ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
افرحوا كل حين
الكتاب المقدس يحوي من الفرح أكثر مما يضم من الحزن.. والفرح هو المعادلة الصعبة للمسيحية..
الفرح الحقيقي:
هو ثمرة من ثمار الروح القدس في النفس, فهو فرح دائم وثابت في القلب, لأن مصدره الله كوعد الرب: ولكني سأراكم أيضا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم (يو16:22).
إن الفرح الحقيقي الذي من الرب هو مملوء بالسلام والهدوء وراحة البال, هو فرح لا يتأثر بالظروف أو بأية متاعب.
وفرح العالم يتذبذب دائما, فإذا ما حصل الإنسان علي شيء مادي أو أدبي يفرح به جدا, ولكنه سرعان ما يغتم بحدوث أقل تجربة.
لكن الروح القدس هي المصدر الوحيد للفرح الحقيقي, والعزاء الدائم لكل مؤمن, إن الإنسان الروحي فرحه ليس فقط بسبب صحة جيدة ولا بسبب خلاص من مرض أو ضيقة أو هدوء الأحوال أو بسبب نجاح أرضي, وإنما أفراحه بسبب أمور عالية وسامية.
أنواع الفرح الحقيقي:
هناك أربعة أنواع أساسية لهذا الفرح الدائم, وهي تمثل شكل صليب:
1- فرح الخلاص
هذا الفرح ليس مثل الأفراح الأخري الوقتية لمدة معينة وتنتهي, مثل الفرح لإقامة ابن أرملة نايين أو ابنة يايرس أو لعازر الذي أقامه من الموت, هؤلاء قاموا ثم ماتوا مرة أخري..
إن فرح الإنسان المسيحي هو فرحه بالخلاص, الخلاص الذي جعل بالصليب والفداء في حياتنا, فالإنسان بحسب تاريخ البشرية, وبحسب العقاب الذي أخذه آدم وحواء من الله, وبحسب تركهما للفردوس الذي كانوا به حيث أنهم كسروا وصية الله, عاش الإنسان باحثا ومحتاجا لمن يمسح له هذه الخطية التي ورثها من أبويه الأولين آدم وحواء, حتي جاء السيد المسيح في ملء الزمان, وفي الوقت المعين وقدم لنا الفداء, وقال هذه العبارة الجميلة والتي نسمعها في كلماته علي الصليب: قد أكمل (يو19:30).
الفرح بالخلاص هو فرح من الموت الأبدي, من النار الأبدية, خلاص من سلطان إبليس, هذا الفرح هو فرح دائم, لأن الخلاص الذي صنعه الرب هو خلاص دائم.
+ الخلاص الذي ترنمت به العذراء, وبروح النبوة قالت: تعظم نفسي الرب, وتبتهج روحي بالله مخلصي (لو1:46-47).
+ الخلاص الذي ترنم به كل الصديقين والأنبياء, فأبونا إبراهيم يقول عنه السيد المسيح: أبوكم إبراهيم تهلل بأن يري يومي فرأي وفرح (يو8:56).
+ إشعياء تنبأ عن فرح الخلاص قائلا: الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما. الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور. أكثرت الأمة. عظمت لها الفرح (إش9:2-3).
2- فرح التوبة
هو الفرح الثاني الذي يحافظ به الإنسان علي نعمة الخلاص, فالصليب يشبه اليدين الممدودتين, وكأن السيد المسيح يمد يده لنا لنضع فرح التوبة, علي غضب أعدائي تمد يدك وتخلصني يمينك (مز138:7), فالمسيح يمد يده دائما لكي ما ينتشل الإنسان من الخطية.
وفرح التوبة هذا عبر عنه وبدقة بالغة جدا معلمنا لوقا البشير في الأصحاح الخامس عشر من إنجيله, وذلك في قصة الخروف الضال, والدرهم المفقود, والابن الضال, ونلاحظ أن الخط العام في الأصحاح 15 من إنجيل لوقا هو خط الفرح, وليس خط التوبة التي يعبر عنها بالفرح.
والكنيسة تعلمنا هذا من خلال سر التوبة والاعتراف, وقد سمحت الكنيسة أنه من الممكن أن يتكرر هذا السر كل يوم إن كان هناك احتياج لذلك, فإن كانت المعمودية تتم مرة واحدة لكي ما ننال نعمة هذا السر ونولد الولادة الجديدة, فسر التوبة والاعتراف أو سر نقاوة القلب من الممكن أن يمارسه الإنسان كل يوم إن احتاج إلي ذلك, لهذا إن وجد شخص أو بيت به نزاع أو حزن أو عدم وئام وسلام, فاعلم أن هذا الشخص أو هذا البيت بعيد عن التوبة.
فهذا الابن قد فقد كل شيء, صحته وماله وبيته.. إلخ, إلا أنه لم يفقد شيئا واحدا هو رجاؤه, وهكذا أنت عندما تجلس إلي نفسك وتراجعها كن مثل هذا الابن الضال وتحلي بالشجاعة, وقل لنفسك: أقوم الآن..
إن كانت الخطية تجلب الهموم والأحزان, فإن التوبة هي باب الفرح, فما أعظم فرح الخاطئ بخلاصه من خطاياه, يقول داود النبي في مزمور التوبة: أسمعني سرورا وفرحا, فتبتهج عظام سحقتها (مز51:8).
+ الإنسان الذي تخلص من عادة رديئة يفرح.
+ إنسان يتناول بعد اعتراف وتوبة يفرح.
+ ما مقدار فرح المرأة السامرية بعد مقابلتها للرب يسوع وتوبتها.
+ ما مقدار فرح المرأة التي أمسكت في ذات الفعل عندما قال لها الرب: اذهبي بسلام.
+ التوبة تحرر من عبودية الخطية, والحرية تفرح.
+ في التوبة ليس التائب وحده يفرح, بل الكل يفرح, والسماء تفرح, في مثل الابن الضال عندما عاد إلي أبيه وقدم توبته, قال الأب لابنه الكبير: كان ينبغي أن نفرح ونسر, لأن أخاك هذا كان ميتا فعاش, وكان ضالا فوجد (لو15:32).
3- فرح الخدمة:
النوع الثالث من الفرح نسميه فرح الخدمة, أو فرح الانفتاح علي الآخر, أو فرح التخلي عن الأنانية, فعندما نقوم برسامة أب كاهن أو شماس, هذا لا يعني أن هذه الرسامة خاصة بهم, لكن معناه أننا نقول لهم: افرحوا بخدمة الآخرين.
إن الخدمة علي كل مستوياتها ودرجاتها تتطلب تعبا وسهرا, إلا أنه يوجد العزاء الذي يفيض به الروح القدس في قلوب خدامه, فليس بالضرورة أن يكون الخادم مستريحا ليفرح, بل نجده في عمق الفرح وهو يذرف الدموع.
ومثلما قال بولس الرسول: كحزاني ونحن دائما فرحون (2كو6:10) هو ممتلئ بالفرح وهو في وسط التجارب والضعفات, يراهم العالم ويظن أنهم حزاني ويصفهم بالكآبة, أما من الداخل الذي لا يراه العالم هو الفرح الدائم.
وهكذا التلاميذ عندما تعرضوا لمتاعب كثيرة, وذلك في بداية نشأة الكنيسة الأولي, يقول عنهم الكتاب: وأما هم فذهبوا فرحين من أمام المجمع, لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه (أع5:41).
ومعلمنا بولس الرسول له عبارة رائعة جدا يعبر بها عن آلام كل كاهن فيقول: الآن أفرح في آلامي لأجلكم (كو1:24), بمعني أن هذه الآلام والضيقات لا تنزع الفرح من الخادم أو الأب الكاهن.
4- فرح التسبيح
التسبيح هو لغة السماء, التسبيح لله هو سبب السرور والفرح.. أمسرور أحد؟ فليرتل (يع5:13), ففرح التسبيح هو الجو المفرح الذي شرحه لنا هذا المزمور هلليلويا. غنوا للرب ترنيمة جديدة, تسبيحته في جماعة.. ليسبحوا اسمه برقص. بدف وعود ليرنموا له (مز149:1-3).
يقول المزمور: سبحوا الله في جميع قديسيه, ثم يبدأ يتكلم عن الآلات الموسيقية في كنيستنا الجميلة التي تشترك في هذا التسبيح مع الآلة الطبيعية التي أعطاها لنا الله, وهي الحنجرة والشفتين, وهنا نجد طاقة فرح وطاقة حب, وكأن من يقف يسبح قامته الروحية تكبر وتمتد حتي تصل إلي عنان السماء.
والتسبيح ينقل الإنسان بصورة خفية من الأرض إلي السماء, لذلك نقول في المزمور: جعلت سرورا في قلبي أعظم من سرورهم إذ كثرت حنطتهم وخمرهم (مز4:7), بمعني أنك يارب أعطيتني بحياة التسبيح سرورا وفرحا أعظم بكثير من الفرح الذي لمن لديهم الخمر والعنب والزيت (الزيتون) والحنطة (القمح), أي الذين يمتلكون لقمة عيشهم.
علينا أن نفرق بين أغاني العالم الصاخبة, وبين التسابيح الروحية, فنحن نشترك مع الملائكة حيث نقول في صلاة باكر: فلنسبح مع الملائكة…