* الوظيفة الغائبة
** مرات عديدة حدثتكم عن صديقنا هاني الذي استضفناه معنا في حقل الخير منذ أبريل 2010, وعلي امتداد 11 عاما ونحن معه ندعمه بمحبتكم وتعضيدكم ليواصل رحلة الحياة الصعبة بعد أن رحل صاحب الشركة التي كان يعمل بها, وجد نفسه بين عشية وضحاها علي قارعة الطريق بلا عمل وبلا مورد, اللهم إلا المعاش الضئيل الذي قررته له التأمينات حسب مدة اشتراكه القصيرة.
وفي صبر ومثابرة وإيمان عميق واصل هاني رحلته.. كنا نري فيه مثالا للأب المجتهد في إخلاص لأسرته الصغيرة.. تعب كثيرا دون يأس, ولم يترك بابا إلا وطرقه ليوفر حياة كريمة في أبسط صورتها لزوجته وابنته الوحيدة كريستين التي وقف إلي جوارها يشجعها ويدعمها بكل ما هو آت حتي التحقت بكلية الألسن, ولما أكمل رسالته دعاه الرب فأتاه مجدا كمجد القديسين عندما شاء أن يفترسه فيروس كورونا بعد شهور من تخرج ابنته, وقبل أن يعيش فرحته بالشهادة والوظيفة التي كان يحلم بها لوحيدته.
** في نهاية كتاباتي عن الصديق هاني حدثتكم عن الابنة كريستين التي تعيش الحزن العميق بعد أن فقدت الأب والسند وتركها وحيدة بلا معين, ورأيت أن خير عوض للخروج بها من عمق مأساتها أن نوفر لها وظيفة كريمة, ساعدني علي هذا تفوقها وهي حاملة شهادة الليسانس في اللغة الإسبانية بتقدير جيد جدا, وإجادتها للإنجليزية, وتفوقها في العديد من المجالات التي ذكرتها وأنا أستعرض سيرتها الذاتية لكن مضت الأسابيع دون أن أتلقي ردا, وكأن ما كنت أحسبه سهلا صار الآن صعبا!!
** البيت المنهار
** في لقائي معكم الأحد الماضي دعوتكم لنعيد بناء بيت عم زكريا وكانت كلماتي التي اختتمت بها حديثي إليكم تحمل دعوتي علي وجه السرعة عندما قلت البيت في حاجة إلي إعادة بناء قبل أن يتساوي بالأرض ويعود عم زكريا إلي العراء.. ولم يكن هذا مجرد تشجيع للهمم, لكنها الحقيقة المؤلمة لأسرة قست عليها الأيام مرة ومرات.. المرة الأولي عندما فقد الأب البصر بعينه اليمني منذ عشرين عاما وكانت بداية صداقتنا, ومن يومها ونحن معه نحاول جاهدين بالمتابعة الطبية الحفاظ علي رؤيته بالعين اليسري..
لكن الصعب في حياته لم يقف عند هذا, فالقدر يلاحقه بالمآسي واحدة تلو الأخري, ولأنه يشكر الله من كل قلبه علي كل تجربة, فملائكة الرحمة تعينه, وأيدي الخير تحيطه وتنتشله من قسوة القدر المتلاحقة.
** الرجل الطيب الذي أحدثكم عنه كان يعمل فلاحا بالأجر في أراضي الغير بمركز البراري بمحافظة أسيوط, ولما قسم الرب له أن تشاركه حياته امرأة فاضلة وزوجة صالحة أقام منزلا صغيرا كبيوت الفلاحين في عزبة الأقباط, لكن عدو الخير لم يتركه هانئا عندما اجتاحت السيول في نوفمبر 1994 أراضي العزبة وابتلعت بيوتها, وخرج وزوجته وأولاده الرضع إلي العراء, وكحسب إيمان أيوب كان زكريا رفع يديه شاكرا الرب علي كل حال, وكانت استجابة السماء سريعة وقام أحد رجال الأعمال بإعادة بناء كل بيوت العزبة..
وعاد عم زكريا وأسرته إلي البيت الذي بني علي وجه السرعة راضيا شاكرا, لكن ظلت ضربات القدر وقسوة الحياة تلاحقهم واحدة تلو الأخري, وكان آخرها أن البيت الذي بني منذ أكثر من ربع قرن سينهار, ويعودون مرة أخري إلي العراء!!
***
** عفوا إن كنت عدت لأكتب لكم عن أصدقاء كتبت عنهم من قبل ولم أتلق ردا, فهذا ما لم أعتاده لأن أيادي الخير كانت دائما ممدودة مع كل نداء.. فماذا حدث!! أخشي أن تكون كورونا أصابت كل شيء في حياتنا حتي منابع الخير, وأنستنا أحباءنا المتألمين والمحتاجين, مع أننا في رمن الوباء أكثر ما نكون احتياجا لتقترب قلوبنا.. مرة أخري أدعوكم يا كل الأصدقاء صناع الخير لنلتف حول الابنة كريستين والعم زكريا.