في الخامس من يونية عام 2013 تجمع العشرات من كبار المثقفين والفنانين المصريين في مبني وزارة الثقافة المصرية ليعلنوا عن رفضهم لمحاولات جماعة الإخوان الهيمنة علي الثقافة المصرية التي تمثل خط الدفاع الدائم والمنيع لحماية هوية الوطن وروحه الحية وكان علي رأس هؤلاء قامات بحجم وقيمة سيد حجاب وفتحية العسال وصنع الله إبراهيم وبهاء طاهر وغيرهم الكثير.
تحول الغضب إلي اعتصام داخل مقر الوزارة واستمر الاعتصام الذي أصبح كرنفالا فنيا في تحد لقوي الظلام وتزايد عدد المشاركين يوما بعد يوم. ويعتبر هذا الحدث هو الشرارة الأولي التي انطلقت بعدها بأيام ثورة 30 يونية التي نجحت في الإطاحة بحكم الجماعة ورفعت شعارا واحدا يسقط حكم المرشد.
نتذكر هذا ونحن نقترب من الاحتفال بذكري ثورة 30 يونية التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان وفي الوقت نفسه نتابع الحالة المتراجعة التي تمر بها الفنون المصرية والتي شكلت خلال عقود طويلة قوة حقيقية لهذا البلد ورصيدا يتزايد يوما بعد يوم.
ولم يكن أحد من صناع الثقافة والفن يتوقع أن يصبح الحال بعد 8 سنوات من ثورة كانت الثقافة محركها والدفاع عن الهوية الوطنية هدفها الرئيسي أن يتراجع دور المثقف علي هذا النحو وتعاني الفنون بهذا الحد الذي يهدد عرش قوتنا الناعمة في المنطقة العربية وأفريقيا.
بالتأكيد هناك أسباب عديدة وراء هذا التراجع الذي تجلي في المستوي غير المرضي لمعظم الأعمال الفنية التي نتابعها والنقص الشديد في عدد الأعمال الفنية التي نتابعها والنقص الشديد في عدد الأعمال التي يتم تقديمها خاصة في السينما ـ بالطبع ساهمت جائحة كورونا في تفاقم أزمة الإنتاج ـ التي أصبح عدد الأعمال المقدمة لا يرقي لتاريخ الفن السابع المصري إضافة إلي سيطرة سينما ـ الاستهلاك والاستسهال ـ تلك التي تذكرنا بمواجهة سينما المقاولات في ثمانينيات القرن العشرين لكن الفرق بين الحالتين أن فترة الثمانينيات شهدت أيضا موجة الواقعية الجديدة أو الواقعية السحرية التي حافظت عن ثقل ونفوذ الصناعة وكان من بين رموز تلك الموجة كل من عاطف الطيب ومحمد خان وخيري بشارة وآخرون.
بينما تعاني صناعة الدراما من أزمة حادة تتزايد عاما بعد عام وقد كشف الموسم الرمضاني للدراما عن عمق الأزمة سواء علي مستوي النصوص أو تراجع واضح وصارخ في كفاءة صناع الدراما ـ خاصة المخرجين ـ في الوقت الذي تعاني فيه الكفاءات الفنية من التعطل وغياب الفرص.
أما عن مستوي الممثلين فقد تابعنا عدة ظواهر مقلقة للغاية من بينها تلك الهيمنة المفرطة وغير المنطقية لنجوم الصف الأول والذي لا يزيد عددهم علي عدد أصابع اليد الواحدة علي كل مفردات الصناعة القومية والحيوية فهي صناعة للعقل والوجدان كما أن ظاهرة توريث الفن تهدد مستقبل عشرات المواهب الذين لم يولدوا في أسر فنية إضافة إلي الخطر الكبير من الشللية التي عبر عنها كثير من الفنانين والتي تحول دون توفير فرص عمل وأصبح الواقع الفني في مصر يعاني من خلل كبير في فرص العمل وتصعيد الكفاءات وتقديم المواهب الحقيقية ـ بالطبع هناك استثناءات عديدة فالتعميم غير وارد لكننا نتحدث عن ظواهر صارخة ـ وكانت أزمة مسلسل نسل أغراب كاشفة لكل ما يجري في الساحة الفنية وكيفية إدارة هذا الملف الحيوي والخطير.
فالسينما والدراما في مصر ليست مجرد وسيلة للمتعة والتسلية بل هي مسألة أمن قوي لا تحتمل العبث والتجريب.
الخروج من تلك الأزمة ليس مستحيلا فقط يحتاج إلي تحقيق عدد من الشروط من أهمها أن تتوافر الإرادة لتجاوز المحنة واستعادة رصيد أوشك علي النفاد وظهرت أطراف إقليمية تسعي بقوة لاحتلال مكانتنا وهذا الأمر رغم صعوبته إنما يمثل مؤثرا علينا التعامل معه بجدية.
كما أنه من الضروري منح أهل الاختصاص مساحة كافية لإدارة الملف وحسن اختيار الكفاءات التي يمكن أن تصنع ما نريد من تقديم فن جيد وممتع وجذاب بقدر كبير من إتاحة مساحات لحرية المبدع فلا إبداع بدون حرية ويمنح المشاهد حقه في الفرز والتقييم شريطة توفير كافة الرؤي الفنية والمدارس الإبداعية.
وقد كنت وما زلت مع دور فعال للدولة في صناعة الوعي خاصة في مراحل بعينها. ذلك الدور الذي لا يعني غلق مجالات العمل أمام التجارب الفردية والمساهمات الخاصة لكن دور الدولة الذي لعبته المؤسسة القومية للسينما ـ التي كان يرأسها في وقت من الأوقات نجيب محفوظ ـ هذا ما نبتغيه وما نأمله.