ونحن نحتفل في هذه الأيام المباركة بعيد حلول الروح القدس، وبدء صوم أبائنا الرسل الأطهار، يتردد فى أذهاننا ما قاله القدّيس بولس الرسول فى رسالته إلى أهل غلاطية “وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ” (غل5: 22، 23). فالإنسان الذى يسكن ويعمل فيه الروح القدس تزهر وتظهر فيه هذه الثمار وتعمل فى حياته. دعونا نركز على ثمرة واحدة وهي “اللطف”.
وما أحوجنا لاقتناء هذه الصفة، في عالم انتشر فيه العنف والتنمر بين البشر وزادت فيه الضغوطات الاجتماعية بسبب الأزمات الاقتصادية وانتشار الأوبئة.
دعونا نبدأ..
أولاً هذه الصفة مصدرها هو الله ذاته –له كل المجد- فقول القديس بولس: “أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟” (رو2: 4). فالله من لطفه لا يتعامل معنا “بالورقة والقلم” وإنما يصبر علينا ويطيل أناته ويشفق ويتحنن حتى نتوب ونرجع إليه، جميل جدًا التعبير الذى يقوله الناس: “الله يلطف بينا” أو “يارب ألطف”. فالمشكلة والأزمة الكبيرة بلطف الله تمر بدون خسائر.
وأوصانا القديس بولس أيضًا أن نكون مثل الله فى لطفه قائلاً: “وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ” (أف4: 32). الإنسان اللطيف يشفق على ألاخرين ويشعر بآلامهم وأوجاعهم ويسعى ليُخفف عنهم، فهو سهل أن يسامح وينسى مثل الأطفال الأبرياء الذين لا يحملون ضغينة لأحد.. لا يسامح فقط بل يستر على أخطاء الآخرين ولا يشهر بهم.. فقد صار قلبه كبير أكبر من أي مشكلة أو خلاف..
جميل التعبير الذي يستخدمه الكتاب “فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفًا…” (كو3: 12). أحشاء رأفات.. الإنسان اللطيف أحشائه تئن عليه حينما ينظر وجع الناس وآلامهم.. لا الناس فقط بل الحيوانات أيضًا.. يترفق بهم فصارت هناك جميعات تحمل اسم “الرفق بالحيوان”..
يقول الكتاب أن اللطف صفة تميز الإنسان العاقل “حَدِيثُ الأَحْمَقِ كَحِمْلٍ فِي الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا اللُّطْفُ عَلَى شَفَتَيِ الْعَاقِلِ” (سى21: 19).
هناك بعض الأشخاص الأحاديث معهم حِمل ثقيل والتعامل معهم فى منتهى الصعوبة، أمّا الإنسان اللطيف يحلو لنا التعامل معه ومرافقته والحديث معه. فيقول الكتاب فى موضع آخر “الْفَمُ الْعَذْبُ يُكَثِّرُ الأَصْدِقَاءَ، وَاللِّسَانُ اللَّطِيفُ يُكَثِّرُ الْمُؤَانَسَاتِ” (سى6: 5).
يحتاج العصر الذي نعيش فيه خاصّة في ظل الضغوطات النفسيّة بسبب انتشار جائحة كورونا، أناس عقلاء يُخففون على الآخرين أحمالهم ويلطّفون عليهم ضغوطات الحياة. الإنسان اللطيف كنسمة ريح باردة فى ظهيرة يوم حرارته مرتفعة.
الإنسان اللطيف لا يُقحم نفسه في خصوصيات الغير، فهو عاقل ولمّاح يعرف متى يسأل ومتى يصمت، متى يضحك ويخفف على الآخرين، ومتى يصمت وقت آلامهم. والحقيقة أن هذه الحكمة والافراز يعطيه الروح القدس العامل والساكن في المؤمن.
وعلى مستوى الأسرة يقول الكتاب: “لُطْفُ الْمَرْأَةِ يُنْعِّمُ رَجُلَهَا” (سى26: 16). فطوبى للزوج الذى زوجته تحمل صفة اللطف، فهي عاقلة لا تضغط عليه بالأسئلة، وتعرف متى تسأل ومتى تطلب، وتشعر جيدًا بمشاعر زوجها، والزوجات أيضًا يحتاجن للرجل اللطيف الذي يتعامل معهن “كآنية ضعيفة” (1بط3: 7). يتعامل معها بكل رفق وحب ووقار..
نطلب من روح الله القدوس أن يُنعم علينا بهذه الصفة الجميلة .. “اللطف”..