لم تكن أغلي الكنوز التي يملتكها الإنسان علي وجه الأرض قد تساوي لحظة واحدة تعاني فيها النفس البشرية وتقاوم فيها إحساس العطش والذي لا يشعر به إلا من جفت كل أحشائه وفقد فيها كل ما لديه من سر بقاء الحياة وعندما نقيم مبدأ الخلق واستمرار البشرية سوف نجد أن خالق الكون جعل الكون له مكونان كي يتزن كوكب الأرض هما اليابس والماء ولم تكن نسبة المياه سواء السائلة أو المتجمدة التي تمثل ثلاثة أرباع وزن الكرة الأرضية ونسبتها من المياه المالحة 97% بينما المياه العزبة 3% إلا أنها من ثوابت الكتلة التي تحفظ اتزان الكوكب في دوران منتظم حول الشمس وتتغير نسب المياه علي الكرة الأرضية طبقا لخريطة الأمطار والبخر من البحار والمحيطات ونسب التغيير في المناخ وما يصاحبها من ذوبان لأجزاء من المتجمد ولا يخفي علي أحد أن المياه المالحة في البحار والمحيطات هي معامل الأمان التي تستطيع تعادل الأوزان علي جسم القشرة الأرضية وبالتالي تمثل مركز ثقل الأرض ضد أي خلل يخترق طبقاتها حتي الجوف. وتساوت القارات الخمس في مستويات المياه العذبة من خلال الأنهار التي صنعتها الطبيعة والتي وجدت الأمطار وغزارتها في مناطق مسطحة ومحدودية الأودية في تلك الدول جعلت الطبيعة مسارات جرفت أمامها نحرت طرق لها من قصي المسافات كي تصل إلي أوطان كانت أوديتها ومخراتها طوق نجاة لتلك الدول وإلا توقفت المياه عندها وتحول يابسها إلي بحر أو نهر أو بحيرة دمرت تلك الحدود والدول بل إن الطبيعة حمت السكان والشعوب والحضارات وكانت المسارات التي صنعت هي النجاة التي صنعها الخالق الذي قدر الأرزاق بصناعة المياه التي تنبت البشر والزرع والحياة. وتتماشي الحياة بها ولكن قد تقل المياه في بعض المناطق المنتشرة في القارات وتظهر قلة المياه العذبة في جنوب قارة آسيا وشمال أفريقيا جعل تلك الدول تنتهج مسارات تكنولوجية تستطيع أن توفر بدائل من تحلية مياه البحر والبحث عن المياه الجوفية وعمل الخزانات السطحية والبحيرات الصناعية لحجز مياه الأنهار. ولم تشهد البشرية التقاتل علي امتلاك المياه ولا حتي التخاصم بها في المحكمة الدولية إلا حديثا فيما حدث بعد خدعة ثورات الربيع العربي تحت شعار الحرية وعدالة اجتماعية والتي خططت له الولايات المتحدة لصالح إسرائيل ونفذتها كل من تركيا وقطر وإثيوبيا وإسرائيل ولم تقف عند ذلك ذهبت إلي صناعة الإرهاب وتصنيع المرتزقة في دول الغرب وحولها وبناء ما سموه الدولة الإسلامية (isis) وقيام دولتهم التي دعمتها تركيا بالتدريب والتنقل من خلال أراضيها وقطر بالمال والأشخاص وإسرائيل بالتخطيط والتوجيه. ولما سقطت داعش ونجحت مصر في صد الإرهاب بل وتساعد كل الدول المحيطة حولها مثل ليبيا والسودان والأردن وقطعت أوتار الإرهاب الذي تصدره حماس وإسرائيل إلي سيناء. ولم تزل تلك الدول المخربة الحيل والخطط في تدمير الشعوب العربية والعربية فقط فلجأت إلي تعطيش دول العرب من خلال نقض الاتفاقيات الدولية لأنهار وبحيرات المياه العذبة التي هي حياة البشر والحيوان والشجر ووضعت مخططها لتعطيش كل من مصر والأردن والعراق وسوريا وهنا أقف لماذا تلك الدول بالذات ولأسباب ما أهمها إنها دول الجيوش ومبدأ القوة الباقية في الوطن العربي. وكانت كل الخطط المطروحة تسير وتنفذ في وقت واحد تحسبا أن أحدها قد ينجح ووسط ثورات الربيع العربي والإرهاب الذي ينتشر بأركانه حتي بدأت تركيا حجز مياه نهر دجلة بكل الاتفاقيات المائية والتي وقعت في عام 1920 للمياه بين العراق وتركيا وسوريا, ونص عليه عدم بناء السدود أو الخزانات أو تحويل مجري الأنهار, بطريقة تلحق الضرر بالأطراف الموقعين ببلاد الرافدين وبلاد ما بين النهرين, تسميتان أطلقتا علي العراق قديما, في إشاره إلي نهري دجلة والفرات اللذين يمران عبره ويندمجان في مجري واحد هو شط العرب الذي يصب في الخليج العربي. ويبدو أن المياه التي كانت تتدفق عبر النهرين في طريقها إلي الزوال, أو علي الأقل الانخفاض إلي أكثر من نصف الكمية التي كانت تتدفق في العادة, بعد إقامة السدود التركية التي تسببت في تراجع منسوب المياه فيهما, وتحديدا في نهر دجلة الذي ينبع من تركيا, مثله مثل شقيقه الفرات. يأتي هذا فيما مازال العراق يعاني من التشظي والحرب علي الإرهاب, حيث وجد نفسه معرضا للجفاف جراء تراجع كمية المياه المتدفقة عبر نهر دجلة إلي نحو 50 في المائة بعد أن بدأت تركيا بتحويل المياه إلي سد إليسو. ورغم الاعتراضات العراقية علي هذا المشروع, الذي أوقفت دول الاتحاد الأوروبي تمويله كما ترفض الالتزام المعاهدات الدولية التي تصنف نهري دجلة والفرات علي أنها أنهار دولية عابرة للحدود, وبدلا من ذلك, تتصرف أنقرة وكأن هذه الأنهار هي أنهار تركية محلية. وعلي الصعيد السوري أدي القصف التركي والأمريكي الذي لديه أهداف أهم من المعلن علي الجماعات المسلحة في سوريا, والحرب في غرب العراق, إلي تدمير تجهيزات مصادر المياه من السدود والأقنية, ما أدي إلي نقص في المياه المتاحة ليس لأغراض الري وحسب, بل للشرب وتنشيط مناطق زلزالية, ما كان له تأثير علي المياه الجوفية في سوريا وأدي إلي القحط والجفاف الذي لحق بمناطق الفرات ونزوح ما يقرب من مليون مزارع إلي درعا لعبوا في الأزمة, الأمر الذي كان له أثر بالغ الضرر في المجالات الزراعية والبشرية وتربية الحيوان وإنتاج الطاقة. وعلي الناحية الأخري ومنذ أن احتلت إسرائيل الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية في حرب سبعة وستين حتي تمسكت سوريا بعد حرب 73 بانسحاب إسرائيل من كامل الشاطيء ويبدو أن التسوية السياسية لن تحل المشكلة لأن الدول المشرفة علي الأنهار التي تغذي البحيرة لبنان سوريا ومن ثم إسرائيل والأردن كلها تريد المياه للشرب والزراعة. مشكلة الجفاف في المنطقة دفعت الدول للاستفادة من الماء بشكل يومي بدل التفكير في مستقبل البحيرة. إلي الجنوب من بحيرة طبرية يخرج نهر الأردن حاملا الماء إلي غور الأردن ليصب في النهاية في البحر الميت. واقع الحال أنه بسبب الانخفاض الحاد لمستوي بحيرة طبرية فالسلطات الإسرائيلية تستخدم مضخات لدفع المياه للجريان عبر نهر الأردن وبالتالي إذا ارتفع منسوب البحيرة في يوم ما, فهذه المضخات ستكون بلا فائدة لأن المياه ستسيل لأن مستوي البحيرة سيصبح أعلي من النهر وقبل عقود كان نهر الأردن يحمل الماء ليروي المناطق الزراعية شرق وغرب النهر الآن النهر أصبح ضعيف التيار لأن السلطات الإسرائيلية تقلص كميات المياه المتدفقة من بحيرة طبرية عبر سد صغير, وامتدت أيضا الأيدي الخفية إلي نهر الليطاني بعد أن احتلت إسرائيل الجنوب اللبناني والذي يشمل 20 ميلا من النهر والذي تعتبره إسرائيل حقا مكتسبا وأن وجودها في هذا المكان لحماية أمنها ولم تقف عند ذلك بل سحبت مياه النهر كي تمد المستوطنات المطلة علي المتوسط مما يهدد بحجب أكثر من 15% من مياه النهر.
ولم تلبث أيضا إثيوبيا كما خططت لها إسرائيل منذ أن بدأت ثورة يناير وفي أقل من شهرين بتوفير كل التمويلات منها ومن الصين وتركيا وقطر وبعض رجال الأعمال العرب كي تبدأ بناء السد والعجيب أيضا أن الشركة التي تقوم ببناء السد تلقت الدعوة لمناقشة تصميمات السد داخل تل أبيب. وفي مارس .2011
استمر بناء السد ودون ترو وكامل الدعم من حكومة البشير الإخوانية والتي كانت تقف ندا للمفاوضات المصرية واستمرت المماطلات الإثيوبية سواء علي مستوي الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو الوصاية الأمريكية التي تظهر الدعم ومن الباطن تشجع الإثيوبيين ولم ينجح أي نوع من المفاوضات مع استمرار التعنت الإثيوبي الواضح والذي تدعمه دولة بعينها طمعا في مياه النيل أو إرهابا علي مستقبل المصريين وبين ذلك وتلك وكل من سرد عاليه نجد أن الخيار الوحيد لدول مصر والعراق وسوريا ولبنان هو الخروج عن المألوف من لغة الحوار والتفاوض التي تنتهي دوما بالخديعة والمماطلة واكتساب الوقت كي نكون أمام واقع لابد من قبوله. ولكن الحياة هي الماء وهي المستقبل فبدونها لن تعيش شعوب العرب ولذا وجب علينا أن نخرج عن المألوف ولندافع عن سر البقاء واستمرار الروح ولتكن شهادتنا في سبيل إحياء شعوبنا وحماية أوطاننا ولتكن حربا علي الدول الطاغية والتي تريد تعطيش الشعوب العربية وإزهاق روح البشر فيها… فإما أن نعيش أو نموت كراما.
استمر بناء السد ودون ترو وكامل الدعم من حكومة البشير الإخوانية والتي كانت تقف ندا للمفاوضات المصرية.