تسبب الصراع في اليمن في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ودفع الرئيس الأمريكي جو بايدن لوضع هذا الصراع على رأس أولوياته في اجندة السياسة الخارجية.غير أن ثلاثة مصادر مطلعة على سير المفاوضات، أحدها مسؤول أمريكي، قالت إن أحدث جولة من المحادثات أخفقت في إقناع الطرفين المتحاربين، وهما الحكومة الشرعية متعاونة مع الانفصاليين الجنوبيين،من جهة والحوثيين من جهة اخرى، والمدعومين بالترتيب، من السعودية وإيران بتقديم تنازلات.غير أن الأمل لم يفارق من وجدوا أنفسهم عالقين وسط معارك ضارية حول مأرب المدينة اليمنية النفطية، وتركزت فيها أسوأ الاشتباكات منذ شهور.، لمافيها من جزء كبير من ثروة اليمن النفطية وآبار استخراج النفط وفيها المصفاة وفيها كذلك محطة الطاقة الرئيسية، والسيطجرة عليها تعد معركة حاسمة من الصراع في اليمن بالنسبة للطرفين، ما تسبب في وقوع الاف من المدنيين قتلى، وما زال القتال مستمراً.
في هذا الاطار، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها البالغ، إزاء الهجوم الذي وقع يوم الخميس بالصواريخ والطائرات بدون طيار في مدينة مأرب اليمنية، مما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا المدنيين، وقعت الهجمات بالقرب من مجمّعات في مأرب تضم عاملين إنسانيين.
وفي المؤتمر الصحفي اليومي من المقرّ الدائم بنيويورك، قال نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق: “يأتي هذا الحادث في أعقاب هجوم على محطة وقود في نهاية الأسبوع في مدينة مأرب، مما أدى أيضا إلى سقوط ضحايا، وهجوم الخميس يؤكد مرة أخرى تحمّل المدنيين في اليمن العبء الأكبر في هذا الصراع.”.
وأوضح فرحان أن تمويل خطة الاستجابة الإنسانية لليمن حاليا وصل الى نسبة 43 %، مع تلقي 1.65 مليار دولار من إجمالي المتطلبات البالغ 3.85 مليار دولار.
وتحث الأمم المتحدة أطراف النزاع على الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك ضمان حماية المدنيين وعمّال الإغاثة والبنية التحتية المدنية
وكان المبعوث الخاص الخاص إلى اليمن، مارتن جريفيثس، قد ناقش، خلال زيارته الأخيرة إلى السعودية في نهاية مايو الماضي، الوضع الحرج في مأرب، وشدد على أن “معركة مأرب يجب أن تتوقف لإتاحة الفرصة أمام جهود السلام الدبلوماسية لتحقيق نتائج إيجابية”.
كما أشارت الأمم المتحدة إلى أن حوالي 20 ألف شخص نزحوا في محافظة مأرب ما بين 8فبراير و10 أبريل، وقالت إن معظم أولئك الذين أجبروا على الفرار هم من بين المليون شخص نازح الذين يعيشون فعلا في المحافظة، وهو أكبر عدد من السكان النازحين في اليمن.وحذرت المنظمة الأممية من المزيد من التصعيد المحتمل مع توقع بنزوح أكثر من 105 آلاف شخص مع حلول شهر سبتمبر المقبل إذا استمر القتال.
تجدر الإشارة إلى أن المبعوث الخاص اختتم أمس زيارة استغرقت يومين إلى إيران التقى خلالها وزير الخارجية جواد ظريف، وكبار المسؤولين الإيرانيين، لمناقشة آخر التطورات في اليمن. وأكّد جريفيثس خلال الزيارة من جديد أنّ حلّ النزاع يكون من خلال تسوية سياسية شاملة تفاوضية بقيادة يمنية.
جذور الصراع
منذ إعادة توحيد اليمن في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، اشتكى الحوثيون “اصحاب المذهب الشيعي”من النفوذ المتنامي للمتطرفين السنة، فرفعوا شعارات التهميش، في وجه سلطات صنعاء. وتحولت الحركة تدريجيا لميليشيا مسلحة، ودخلت في مواجهات دامية مع الجيش اليمني وخاضت معه ستة حروب بين 2004 و 2010، وكان صالح يصف الحوثيين بـ “الإرهابيين”. ومنذ ذلك الحين تنامت القوة العسكرية للحوثيين، الذين تتوارد الاخبار ان ايران تزودهم بأحدث الأسلحة بما فيها الصواريخ التي باتوا يستعملونها بشكل متنامي في حربهم الحالية مع السعودية. وشارك الحوثيون عام 2011 في الحراك الشعبي ضد نظام علي عبدالله، صالح كباقي اليمنيين، مطالبين بإشراك المكون الحوثي في أجهزة الدولة.
في عام 2012، تنحى الرئيس علي عبد الله صالح عن الحكم، في سياق ما أطلق عليه ثورات “الربيع العربي” وفي إطار خطة للانتقال السياسي دعمتها دول خليجية. وفي نفس العام، أنتخب نائب الرئيس صالح، عبد ربه منصور هادي رئيسا للبلاد وكانت على رأس المهام التي يجب أن يقوم بها هي الإشراف على “حوار وطني” يتمخض عنه دستور شامل لدولة اتحادية.
وعقب سيطرة الحوثين على صنعاء فرضوا عام 2015 الإقامة الجبرية على الرئيس هادي ورئيس الحكومة خالد محفوظ بحاح وبعض الوزراء، قدم هادي استقالته في 22 يناير 2015 إلى مجلس النواب، بعد استقالة الحكومة برئاسة بحاح، ولم يعقد البرلمان جلسة لقبول الاستقالة أو رفضها. من جانبهم عزل الحوثيين هادي وقامو من خلال إعلان دستوري بحل البرلمان وتعليق العمل بالدستور وبتولي اللجنة الثورية برئاسة محمد علي الحوثي، رئاسة البلاد.
ظل هادي قيد الإقامة الجبرية إلى أن فر من صنعاء متجهاً إلى عدن في 21 فبراير 2015، وأعلن منها سحب استقالته وأصدر بياناً جاء فيه “أن جميع القرارات التي اتخذت من 21 سبتمبر باطلة ولا شرعية لها”، وألغى “اتفاق السلم والشراكة” مع الحوثيين، والذي كان قد تم التوقيع عليه بين القوى السياسية برعاية أممية في وقت كان الحوثيون قد أحكموا قبضتهم على صنعاء.وأعلن هادي عدن عاصمة مؤقتة للبلاد حتى خروج الحوثيين من صنعاء ورفض ما وصفه بالانقلاب.
رأت الرياض يد إيران في سيطرة الحوثيين السريعة على السلطة في اليمن، واعتبرت ذلك تهديدا مباشرا لأمنها القومي. وفي مارس 2015 بدأ التدخل السعودي بتشكيل تحالف عسكري عربي من بين أهدافه دحر الحوثيين وعودة حكومة هادي الشرعية. وبعد شهور من المعارك تمكن التحالف من دفع الحوثيين والموالين لصالح الذين تحالفوا معهم، إلى الخروج من عدن في جنوب اليمن ومن مأرب إلى الشمال الشرقي من صنعاء، لكن الخطوط الأمامية ازدادت رسوخا لتبدأ سنوات من الجمود.
ويستعمل التحالف بشكل خاص القوة الجوية بكثافة بنتائج ميدانية محدودة. لذلك يسعى الأمريكيون حسب تقرير لـ”واشنطن بوست” في أغسطس 2019 إلى محادثات مباشرة بين السعوديين والحوثيين، خصوصا بعد الشروخ التي ظهرت في التحالف السعودي الإماراتي.
تأسس “المجلس الانتقالي الجنوبي” بنزعة انفصالية عام 2017، في سياق الصراعات في محيط الرئيس منصور هادي. وسيطرت قوات تابعة للمجلس الانتقالي على عدن وزادت وتيرة المطالب في الجنوب بالانفصال عن الشمال. وهذا الأمر شكل تحديا أمام هادي الذي يعتبر نفسه ضامنا لوحدة البلاد.
من ناحية اخرى تعتبر الإمارات عضوا رئيسيا في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية. وتصنّف الإمارات “الإخوان المسلمين” على أنها “جماعة ارهابية”، وتعمل على الحد من نفوذها في اليمن، خصوصا في المناطق الجنوبية الخاضعة لسيطرة القوات الانفصالية الموالية لأبو ظبي والتي تسعى لتأسيس دولة مستقلة في الجنوب. ويتهم الجنوبيون حكومة هادي بالسماح بتنامي نفوذ الاسلاميين خصوصا أعضاء في حزب “التجمع اليمني للإصلاح” المحسوب على جماعة الاخوان المسلمين. والمفارقة هي أن الانفصاليين الجنوبيين وقوات الحكومة معا، يقاتلان معا في صفوف التحالف ضد الحوثيين.
وهكذا، يرتبط الملف اليمني ارتباطا وثيقا بالعديد من الأحداث الإقليمية مما يجعل هناك تقصيرا دوليا بخصوص كارثة اليمن الإنسانية والتي عبر عنها الأمين العام للأمم المتحدة في 1/3 /2021 في مؤتمر المانحين بالقول إن “أكثر من 16 مليون شخص يعانون من المجاعة هذا العام وتوفي أكثر من 50 ألف يمني بسبب الجوع إلا أن وعود التبرعات جاءت بأقل من نصف المطلوب 3.8 مليار دولار حيث جاءت الوعود بـ 1.7 مليار دولار فقط، أغلبها من السعودية والإمارات.
الجدير بالذكر أن الإحصاءات الأولية للأمم المتحدة تشير إلى سقوط أكثر من 330 ألف قتيل على الأقل وعشرات الألوف من الجرحى والمصابين على جانبي النزاع بينهم عدد كبير من المدنيين، أطفالٌ ونساءٌ ورجال.