أفادت الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة بأن المدنيين يواصلون الفرار من الصراع المسلح وانعدام الأمن في شمال موزمبيق، بعد أكثر من شهرين على هجوم “داعش” على مدينة بالما الساحلية الواقعة في إقليم كابو ديلجادو، ويكمن الخطر الرئيس هنا في أن الاستيلاء على “بالما” يُعد خطوة استراتيجية لتأمين تدفق إيرادات للتنظيم الإرهابي من خلال التحكم في طريق أساسي على المحيط الهندي، يقع على بعد 10 كيلومترات فقط من موقع يقطنه عمال نفط أجانب يعملون على تطوير مشروع غاز بمليارات الدولارات.
كما أن التنظيم، تغلب بسهولة على قوات الجيش والشرطة وفرق من المتعاقدين الأمنيين الخاصين تابعين للشركة الفرنسية المسؤولة عن المشروع.وأوضحت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن حوالي 70 الف شخص فروا من المدينة منذ 24 مارس، وقت الهجوم، ليصل إجمالي النزوح إلى ما يقرب من 800الفاً.
ويعاني الاهالي من الصراع المستمر في محافظة كابو ديلجادو، بين جماعة “أنصار السنة” من جهة وهي جماعة مسلحة تحاول إنشاء دولة إسلامية في موزمبيق، بايعت تنظيم “داعش” وتعاونت معه، وقوات الأمن الموزمبيقية. من جهة، وكان المدنيون هدفا للهجمات التي يشنها مقاتلو الجماعة. وتهاجم الجماعة، قرى نائية، وغالبًا ما تستخدم الأسلحة البيضاء في عملية «ذبح» ضحاياها، وكانت لها العام الماضي عملية اعدام جماعي ل 52 شخص في ملعب للكرة بوسط المدينة التي تصل نسبة المسلمين فيها الى اكثر من 52% وهي نسبة تفوق كل ولايات موزمبيق حيث تشكل نسبة المسيحيين في موزمبيق الاغلبية وتصل الي 57.6 % من السكان.
كان الناس يفرون يومياً إلى مناطق أبعد جنوباً، أو إلى تنزانيا المجاورة. وورد أن آلافاً آخرين انقطعت عنهم السبل في مناطق حول بالما، في ظل تقييد وصول المساعدات الإنسانية.
وقال المتحدث باسم المفوضية بابار بالوش خلال مؤتمر صحفي للمنظمة الأممية في جنيف: “أخبر الفارون موظفي المفوضية أن الوضع في بالما لا يزال غير مستقر للغاية، مع استمرار إطلاق النار ليلاً وإحراق المنازل”.
وساعدت المفوضية وشركاؤها مؤخرا الأشخاص الذين يعيشون في ظروف مزرية في المناطق النائية حول بالما، ووزعت مواد الإغاثة على حوالي 10 آلاف شخص نازح.
العودة إلى الخطر
أفادت سلطات موزمبيق بأن العديد من الأشخاص الذين حاولوا عبور النهر، الذي يحدّ بين البلدين، قد أُعيدوا قسراً. تمت إعادة أكثر من 9600 مرة منذ يناير، مع حدوث 900 عملية إزالة على مدار يومين هذا الأسبوع.
وقال بالوش: “تكرر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دعوتها من أجل أن يصل أولئك الفارين من النزاع إلى الأراضي وأن يحصلوا اللجوء، ولا سيما احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية. يجب عدم إجبار اللاجئين على العودة إلى الخطر”.
من جانبها قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، اليونيسف، إن الاحتياجات هائلة في كابو ديلجادو، الواقعة في منطقة تعافت بالكاد من إعصار مميت في عام 2019.
واوضح المتحدث باسم المنظمة جيمس إلدر إنه في أعقاب الهجوم على “بالما”: لم يكن لدى حوالي 2000 طفل أية فكرة عن مكان والديهم، أو حتى إذا كانوا على قيد الحياة. فما يحدث في كابو ديلجادو هو أزمة أطفال – حالة طوارئ فوق حالة الطوارئ – مزيج قاتل من آثار تغير المناخ والصراع وكوفيد-19، كما تحتاج النساء والأطفال بشكل خاص إلى المياه المأمونة والصرف الصحي، فضلاً عن التغذية والتعليم والرعاية الجسدية والعقلية والحماية.
وحذر المتحدث باسم اليونيسف، من أن “العديد من الأطفال عانوا من صدمة عميقة. وإذا لم تتم معالجتها، فقد تصبح مكونا لأزمة طويلة وممتدة يمكن أن تنتشر بسرعة إلى مناطق أخرى”.وأضاف إلدر: “الأمر المخيف للغاية هو أننا لا نملك الصورة الكاملة لما يحدث للأطفال ،وتعمل اليونيسف مع حكومة موزمبيق وشركائها للحصول على الإمدادات والخدمات المنقذة للحياة للأطفال والأسر النازحين والمجتمعات التي تستضيفهم الآن.
وأبلغ موظفو اليونيسف عن سماعهم قصصا عن عمليات قتل وتشويه مزعومة، غالبا بطرق مصممة لبث الرعب. وتعرضت الفتيات والنساء للاغتصاب والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وتشير تقارير لم يتم التحقق منها كذلك إلى تجنيد الفتيان قسراً للقتال، بينما يتم اختطاف الفتيات للعمل “كزوجات”.وفي الوقت نفسه، تعرض أكثر من ثلث المرافق الصحية للضرر أو الدمار، بينما تعرضت أكثر من 220 مدرسة وأنظمة مياه متعددة للهجوم. ولا توجد منشآت عاملة على الإطلاق في المناطق التي اشتد فيها القتال.
تعمل الوكالة أيضا على تعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال، وتوفير الأطعمة العلاجية الخاصة لما لا يقل عن 33500 شخص من اليافعين المصابين بسوء التغذية الحاد، من بين إجراءات أخرى.ومع وجود احتياجات كبيرة للغاية، فإن التمويل ينفد. وتحتاج اليونيسف الآن إلى حوالي 90 مليون دولار لدعم عملياتها.
وكما تقول دعاء عويضة، باحثة في الشأن الإفريقي، هذا الصراع الذي يهدّد ليس فقط وحدة الدولة في موزمبيق؛ وإنما أيضًا مدى سيطرتها على مواردها، وحفاظها على سيادتها، وتكمن خطورة الوضع في موزمبيق في كون جماعة الشباب تمكَّنت من إقامة روابط مع الميليشيات المتشددة في الصومال وتنزانيا وكينيا، ويحدث ذلك رغم وجود اتفاقيات أمنية مع تنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا، من أجل إنشاء قيادة عسكرية إقليمية. الأمر الذي قد يؤدّي في الأخير إلى تدخل أجنبي لن يكون سوى هدية للمقاتلين المحليين وداعش، الذين سيسوقون للصراع حينها على أنه جزءٌ من حرب عالمية ضد الكفار. وهكذا تدخل موزمبيق من جديد في دائرة من الصراع التي ستُخلِّف الكثير من الآثار على الداخل والخارج الإقليمي والدولي.
خلفيات الصراع
بدأت القصة بنشوء احتجاج محلّي، يُقابَل بعنفٍ وتجاوزاتٍ من الشرطة المحلية، وفساد مالي حكومي كبير، وفشل إداري سمح بتحويل بعض المتمردين المحليين لمسلحين، فتنظيم الدولة الاسلامية، داعش، كان نَشِيطًا في ليبيا ومالي والنيجر والكونغو، لكنَّه بدأ يتوسع في موزمبيق، في مناطق الأقلية المسلمة، التي لا تتجاوز نسبتها خمس السكان، وهنا قامت الشرطة المحلية بملاحقة العناصر المتمردة، حتى وقعت في تجاوزات، وأعمال عنف وتعذيب ضد السكان، في المناطق التي يشتبه أنها توفّر ملاذًا آمنًا لعناصر المتمردين. ما قاد للسخط الشعبي، وتوفير دعم لتوسُّع الحركة المتمردة، وتحوُّلها لاحقًا لفصيل مُبايع لتنظيم الدولة. وبدلًا من أن تسعى الحكومة لمعالجة الأمر بحلول اجتماعية وسياسية، تبيَّن أنها لجأت للحل العسكري مباشرة، واستدعت عناصر من المرتزقة تسبَّبت عملياتها بقتل وإصابة الكثير من المدنيين
في عام 2017م، بدأت جماعة “أنصار السنة”؛ تشنّ هجمات على أهداف حكومية ومدنية في كابو ديلجادو، وهي مقاطعة غنية بالياقوت والنفط، ويبلغ عدد سكانها 54٪ من المسلمين؛ بينما معظم موزمبيق مسيحية
. وبحسب ما ورد تشكَّلت المجموعة في عام 2015م من قِبل أتباع رجل الدين الكيني المسلم “عبود روجو محمد” الذي استقر في موزمبيق، وكان ذلك بعد وفاته في عام 2012م، ويسميهم الموزمبيقيون حركة الشباب، لكنهم ليسوا تابعين لجماعة الشباب المسلحة في الصومال.
يشكّل الموزمبيقيون غالبية أعضائها، وكثير منهم يحمل ضغينة ضد الحكومة، لكن من المعروف أيضًا أن بعضهم ينتمون إلى تنزانيا والصومال. أصبحت الجماعة عنيفة بشكل متزايد منذ عام 2017م، حيث لم تعد تعترف بالحكومة وأنشأت معسكرات تدريب خفية للقتال ضد الجيش. ووقعت العديد من الهجمات على المباني الحكومية والمدنيين؛ حيث أصبح قَطْع الرؤوس وحرق المنازل طريقة عملهم.
منذ مارس 2020م، تصاعد العنف بشكل أكبر، وسيطر المتمردون على العديد من القرى والبلدات والمناطق، وعبر الصراع الحدود إلى تنزانيا. وأعلنت وزارة الدفاع في موزمبيق أن قواتها بدأت عملية عسكرية لاستعادة مدينة بالما الساحلية من مسلحين مرتبطين بتنظيم الدولة ، كانوا قد سيطروا عليها بعد هجمات أسفرت عن مقتل العشرات.
وقال المتحدث باسم الوزارة عمر سارنجا: إن الجيش يخوض مواجهات مع المسلحين في مواقع عدة من أجل استعادة البلدة التي تقع قرب الحدود مع تنزانيا، وتضم أحد أكبر الاستثمارات الخاصة في مجال الغاز بإفريقيا بقيمة 20 مليار دولار