منذ عدة سنوات قرأت عن دورات تقدمها أكاديمية ناصر العسكرية للمدنيين وسألت نفسي ما الذي يمكن أن تقدمه الأكاديمية للمدنيين خاصة وأنها تعد أحد أهم وأعرق الأكاديميات علي مستوي الشرق الأوسط وأفريقيا لتدريس العلوم العسكرية والاستراتيجية.
كان الشغف هو العامل الأهم لأتقدم للتسجيل في ثلاث دورات لكل منها طبيعة خاصة لاكتساب مهارات جديدة وهي: دورة الدراسات الاستراتيجية والأمن القومي, دورة إدارة الأزمات والتفاوض, دورة صناع القرار.
بدأت هذه الدورات في فبراير 2014 بتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ أن كان وزيرا للدفاع في 2014 بالتوسع في تنظيم دورات للمدنيين من أجل التوعية بالأمن القومي المصري والمفاهيم المرتبطة به. وكان اختيار التوقيت ونوعية الدراسة عبقريا بعد فترة عصيبة مرت بها مصر من انتفاضة يناير 2011 وتبعها حكم جماعة الإخوان ثم ثورة 30 يونية 2013, فكان القرار بمشاركة أكبر شريحة من المواطنين لتعزيز الوعي الوطني لديهم, وليدركوا ما هي استراتيجية الوطن, وماذا يعني الأمن القومي, وكيف تدير مصر أزمتها وكيفية التفاوض.
أخذت الأكاديمية علي عاتقها عبئا كبيرا في توصيل رسالتها لشرائح مختلفة من طلاب وخريجين وأساتذة جامعة وإعلاميين وجهات مختلفة من مؤسسات الدولة, بالإضافة إلي القطاع الخاص والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني من أجل بناء مواطن يعتمد علي إعمال العقل وعدم الانسياق وراء شائعات وأكاذيب, وإيجاد شراكة بين الدولة والمواطنين في مواجهة الأزمات الداخلية المؤثرة علي الأمن القومي المصري.
مفاهيم كثيرة بعضها مغلوط كانت تعتمل في عقول معظم دارسي الدورات, ودون أن نسأل نجد المحاضرين وهم خبراء عسكريون لهم ثقلهم يشرحون لنا كل ما يخص الوطن والمواطنين بأسلوب سلسل ومهارة فائقة في إدخال عقولنا معلومات غاية في الأهمية, يشاركوننا في أهم وأخطر القضايا ويطلبون أن نقدم نموذج محاكاة وكأننا نشغل أهم مناصب قيادية في الوطن.. يضعوننا أمام أنفسنا وأمام وطن بحاجة لكل فرد فينا ولا نجد أمامنا إلا الفخر والإدراك بعظمة مصر وقيادتها وشعبها.. ونتخرج من هذه الدورات ونحن مختلفون تماما فكريا ووطنيا ونفسيا عما كنا عليه قبل اشتراكنا في هذه الدورات الهامة.
أكاديمية ناصر العليا عززت روح الوطنية والانتماء ومفاهيم البذل الحقيقي, وأدركنا أهمية العلم والتكنولوجيا والبحث العلمي لبناء وطن قوي يقف شامخا أمام دول ومنظمات كبري تتربص يه وتتمني له السقوط.. فكل دورة من الدورات الثلاث يشترك فيها شهريا المئات يدخلونها مواطنين ويخرجون منها جنودا كل واحد في مجاله يحمل سلاحه ويعمل بفكر جندي مقاتل يدرك أن عليه مسئولية في النهوض بهذا الوطن العظيم.
ورغم أن نوعية المحاضرات والورش والتدريبات العملية تختلف من وقت لآخر, إلا أنها تضمنت شرح مفاهيم ثورات الربيع العربي ـ التحديات والتهديدات التي تواجه الأمن القومي المصري ـ الصهيونية وقيام دولة إسرائيل ـ المخططات الغربية لتقسيم الشرق الأوسط ـ دور حلف شمال الأطلنطي في الشرق الأوسط ـ الأساليب المستخدمة في حروب الجيل الرابع ـ الخلفية التاريخية والقانونية لمثلث حلايب وشلاتين, حقوق مصر التاريخية في مياه النيل ـ تكوين ومهام مجلس الأمن القومي ـ مجلس الدفاع الوطني ـ المجلس الأعلي للقوات المسلحة ـ قوانين التطوير من المنظور السيكولوجي ـ دور صناعة البيئة الابتكارية في اتخاذ القرار ـ مفهوم وأهمية علم التفاوض ـ أسس ومبادئ الإبداع ـ علم صناعة القرارـ سيناء الماضي والحاضر والمستقبل.
إن الحديث يطول عن الحالة الوجدانية التي تتركها هذه الدورات في النفس وعن روح الإخاء التي تتولد من التفاعل والترابط بين الدارسين وعلاقة الاحترام المتبادل بين المحاضرين والدارسين, والأهم هو شعورنا بالفخر بالمؤسسة العسكرية العريقة والجيش العظيم, وهذه العقول التي لا تنام وتظل متيقظة ومتحفزة ومستعدة لدرء أي خطر يواجه أم الدنيا.