبل معرفته شخصياً.
أيضاً المخرج الأستاذ يسري نصر الله.. تعلمت منه الكثير سينمائياً.. فيسري من الناس التي فرجتني على سينما مختلفة دائما كانت تفتح مناطق سينمائية مختلفة في ذهني.. أيضاً الناقد سمير فريد، رحمه الله.. أثر على تكويني بشكل كبير، وكان داعما فكرياً لي فترة طويلة جداً.. وأخيراً وبالطبع ليس بنفس الترتيب، والدي، الذي كان في يوم من الأيام هو من جعلني أقرا في المجالات التي حببني في القراءة فيها أكثر.. هو من دخلني السينما كي أشاهد فيلم إسكندرية كمان وكمان.. وحببني في عالم السينما وجعلني وأنا عمري 10 سنوات أقرر أن أسلك هذا الطريق.. ولازم اقول أيضاً أنه كان مشجع ليِّ جداً عندما قلت له أني اريد أن أدرس سينما وأن أقتحم هذا المجال _ ويكمل ضاحكاً_ ولا أريد أن أكون مهندساً مثل بقية العائلة.
بالنسبة لقناعاتي.. صعب جداً أن أتحدث عنها.. تحديداً في الوقت الذي نعيشه.. أو تحديدا في اللحظة الحالكة التي تعاني منها البشرية.. فنحن خارجين من 10 سنوات من الحروب الأهلية التي تحدث في دول عديدة.. إلي وباء عالمي يهدد كوكب الأرض.. ولو عندي قناعة ستكون هي أن نحيا على هذا الكوكب بسلام.. لا نؤذي بعض.. سواء بشر أو حيوانات.. نتجنب حتى حالة القسوة المجتمعية التي نشهدها ضد الحيوانات في العالم، وهذا شيء أنا مهتم به جداً.
بالنسبة لطموحاتي، مش عارف.. لكن ربما تكون طموحاتي على المستوى الشخصي هو القدرة على مواصلة ما أعمله.. وأنى آخذ نوع القرارات التي أحب أن أقوم بها بدون التضحية بقناعاتي الشخصية لمجرد التواجد أو الاستمرار. بالنسبة للحلم العالمي أعتقد أننا في مرحلة عالمية كل ما نستطيع أن نتمناه فيها هو ألا ينتهي الكوكب الذي نعيش عليه من كثرة ما نعمله فيه.. أتمنى فقط أن نظل موجودين على هذا الكوكب.. خاصة بعد ما عشنا 10 سنوات حالكين السواد.. ملايين البشر ماتت خلالهم.. سواء بأمراض أو حروب.. أشعر وكأننا عدنا لمرحلة الحرب العالمية الأولى من جديد!
أمير رمسيس في سطور:
أمير رمسيس مخرج مصري، ولد عام 1979، تخرج من المعهد العالي للسينما، قسم إخراج، عام 2000، وعمل في بدايته مساعد مخرج في عدد من أفلام المخرج المصري العالمي يوسف شاهين، قبل أن يبدأ تجربته الخاصة، ويقدم أفلاما نجحت في تمثيل السينما المصرية في مهرجانات محلية ودولية، ونال عنها كثير من الجوائز، أبرزها فيلم “حظر تجول” الذي شارك بمهرجانات عديدة منها مهرجان شنغهاي في الصين، ماليمو، مهرجان الهند، علاوة على مهرجان القاهرة السينمائي، مهرجان الجونة، مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما، وحصل الفيلم هو وأبطاله على 12 جائزة في مدة قصيرة .
ومن أعمال أمير رمسيس الأخرى مسلسل صالون شهرزاد، وفيلم كشف حساب، و آخر الدنيا، علاوة على فيلمه الوثائقي “عن يهود مصر” الذي شارك في أكثر من أربعين مهرجانا دوليا منها؛ “مونتريال، و”هامبورج”، و”بالم سبرينجز”، وفيلم “بتوقيت القاهرة” الذي عرض في افتتاح برنامج “ليالي عربية” بمهرجان دبي السينمائي عام 2014. شارك أمير رمسيس في عضوية لجان تحكيم عدد كبير من المهرجانات، ويعمل حاليا مديراً فنياً لمهرجان الجونة السينمائي في مصر.
v لينك الحوار بالفيديو: