نواصل قراءة كتاب المرأة ليست لعبة الرجل لمؤلفه الكاتب والمفكر الكبير سلامة موسي (1887-1958م), وفيه يؤكد أن المرأة إنسان مثل الرجل لها كرامة ذاتية وكرامة اجتماعية, إذا أنتجت أحست بالكرامة, وإذا عطلت عن العمل المنتج أحست بكل ما يحسه الرجل المتعطل, وأضرت المجتمع بكل ما يضر به الرجل المعطل حتي ولو كان ثريا, موضحا أن فراغ المرأة أسوأ من فراغ الرجل الذي يشغل وقته بنشاط اجتماعي, بينما إحساس الإنتاج هو إحساس الصحة النفسية والخير الاجتماعي والصلاح, ومن ثم فإن الاختلاط ليس للتفرج وإنما للإنتاج والخدمة والنمو ونضج الشخصية.
ويشيد برفاعة الطهطاوي الذي بصر بقيمة التعليم للمرأة حين كانت مصر قتاما وظلاما, ومن مؤلفاته كتاب المرشد الأمين للبنات والبنين, الذي كان يستعمل للمطالعة في مدارس مصر إلي أن دخل الإنجليز, فمنع استعماله لأنه كان يدعو إلي تعليم البنات, والاستعمار مثل الرجعية هو أعدي الأعداء لنهضة المرأة وتعليمها, كما يشيد بقاسم أمين الذي دعا المرأة إلي الاختلاط بالمجتمع لتدرس شئونه وتحيا الحياة المستقلة التي تمليها عليها شخصيتها ونحن الآن أكبر من قاسم أمين ومن رفاعة الطهطاوي معا لأننا قد ارتقينا إلي فهم جديد لمقام المرأة في العائلة.
وعند الكاتب أنه مادامت المرأة إنسانا فإن لها الحق في أن تحيا حياة الرجال بحقوق الرجال, تنمو وتتعلم وتنضج وتتلقي كوارث الدنيا وتختبرها وتتعلم منها الحكمة كما تنعم بمتعة الثقافة والإنتاج والزواج والأبناء, مشيدا بدور المرأة في الإنتاج القومي في الولايات المتحدة وأوروبا.
ويري سلامة أنه يجب أن تكون لدينا فلسفة عن المرأة بحيث نبحث وندرس حال المرأة ومستقبلها في آلاف السنين القادمة في مصر. وفلسفتنا عن المرأة لا تقل في قيمتها عن فلسفتنا عن معاني الحرية والاستقلال والإنسانية بل قد تزيد علي بعضها, ويضيف يجب أن تكون لنا فلسفة عن المرأة المصرية بحيث لا ننشد مساواتها بالمرأة الأوربية فقط, بل نتجاوز هذه المساواة إلي آفاق إنسانية أبعد وأوفي.
وعنده أن المرأة عندما تعمل تجد الكرامة والاستقلال والأمل والثقة, فلا تقلق علي مستقبلها ولا تخشي أن يفوتها زواج, حيث تعرف أن كرامتها وعيشها وسعادتها لا تتوقف علي محاسنها الجسدية فقط, فإن لها محاسن أخري هي ذكاؤها ومهارتها وإنسانيتها التي تنمو جميعها بالعمل الذي يربيها وينضجها, والفتاة التي عملت وكسبت من عملها قبل الزواج تعد خير الزوجات عندما تتزوج لأن اختباراتها السابقة تجعلها تفهم المجتمع الذي تعيش فيه وتفهم قيمة العمل ومسئولياته.
ويسعد الكاتب لأنه يوجد في الصين 144 سيدة يشغلن مناصب رئيسات للمحاكم ونحو ضعفي هذا العدد من القاضيات أو أكثر, حيث ارتقت المرأة الصينية التي كانت قبلا تولد لتخضع وليس لتستقل لذلك يجب أن نزور الهند والصين ونري بأعيننا ماذا فعل الهنود والصينيون للارتفاع بنسائهم نحو المستوي الإنساني, ويجب أن نتعلم منهم ونقتدي بهم.
وعنده أن جميع الشعوب المتمدنة قد سبقتنا إلي تعليم المرأة وإلي رفعها إلي مستوي الرجال في تحمل الأعباء الوطنية, وفتحت لها أبواب الوظائف الصغري والكبري داخل بلادها وخارجها, فإن شعوب أوروبا تنتج الإنتاج العظيم لأن رجالها ونساءها يعملون في المصانع والمتاجر والوظائف, ويؤكد أننا الآن في عصر جديد هو عصر ديمقراطية الشعب كله وليس ديمقراطية نصفه وإهمال النصف الآخر, ولذلك سنبقي متخلفين اجتماعيا وفقراء اقتصاديا إلي أن نساوي بين الجنسين ونجعل المرأة تنتج كالرجل سواء وتمارس حقوقها الاجتماعية والدستورية والمدنية مثله, فإن الإنتاج في الزراعة والصناعة لم يعد يتجاوز قدرة المرأة, حتي المرأة الحامل, ودخلت المرأة في المصانع وحررت نفسها من الحاجة إلي زوج يعولها, وأصبح الملايين من النساء يعملن ويكسبن عيشهن وهن عزباوات أو متزوجات, ولم نعد نري الزوج القديم الذي كان يضرب زوجته أو يهينها اعتمادا علي أنه وحده كاسب العيش.
ويدعو سلامة موسي إلي إنشاء وزارة للعائلة في مصر, مثلما فعلت إحدي دول الشمال الغربي في أوروبا, بهدف بحث الأسباب التي تؤدي إلي التنافر بين الزوجين, وتشجيع الآباء علي التناسل المعقول, ورد المكانة إلي البيت, فإن الطلاق وتعدد الزوجات هما كارثة المجتمع المصري, لذا يجب أن نهتم بالعائلة, وتعليم الشبان والفتيات وقت عزوبتهم التفاصيل السامية عن الحب والحياة الزوجية وشرف الأمانة الزوجية وجمال الجسم وجمال النفس. وانتصار المرأة في التعليم ثم في الميادين الاقتصادية المختلفة سيضطر الرجال في مصر إلي الاعتراف بالمساواة المطلقة في الحقوق العائلية, ما يتطب إلغاء حق الرجال في الطلاق وتعدد الزوجات ورد هذين الحقين إلي هيئة القضاء.
ويؤكد أن مركز الأم بالدراسات الحديثة يكبر في المجتمع وقيمتها تعلو علي أي قيمة في التربية, فالأم هي الأصل في الحب البشري العام وهي الأصل في الإحساس الإنساني, والأصل للمجتمعات البشرية.
ويري أن الزوج زميل زوجته وليس رئيسها, كلاهما علي مستوي واحد, حيث تقوم العلاقة بينهما علي الحب, ويختتم الكاتب بقوله: هلموا نحو التمدن, والتمدن هو حق المرأة في الحرية وواجبها في الإنتاج, بل حقها قبل كل شيء في المساواة بالرجل وزمالتها له, وليس مرءوسيتها له.