يعلمنا السيد المسيح قائلا:اجعلوا الشجرة طيبة يأتي ثمرها طيبا.
واجعلوا الشجرة خبيثة يأتي ثمرها خبيثا.فمن الثمر تعرف الشجرة(متي12:33).
إن حياة الإنسان عقيدة وكفاح وجهد وعرق, وهذا يعني أن نعزم علي تحقيقها, ونجعلها نصب أعيننا, حتي تصير مصدرا للسعادة في قلوبنا, كما يجب أن نكرس أنفسنا لها, كل هذا يتطلب منا الجهد والتضحية حتي يكون لنا هدف واضح في حياتنا, ويصبح موقفنا منها نبيلا ومشرفا, ونستعد لمواجهة الصعوبات التي تعترضنا ولا نخاف منها, وكل هذا لا يتحقق في لحظة.
مما لا شك فيه أننا نقع في الفشل عدة مرات, ولكن لا نسمح أن يدب اليأس في قلوبنا.
يحكي أن الفيلسوف أفلاطون ذات يوم أراد أن يختبر معادن الناس, فألقي بحجر في وسط الطريق ثم اختبأ خلف أحد المنازل ليعاين ردود أفعال البشر نحوه, فإذا برجل يسير حتي تعثر به, فقام للتو وأخذ ينظف ثيابه ثم تابع السير, فقال أفلاطون:هذا هو نموذج الرجل العادي الذي تتكون منه الأمم, وإذ برجل آخر يعثر به, فبدأ يسب ويلعن ويملأ الجو صياحا, ثم التفت يمينا ويسارا متوعدا ومهددا, ولكنه تابع سيره فيما بعد,فقال أفلاطون:هذا رجل لا خير فيه, يعيش عالة علي غيره.
وإذ برجل ثالث عثر بالحجر ولكنه لم يقع, فركل الحجر بقدميه ثم تابع السير, فقال أفلاطون:هذا رجل ثوري يقاوم الشر بالشر.
أخيرا مر رجل رابع فعثر بالحجر ولما قام من سقطته, نقل الحجر من مكانه, حيث وضعه علي جانب الطريق, ثم تابع سيره, فقال أفلاطون:هذا هو الرجل الصالح الذي يحتاج المجتمع إلي أمثاله.
إن النفوس السامية تشعر بأن الواجب قبل كل شيء,والواجب دائما وأبدا مادام في الإنسان عرق ينبض, وكل شخص صاحب ضمير حي, يشعر بالمسئولية تجاه الواجب, ويقوم به علي أكمل وجه, كما أنه لايتهرب منه مهما تعددت الأسباب .
إذا يجب ألا نتمثل بهؤلاء الذين يختلقون شتي الأعذار حينما يطلب منهم أي عمل لأنهم لايرغبون في أداء أي شيء, كأن الأعذار سبب كاف لإعفائهم من تتميم واجباتهم, ومهما وجدنا من الأعذار المقنعة يجب ألا تعفينا من واجباتنا, وكما يقول الفيلسوف أفلاطون:إذا أتممت واجبك بالرغم مما تشعر به من عناء, فالعناء يزول,بينما لذة القيام بالواجب لاتزول أبدا مادام هناك مجال للعمل والعطاء, فلا ينتهي الواجب, والإنسان الذي لم يبذل كل ما في استطاعته, فهو لم يبذل شيئا, لذا يجب أن تكون لنا الإرادة الصالحة مع عزة النفس حتي نسمو بذواتنا.
والإنسان القليل الهمة والذي يكتفي بأقل جهد هو إنسان لايقدر معني الواجب ولايحترم المجتمع الذي يعيش فيه, ولكن عندما نتمم واجباتنا مهما كانت صغيرة أم كبيرة فهذا يدل علي الإمانة والإخلاص, إذا يجب أن نصنع الخير اليوم بقدر المستطاع, فقد لانكون هنا في الغد, كما نطلب من الله أن يجعلنا أناسا أقوياء في مواجهة صعوبات الحياة وضيقاتها, وكما نقرأ في القول المأثور:الناس صنفان:موتي في بيوتهم وآخرون أحياء في بطون الأرض يا ليت كل واحد منا يتخذ لحياته شعارا:السعي والعمل وعندما نقوم بأي عمل, يجب ألا نلتفت إلي المنفعة الشخصية التي تعود علينا في أقرب وقت, وإنما نعمل لأن العمل شريعة كل حي حتي لو لم يكن بحاجة, ونعمل أيضا بهدف منفعة الآخرين واضعين في الاعتبار أننا نعيش ونستفيد من عمل الغير, لذلك يجب علينا أن نفيد الناس بعملنا وتعبنا, كما يجب ألا نترك فرصة تفوتنا لعمل ما يرضي الله والآخرين وفيه فائدة للمجتمع بأسره, وعندما نفعل هذا نكسب القلوب وحب الناس واحترامهم لنا.
جميعنا يعلم جيدا أن حياة الإنسان نشاط متواصل, يبدأ مع طلوع كل فجر, ولا يتوقف إلا حين يأوي إلي فراشه مساء, ولا يحقق هذا سوي الشخص صاحب الهمة والأخلاق النبيلة والوجدان, والذي يقدر قيمة الحياة ومعناها, وكما يقول الشاعر:لاتحسب المجد تمرا أنت أكله…ولن تدرك المجد حتي تلعق الصبرا فالحياة البشرية الحقة هي شباب دائم وطموح لايعرف حدودا, وتفاؤل يتجاهل المستحيل , وشجاعة لاتخاف الأخطار, وثقة بالله والنفس والرغبة في الأعمال الإنسانية المجيدة.
ونختم بالقول المأثور:الحياة حجر رحي قد يطحنك أو يصقلك فالأمر يتوقف علي نوع المعدن الذي صنعت منه.