ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
افرحوا كل حين
الفرح المسيحي يرتبط بعمق الإنسان, فرح لا يعتمد علي الظروف الخارجية لأنه فرح مع الرب.. أما الفرح الزائف فهو الذي يعتمد علي الظروف الخارجية..
الفرح الزائف
الفرح الزائف ينحصر في أمور الأرض, فيه يسعي الإنسان للجسد ولكل شهوة, فيحيا بلا روح أو روحانية, وعندما نتجول في صفحات الكتاب المقدس نستطيع أن نري طبيعة الفرح بوضوح, وبلا شك هناك أنواع من الفرح مرتبطة بالظروف المكانية والحياتية, لكن الظروف قد تتغير, وبالتالي يتغير الفرح فيفرح إذا زاد ماله أو غلاته.
1- الفرح بزيادة وكثرة المال
مثال.. الغني الغبي
ظن الغني الغبي أن فرحه فيما يمتلكه, وعندما نسأل هذا الغني الغبي ما الذي تمتلكه؟
يجيب أمتلك حصادا كثيرا جدا, حتي أن مخازني أصبحت لا تتسع لهذا الحصاد, لذلك سأهدم مخازني وأبني أعظم منها, وأجمع هناك غلاتي وخيراتي, وأقول لنفسي: يا نفسي لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة أهدم مخازني وابني أعظم وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي. وأقول لنفسي: يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكلي واشربي وافرحي (لو12:18-19).
ولكن للأسف, في نفس هذه الليلة أخذت نفس هذا الإنسان الغلبان والغبي وانتهي كل شيء فقال له الله: يا غبي هذه الليلة تطلب نفسك منك, فهذه التي أعددتها لمن تكون؟ (لو12:20).
وبذلك لم يأخذ أي فرح لا في الأرض ولا في السماء, حتي أن الكتاب يسأله بتعجب قائلا: هذه التي أعددتها لمن تكون؟
2- الفرح بقوة الجسد
هناك من يفرحون بقوة الجسد وبالقتال والحروب, فيقول داود النبي: شتت الشعوب الذين يسرون بالقتال (مز68:30).
هؤلاء يفرحون إذا غلبوا, وإذا ظلموا, ومن هؤلاء من يفرح بمصائب البشر وبضيقات الآخرين, فيرد عليهم داود قائلا: ليخز وليخجل معا الفرحون بمصيبتي (مز35:26).
3- الفرح بإشباع شهوات الجسد
يقول عنها سليمان: بنيت لنفسي بيوتا, غرست لنفسي كروما. عملت لنفسي جنات وفراديس, وغرست فيها أشجارا من كل نوع ثمر.. اتخذت لنفسي مغنين ومغنيات وتنعمات بني البشر سيدة وسيدات. ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما. لم أمنع قلبي من كل فرح لأن قلبي فرح بكل تعبي.. ثم التفت أنا إلي كل أعمالي التي عملتها يداي, وإلي التعب الذي تعبته في عمله, فإذا الكل باطل وقبض الريح, ولا منفعة تحت الشمس (جا2:4-11).
ويمكن تشبيه سليمان الحكيم, بالملك أحشويرش الذي كان يمتلك 127 كورة, والكورة تشبه الآن المحافظة أو المدينة الكبيرة, بمعني أن هذا الملك كان له سلطة وقوة عظيمة: أحشويرش الذي ملك من الهند إلي كوش علي مائة وسبع وعشرين كورة (أس1:1).
وفي السنة الثالثة لحكمه أقام وليمة عظيمة لجميع رؤسائه وعبيده لكي ما يظهر فيها عظمته, وقد استمرت هذه الوليمة مدة ستة أشهر وسبعة أيام, ثم مرت الشهور والأيام وطوي الزمان أفراح هذا الملك, وانتهت مملكته, وأصبح ليس له وجود, وعندما نسأله أين فرحك أيها الملك؟ يجيب لقد انتهي وليس له وجود.
4- الفرح بالبعد عن الله
مثال.. الابن الضال:
هناك فرح نتذكره مرة في كل عام, وهو فرح الابن الضال, لقد أصر هذا الابن أن يأخذ نصيبه من الميراث, رغم أن أباه كان مازال علي قيد الحياة, ثم ترك بيت أبيه لكي ما يفرح مع أصدقائه فقال أصغرهما لأبيه: يا أبي أعطني القسم الذي يصيبني من المال. فقسم لهما معيشته (لو15:12), وبالفعل أخذ ميراثه وترك البيت وهو في غاية الفرح, وكان هناك سببان لفرحه
الأول: أن أمواله معه.
الثاني: أن أصدقاءه بصحبته, وقد أعتقد هذا المسكين أن الحال سيبقي كما هو.
لكن الزمن يعلمنا أن دوام الحال من المحال, وبدأت تنتهي أمواله يوما بعد يوم, وفي نفس الوقت بدأ عدد أصحابه في التناقص, فإذا افترضنا أن العملة التي كانت مستخدمة في هذا الوقت هي الجنيه..
نستطيع أن نقول: إنه عند آخر جنيه كان في جيبه فقد آخر صاحب معه, وفي لحظة من الزمن اكتشف أنه ليس لديه أصدقاء ولا أموال, فقد ذهب المال والأصدقاء الذين كان يظن أنهما مصدر فرحه, وعوض الفرح صار يجني الأحزان واشتهي أن يملأ بطنه من خرنوب الخنازير (لو15).
الوجوديون:
يشعر الوجوديون أن فرحهم هو في البعد عن الله, لأنهم يشعرون أنه قيد عليهم. فيقولون لله: ابعد عنا. وبمعرفة طرقك لا نسر (أي21:14).
بنو إسرائيل:
بنو إسرائيل نسوا إلههم وطاشت عقولهم حتي تصوروا أن عجلا من صنعة أيديهم هو إلههم, وأنه هو الذي أخرجهم من أرض مصر, وأرادوا أن يفرحوا بصنعة أيديهم وقاموا ليلعبوا, ولكن فرحهم تحول إلي حزن وغم, فقد قتل منهم نحو 3000 رجل, لأنهم ابتعدوا عن الله.
5- الفرح بأباطيل العالم:
هناك من يفرح بأباطيل العالم.. من إدمان الخمور والمخدرات والأغاني والأفلام غير النقية, وهناك من يفرح بأمور الخلاعة.. حتي أنه ظهرت فلسفة جمعت كل هذه الأباطيل وقالت: لنأكل ونشرب لأننا غدا نموت.. هذه فلسفة بسيطة جدا, نأكل ونشرب لأننا سنموت غدا, بمعني أن الإنسان لا ينظر إلا للحظة التي يعيشها, فلا ينظر إلي السماء ولا إلي الأبدية ولا إلي الدينونة ولا إلي أي شيء من هذا القبيل.
كل ما سبق من أمثلة تمثل فرح الإنسان الذي لا يدوم, فالإنسان سيفرح ولكنه فرح مؤقت ينتهي يوما ما, أما وصية الكتاب فهي تتكلم عن الفرح الدائم الذي لا ينتهي افرحوا كل حين.