ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
صلوا بلا انقطاع
هناك ارتباط شديد بين الفرح والصلاة والشكر حتي أنه تم ذكرهم في ثلاث آيات متتالية: افرحوا كل حين, صلوا بلا انقطاع, اشكروا في كل شيء (1تس5:16-18).
في حياتنا المسيحية وفي كل العبادات الأخري, تبدو الصلاة عملا رئيسيا للإنسان, فالصلاة نعمة منحها الله للإنسان, فقد أعطانا إمكانية الحديث معه في أي وقت وفي أي مكان, وهذه نعمة خاصة جدا يتمتع بها كل إنسان, فالحديث مع الله غير مرتبط بظروف أو وقت أو مكان أو أي شيء, فعندما نتأمل في هذه النعمة نجد أنها نعمة عظيمة جدا, يمكن أن نقول عنها:
+ الصلاة هي لقاء مع السيد المسيح وحديث من القلب للقلب.
+ الصلاة هي تنفس الروح.
+ الصلاة هي الخط المفتوح دائما للاتصال بين الله وبيننا.
+ الصلاة هي كوب فارغ يوضع أمام الله ليملأه.
+ الصلاة تغيرنا وتغير الآخرين وتغير الأحوال والظروف.
مراحل الصلاة:
يقول الأب ثيؤفان الناسك عن حياة الصلاة:
1- أول مراحل الصلاة هي الصلاة بالجسد, والتي تتركب من مجموعة قواعد, مثل: القراءة, والصلاة, والوقوف بخشوع, وعمل الميطانيات, ورفع الأيادي.. إلخ, فلكل صلاة النظام الخاص بها.
فمثلا صلوات المزامير لها نظام معين, وصلوات القداسات لها نظام آخر, وصلوات العشية لها نظام.. وهكذا, وهذا ما يسمي بطقس الكنيسة.
وفي هذه المرحلة يستخدم الجسد في الصلاة, مثل: رفع الأيدي, عمل الميطانيات, الوقوف.. إلخ), أما العقل فكثيرا ما يتشتت, وتشتيت الفكر هو أحد المشكلات الرئيسية للصلاة.
2- المرحلة الثانية: تكون فيها الصلاة علي قدر كبير من الانتباه الداخلي, حيث يركز ذهن الإنسان في كلمات الصلاة لكي ما يكون منتبها لكل كلمة ينطق بها, فلا يصلي كما يقول المثل: كما لقوم عادة!! فهناك شخص يركز في كلمات الصلاة ويستوعبها جدا, ومن ضمن التداريب التي ينصح بها الآباء لكي نستطيع أن ننتبه لكلمات الصلاة هو أن من يصلي يقوم بقراءة المزمور الواحد مرتين متتاليتين, بحيث إنه إن لم يستطع أن يركز في كلمات المزمور في المرة الأولي, يمكنه أن يركز في المرة الثانية.
3- المرحلة الثالثة: يسميها الآباء صلاة القلب, فيها تتحدد أفكار الذهن مع مشاعر القلب لينتج عنها الشعور الدافئ بالوجود الدائم مع الله, وقد تأمل وكتب فيها كثير من الآباء, فقلب الإنسان من أهم الأمور في الحياة الروحية, لأن القلب في بعض الأحيان يكون معبرا عن الكيان الإنسان كله, فيشعر الإنسان في هذه اللحظة أنه متواجد في الحضرة الإلهية, ولا يشعر بمن يتواجد حوله من الناس, ولكن بالطبع هذه المرحلة هي مرحلة متقدمة جدا في الحياة الروحية.
لذلك عندما يصل الإنسان إلي هذه المرحلة فإنه يكون قد وصل إلي الصلاة بلا انقطاع الصلاة الدائمة.
الصلاة الدائمة
هي الصلاة التي لا تتوقف, يصلي فيها الإنسان بلا انقطاع, يترنم بشكر, يمجد الله من اللحظة التي يفتح فيها الإنسان عينيه وحتي المساء.
هي صلاة عفوية تخرج من القلب, هي تعمل كما يعمل القلب باستمرار وتوقفه يعني الموت, هي كالتنفس لم يتوقف منذ ولادتنا, أو مثل الدم الذي يجري في عروقنا بدون انقطاع, وتوقف دورانه يعني الموت.
الصلاة بلا انقطاع هي شركة مع الله لا تنفصل معه, لا تفصلها سوي الخطية.
عندما سئل القديس باسيليوس الكبير, كيف أن الرسل كانوا يصلون بلا انقطاع؟
أجاب: في كل أعمالهم كانوا يتفكرون في الله, فكانت هذه الحياة الروحية هي صلاتهم الدائمة.
قال أحد الآباء: إن داومت كل حين علي طعام الحياة الذي للاسم القدوس, اسم ربنا يسوع المسيح بغير فتور, فهو حلو في فمك وفي حلقك, وبترديدك إياه تتقدس نفسك, وبذلك يمكن أن تقتني الحياة.
محور الصلاة الدائمة يرتكز في اسم يسوع المسيح, وهذا الاسم إن أكثرت في ترديده يصل إلي الحلاوة في فمك, كما نقول في إبصالية السبت اسمك حلو ومبارك في أفواه قديسيك, وأيضا أعطي فرحا لنفوسنا تذكار اسمك القدوس, فمجرد ذكر اسم يسوع يشعر الإنسان بالفرح, وهذا هو ارتباط الصلاة بالفرح وبالشكر.
كما ذكرنا سابقا والصلاة الدائمة يربطها الآباء بالتنفس, حيث إن الصلاة الدائمة عبارة عن جملة تتكون من كلمات معدودة, هذه الكلمات مثل السهم له مقدمة, هذه المقدمة هي اسم يسوع, لذلك يطلق عليه, ومن الأمور الجميلة في التاريخ الكنسي أن الآباء الذين عاشوا الحياة المسيحية النسكية ابتكروا الصلاة القصيرة أو الصلاة السهمية, ويعتبر هذا من الابتكارات الرائعة.
ومنذ القرن الرابع امتدت الصلاة الدائمة عند كل الكنائس الشرقية وفي البراري المصرية, فتظهر في تعليم نيلس السينائي ويوحنا الدرجي, وتظهر واضحة في تعاليم مارإسحق السرياني.
وانتقل كل هذا التراث القديم بكل غناه إلي الآباء الروس الذين قاموا بتطبيقه بكل أمانة وإخلاص وشغف حتي بلغوا فيه شأنا كبيرا, ويظهر بوضوح في قصة السائح الروسي التي سنتعرض لها فيما بعد.
وإذا تتبعنا تاريخ الصلاة الدائمة نجد أن الله نفسه طلب من الآباء في العهد القديم, فيقول في سفر التثنية: ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم علي قلبك. وقصها علي أولادك وتكلم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين تقوم. واربطها علامة علي يدك ولتكن عصائب بين عينيك (تث6:6-8).
وفي العهد الجديد يظهر منهج الصلاة الدائمة بتكرار اسم الرب يسوع باستمرار يارب يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطئ مع استخدام الفم والعقل والقلب جميع الحواس.
ولقد تعود الشرقيون أن يستعملوا هذه العبارة, ويمكن أن يقال باختصار: ياربي يسوع…
فلتكن كلمة الرب في قلبك وتحكيها دائما لأولادك, كما يقول داود النبي: أخبر باسمك إخوتي. في وسط الجماعة أسبحك (مز22:22), ولتكن كلمة الرب هي محور حديثك في البيت, فأحيانا في حديثنا في البيت نتكلم في أمور بعيدة تماما عن الحياة الروحية.