ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, صلوا بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
اتبعوا الخير
اتبعوا الخير (1تس5:15)
عندما نتأمل في عبارة اتبعوا الخير نجد أن معلمنا بولس الرسول يتكلم بصيغة الأمر, فيقول: اتبعوا الخير, لأن الخير هو الله, لذلك استقر في وجدان العالم كله أن أي إنسان عندما يستيقظ في الصباح يقول لمن حوله: صباح الخير.
فعبارة صباح الخير تعني صباح يوم جديد تصنع فيه خيرا, لأنه هذا الصباح هو ملك لله ومنحه لك لكي ما تتبع فيه خطواته وتصنع خيرا كما تعلمنا الوصية الكتابية اتبعوا الخير.
لماذا يتوقف الخير؟
رغم أن إرادة الله كلها للخير, إلا أن الخطية تمنع خير الله عن الإنسان الخاطئ, وهناك آيات واضحة جدا في الإنجيل توضح ذلك..
+ فمثلا في سفر إرميا يقول: خطاياكم منعت الخير عنكم (إر5:25), أحيانا نجد أحد البيوت يوجد بها بعض الأمور غير اللائقة, فنقول عن هذا الشخص (فلان حظه قليل) الأمر ليس كذلك, فلا يوجد شخص حظه قليل أو حظه كثير!
مثال.. إيليا وأخاب:
في العهد القديم نقرأ قصة إيليا النبي وأخاب الملك: وقال إيليا التشبي من مستوطني جلعاد لأخاب حي هو الرب إله إسرائيل الذي وقفت أمامه, إنه لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي (1مل17:1) لقد انغمس شعب بني إسرائيل في الخطية وابتعدوا عن الله بعبادتهم الوثنية, فمنع عنهم الخير, بمنع المطر لمدة ثلاث سنوات وستة أشهر, وعدم نزول المطر يؤدي إلي توقف أعمال الزراعة, وأعمال الرعي وتموت الحيوانات, وكل هذا يؤدي إلي حدوث مجاعة في البلاد..
خطايا شعب بني إسرائيل وشر آخاب الملك وزوجته إيزابل ترتب عليه أن الله منع عنهم الخير.
اربط دائما ما بين الخير والخطية, فوجود الخطية يمنع الخير عن الإنسان, لأنه يضع حاجزا بين الله والإنسان, فيجعل الإنسان لا يتمتع بخيرات الله أو بعمله الذي يصنعه دائما مع الإنسان.
الهدف من صنع الخير ودرجاته:
+ ما هو هدفك من صنع الخير؟
+ هل أنت مرغم علي صنع الخير, بسبب الخوف مثلا؟
+ هل تفعل الخير محبة في الحصول علي المديح؟
+ هل تفعل الخير للحصول علي منفعة؟
1- فعل الخير لأجل مصلحة:
مثال.. ما فعل فرعون مع أبرآم:
لقد ارتحل أبرآم وساراي امرأته إلي مصر, فقال لها أبرآم: قولي إنك أختي ليكون لي خير بسببك, وعندما رأي المصريون ساراي أنها حسنة جدا مدحوها عند فرعون, فأخذها لتصير زوجة له.
وصنع فرعون مع أبرآم خيرا بسببها, وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال, إلا أن الرب ضرب فرعون وبيته بضربات عظيمة بسبب ساراي امرأة أبرآم, فدعاه فرعون ووبخه لأنه لم يخبره أنها زوجته, وأمره بالخروج من مصر بعد أن ترك له امرأته وكل ما كان له (تك12).
لقد صنع فرعون خيرا مع أبرآم لأجل مصلحة بأن يأخذ ساراي.
2- فعل الخير لأجل محبة الخير ذاته:
هناك من يفعل الخير محبة للخير ومحبة لله ومحبة للإنسان, دون مقابل.
مثال.. إليشع النبي ونعمان السرياني:
لقد كان نعمان السرياني مصابا بالبرص, وعندما جاء إلي أليشع صنع معه خيرا وأمره أن يذهب إلي الأردن ويغطس سبع مرات وشفي, فعاد إلي إليشع وقال له: خذ بركة من عبدك. فقال أليشع: حي هو الرب الذي أنا واقف أمامه, إني لا آخذ. وألح عليه أن يأخذ فأبي (2مل5:15-16).
تحكي القصة عن لورد من اللوردات في إنجلترا كان يمتلك مساحة كبيرة من الأرض, حيث يقوم أولاده باللعب عليها وأثناء لعب هؤلاء الأطفال ذهب أحدهم إلي منطقة بعيدة في الأرض وانزلقت رجلاه في الطين, فوقع في حفرة ولم يستطع الخروج منها فبدأ يستغيث وهنا سمعه الفلاح الذي كان يزرع الأرض المجاورة, فأسرع ليساعد هذا الطفل وأخرجه من الحفرة وأنقذه, ورجع الولد إلي بيته وقص علي أبيه ما حدث وما فعله هذا الفلاح معه.
في اليوم التالي, اصطحب هذا الأب طفله إلي بيت الفلاح ليشكره, وسأله الأب كم تريد من المال كمكافأة علي ما صنعته مع ابني؟ فأجاب الفلاح أنه لا يريد شيئا, وتصادف أثناء الحديث دخول ابن هذا الفلاح إلي الحجرة التي كانوا يجلسون فيها, فعرض هذا اللورد علي الفلاح أن يتولي هو تعليم ابنه, فوافق الفلاح واجتهد هذا الابن في داسته, ودخل كلية الطب وعمل أبحاثا كثيرة, حتي صار مخترعا عظيما, وهو العالم الشهير أليكسندر فليمنج الذي توصل إلي تصنيع مادة دواء البنسلين الذي هو من أهم الأدوية الموجودة الآن, وفي نفس الوقت ارتقي الطفل الذي وقع في الحفرة في التعليم, حتي صار رئيسا لوزراء إنجلترا أيام الحرب العالمية الثانية وهو ونستون تشرشل.
إن الفلاح البسيط عمل الخير, والله رد له هذا الخير وصار ابنه عالما عظيما. وأنت أيضا لا تمنع الخير عن أهله لا تمنع الخير عن أهله, حين يكون في طاقة يدك أن تفعله (أم3:27) فعليك أن تعمل الخير, ولا تنتظر ردا له, لأن الله سيرسل لك الكثير والكثير أمام هذا الخير الذي فعلته فمن يعرف أن يعمل حسنا ولا يعمل, فذلك خطية له (يع4:17).
3- فعل الخير لمقابلة الشر:
أعلي درجات الخير هو مقابلة الشر بالخير, مثلما قال القديس بولس الرسول لأهل رومية: لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير (رو12:21).
مثال.. المعلم إبراهيم الجوهري:
المعلم إبراهيم الجوهري مثال واضح في تاريخ كنيستنا في صنع الخير, فقد عاش أيام المماليك, ووصل في عمله إلي درجة رئيس كتاب القطر المصري في عهد إبراهيم بك, وهي تعادل رتبة رئاسة الوزارة حاليا.
لقد كان يصنع الخير مع الكل, فكان يرسل للمسلمين في رمضان الشموع والهدايا, وعمرت في أيامه الكنائس والأديرة, كما كان يساعد الفقراء بسخاء.
ومن المواقف التي تحكي عنه في مقابلة الشر بالخير: حدث أن أخاه المعلم جرجس كان يعاني من إساءة شخص ما كان يوجه إليه بعض الألفاظ غير اللائقة كلما مر أمامه, فعندما اشتكي إلي أخيه المعلم إبراهيم الجوهري قال له لا تنزعج ولا تغضب أنا هقطع لك لسانه!.
فظن المعلم جرجس أن أخاه سيستخدم سلطانه وسلطته, ولكن المعلم إبراهيم الجوهري أرسل عطايا كثيرة جدا إلي هذا الشخص, ويبدو أنه كان محتاجا, فمر المعلم جرجس بعد ذلك أمام هذا الرجل, فوجده يمدحه ويتكلم معه بكلام طيب جدا فتعجب! وعندما سأل أخاه عن السبب, علم ما قدمه المعلم إبراهيم لهذا الرجل من خيرات, وبذلك صار عمل الخير وسيلة طيبة لقطع لسان الشر.
وعليك أن تنتبه إنه كلما تفعل الخير بالآخرين سيفعل الله بك ويعطيك كل الخير أعطوا تعطوا, كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فائضا يعطون في أحضانكم. لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم (لو6:38).
هناك قصة أخري تحكي عن طفل شاهد والده ينحت قطعة صغيرة من الخشب, فسأله ماذا تفعل يا أبي؟! فأجاب الوالد: أني أصنع لجدك طبقا من الخشب لأن الطبق الزجاجي يقع منه علي الأرض وينكسر.
مع العلم أن الطبق الخشبي له بعض الأضرار مثل الاحتفاظ برائحة الطعام إلي جانب أنه لا يمكن تنظيفه جيدا, لكنه إن وقع علي الأرض لا يتم كسره.
وبعد عدة أيام رجع الأب من عمله فلم يجد ابنه, وبالبحث عنه وجده مختبئا وراء أحد الأبواب وممسكا بيده قطعة من الخشب يقوم بنحتها, فتعجب الأب وسأل ابنه: ماذا تصنع يا ابني؟!
فأجاب الابن أصنع لك طبقا من الخشب لكي ما تأكل فيه عندما تصير عجوزا وتكبر في العمر مثل جدي!! وهكذا الحياة مثلما تفعل, مثلما يفعل بك..