كتبت في أعمدة سابقة عن الاقتصاد السري في مصر وهو الاقتصاد التكافلي, ولم تسمح لي مساحة العمود أن أسرد عن أهم عناصر هذا الاقتصاد, ولعل القارئ العزيز والسيد رئيس تحرير هذه الصفحة المحترمة, يسمح لي أن أكتب اليوم عن (منظومة الحب في مصر) حيث نعاني كمصريين من تلك المنظومة.
الحب في مصر له أوجه متعددة فنحن نحب بعضنا البعض حينما نواجه (حزن كبير) أو نواجه مصيبة كبري أو نواجه في الزمن القديم فيضان النيل نهب جميعا كمصريين نساعد بعضنا البعض ونشد من أزر القائمين علي أمورنا, سواء كان القائم علي الأمر (شيخ البلد) أو شيخ الحارة أو المديرية أو المحافظ أو الحكومة (إن وجدت) نقوم جميعا أمام المصائب لدرئها عن بيوتنا وعن أولادنا وعن جيراننا!! هكذا حالة الحب الجماعي في مصر أما في الحرب فنحن من الشعوب التي تنسي كل شيء تنسي الطعام وتنسي أن تسأل عن حقوقها بل تصل الأمور أن يقف الجميع بسيط وقادر وغير قادر الجميع يصطف لكي يبذل أي جهد مع قواتنا المسلحة لدرء الخطر عن البلاد وشهدنا ذلك في الحروب التي عاصرناها في عمرنا أيام 1967 (السوداء) وفي أيام حرب الاستنزاف علي جبهة قناة السويس ومدنها الثلاث.
وكذلك في الحرب العظيمة التي خاضها شعب مصر وقواته المسلحة في 6 أكتوبر 1973 ومنذ ذلك الحين ونحن لم نر مظاهر حب شعب مصر, حيث افتقدنا للحروب ضد العدو ولم نعد نعلم هل هناك عدو أم هناك حالة سكون ربما يفيق العدو ويصبح صديقا ويترك لشعب فلسطين أرضه ويعيد الحقوق دون حروب مستقبيلة, لم نجرب هذه الخاصية المصرية الأصيلة حتي الآن منذ 1973 ولكن كما يدعوني إحساسي بأننا في مرحلة (كمون) وليس في مرحلة (استسلام) للواقع حيث ما نشاهده علي الساحة بوسائط إعلامية, تدعونا دائما في حالة استنفار وحالةمن التأهب النفسي لاتخاذ موقف إلي أن جاء يوم 25 يناير 2011 وفي فورة مفاجأة من شباب جميل خرج للشارع المصري ينادي (عيش, حرية, عدالة اجتماعية) وإذ بشعب مصر كله يلحق به ولم تنته الموجة نهاية عاطفية حيث استطاعت الجماعة الوحيدة المنظمة في البلاد أن تسطو علي الحركة وتخطف البلد, وإذ بصرخة الشعب المصري بعد أن خرج من السجون كل من كان موقعه علي (برش) لكي يحتلوا كراسي الإدارة في البلاد, وتصدروا وسائل الإعلام الصري, وسكن الشعب ولم يكن كعادته طويلا, حتي شهر يونية 2013, بعد عام واحد من الاستيلاء الكامل علي البلد إلا وكان شعب مصر عن بكرة أبيه في الشارع المصري مؤيدا من قواته المسلحة لكي يسترد الوطن هويته.
ولعل ما تغنت به (أم كلثوم عن حالة حب), (للصبر حدود) تأتي دائما علي خاطر المصريين حينما يزداد القلق علي جيراننا في فلسطين!! أما عن الحب فيما بيننا والحب لله العلي القدير ورسوله (محمد) سيد الخلق أجمعين, وكذلك الحب بين الناس (والعذراء) (وسيدنا عيسي) عليه أفضل السلام هذه العلاقات الروحية الدينية بين المصريين باختلاف مشاربهم أقباط مسلمين ومسيحيين فهي لا تنتهي ولا تنقطع تراها كل يوم ونراها في كل مناسباتنا الدينية سواء منفردين أو مشتركين, وهذه العلاقة الطيبة بين الناس والرب تترجم في التكافل الاجتماعي الرائع الذي هو أهم عناصر اقتصاد الأمة وبدون هذا التكافل؟ لا أعلم كيف كانت أو كيف ستكون الحياة في مصر فنحن أمام السيول شاهدنا التراحم بين المصريين وفي أيام الزلازل وفي أيام دخول المدارس وأيام هلال الأعياد وأيام شهر رمضان الكريم وتلك الموائد الرحمانية التي تفترشها شوارع وحواري وأزقة مصر نحن شعب محب وشعب لا يمكن أن يطلق علينا أحد بأننا لا نعيش في حالة حب منظومة الحب في مصر أصيلة ومتأصلة في جينات هذا الشعب العظيم ولا نحتاج لماتش كرة قدم دولية حتي نشهر حبنا لمصر, فنحن المصريين لدينا معاناة مع منظومة الحب!!!
Hammad [email protected]