فوق صليب التجارب, نصعد تباعا, واحدا تلو الآخر, لن يفلت أحد, إنها حقيقة كتابية أخبرنا عنها الكتاب المقدس, في العالم سيكون لنا ضيق, لكن الأنصبة موزعة طبقا لحكمة غير مستعلنة, مثلما المجد المستعلن في كل منا يأتينا في حين لا نتوقعه, لكن لكل صليب رفاقا للعون, ولكل ضيق مصابيح نور لمجد الله, فحينما أنزلوا المسيح من فوق الصليب, لم يكن لينزل بمفرده, لكنهم أنزلوه, لذلك ما أعوزنا نحن المعلقين فوق صليب التجارب إلي رفاق صادقين يحملوننا, ينزلوننا, ينزعون الشوك المغروس في جباهنا, والمسامير التي شقت كفوفنا, رفاق عينهم الله نوافذ في الضيق.. أنتم هؤلاء الرفاق, نعم أنتم الذين تقع أعينهم الآن, وهنا علي هذه السطور المتعلقة ببصيص من الرجاء لإنقاذ ناهد.
كتبنا عنها منذ شهرين تحت عنوان الأحلام المعلقة علي بوابات العمر المحترق, حينها كانت حالتها تسمح بالانتظار, أما الآن وقد رقدت رقادا تاما, صار إجراء الجراحة حتميا, كنا آملين أن يساهم أحد في سداد تكلفة الجراحة المقررة لها في العمود الفقري حتي تستعيد قدرتها علي الحركة, لكن حينها لم نحصد تفاعلا يذكر. يبدو أن الله لم ير أنه الوقت المناسب, أما وقد آن الآوان ها نحن نعيد إلي ذاكرتكم الحنونة. قصتها.
ناهد ـ اسم مستعار للسرية ـ امرأة أربعينية, تزوجت في عام 1997, أنجبت ثلاث بنات, الوسطي ـ الآن ـ في الثانوية العامة, ولدت بنصف بصر, بعين واحدة, كانت هده الأزمة بداية تيه التجارب, سعت ناهد بابنتها وأجرت لها جراحة زراعة عدسة لتتمتع بالشكل الطبيعي للعين, لتنتهي صلاحية هذه الجراحة عند سن الثامنة عشر, وقد بلغته, لكن ما باليد حيلة. إنها أحلام مؤجلة. والفتاة تحيا بالعدسة منتهية الصلاحية حتي يومنا هذا, لكن من أين تصلحها إذا كانت أمها التي تسعي من أجلها رقدت حتي طلب المساعدة لم تعد قادرة عليه. فناهد التي تعيل الأسرة كلها مصابة في عمودها الفقري, ليس بسبب الخدمة والأثقال التي كانت تحملها في كل مكان تقوم بتنظيفه, وإنما لأنها منذ سنوات طويلة تقوم بحمل زوجها بمفردها.
نعم تحمل زوجها, بعد إصابته بجلطة كبري في المخ, أدت إلي شلل نصفي, فلا يقوي علي الحركة بمفرده, ولا علي الحياة في مجملها, كانت تصطحب بناتها وتطوف به علي المشافي الحكومية, تتوسل إليهم حلا أو جلسات علاج طبيعي, علها تؤتي بثمار الشفاء, لكنها أحلام مؤجلة.
ومرت السنوات, وناهد معلقة علي صليب المسئولية, فتيات صغيرات, ولا معين, رجل قعيد ولا معين, خففت كأس المر بالرضا والسعي بحثا عن الرزق, في منازل المتعاطفين معها.
تعود للمنزل منهكة تتطلع إلي نفسها, وإذا بجسد مسترخ وكأنه جثة, لكن يجذبها الحنو والحب من يديها وقدميها, يجرها نحو زوجها, تقتاده إلي دورة المياه الضيقة التي لا تتسع للمقعد ذي العجلات, تسحبه من فوقه, تحمله في أحضانها, تغسل جسده وتهتم بنظافته, ثم تعيده لسريره آمنا, تلقي نظرة علي نفسها في المرآة, لتجد علي اكتافها حملا زاد فوق الحمل, وقد تحولت إلي رجل البيت.
هكذا عاشت وهكذا ربت الفتيات الثلاث, وهكذا قامت برعاية زوجها حتي الآن, وتحولت الآلام للذة الإنجاز في كل مرة تتمكن من تجاوز العقبات وتسلم إحدي بناتها لمرحلة تعليمية أعلي, فالكبري الآن في العام الثاني الجامعي, والوسطي في الثانوية العامة والصغري في الصف الأول الثانوي.
ظلت معلقة علي صليب المسئولية, صليب التجارب, حتي حط جسدها, فما عادت المرأة الفولاذية التي تحمل زوجها لتحممه, ولا المرأة القوية التي تغادر منزلها كل صباح لتمارس أعمالا شاقة وتعود بنفقات تعليم ومعيشة أسرتها.
أصيبت بانزلاق غضروفي في ثلاث فقرات, ولم يكن الأمر طبيعيا فبعد الاشعات واستشارة الخبراء في مجالي جراحة العظام والمخ والأعصاب, أجمعوا علي احتياج ناهد لجراحة دقيقة في العمود الفقري.
أوقف الإنزلاق كل نشاط يمكن أن تقوم به, وتولت الابنة الكبري رعاية والدها وأخواتها, تحدد موعد الجراحة الأسبوع القادم, تكلفتها 45 ألف جنيه, تبرع الطبيب بخمسة آلاف, فصارت التكلفة 40 ألفا, مازالت الكنيسة وعدد من أصحاب القلوب الحنونة يحاولون جمع المبلغ مضافا إليه تدبير نفقات الانتقال للعلاج الطبيعي, ونفقات رعاية الأسرة التي بلا عائل تماما الآن, وهو أمر سوف يطول لمدة شهور, لن تجد الأسرة خلالها عائلا سوي أصحاب القلوب الذائبة حبا للذين قال عنهم الرب إنهم إخوته الأصاغر وما فعلتموه بأي منهم فقد فعلتموه بالرب هذا خياركم, وأنتم أصحاب القرار الأخير لتنزلوا هذه المرأة عن صليب التجارب أو تتركوها معلقة مضروبة بسياط العوز والمرض والعجز.