ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
اتبعوا الخير
الكتاب المقدس يحث علي صنع الخير:
+ يقول المزمور: اتكل علي الرب وافعل الخير (مز37:3).
+ يقول سفر عاموس: اطلبوا الخير لا الشر.. ابغضوا الشر, وأحبوا الخير (عا5:14-15).
+ يقول القديس بولس الرسول: ملتصقين بالخير (رو12:9).
ولكن لا تنسوا فعل الخير والتوزيع (عب13:16).
ما هو الخير؟
الخير هو الله, وكلمة الخير تساوي كلمة الله, لذلك نصلي ونقول: فلنشكر صانع الخيرات, ولكن من هو صانع الخيرات إلا الخير نفسه, فالله هو صانع الخيرات ومن الآيات الجميلة في المزامير تفتح يدك فتشبع خيرا (مز104:28), فالله بمجرد أن يمد يده يشبع البشر خيرا, والسيد المسيح في إنجيل معلمنا متي البشير يقول: فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة, فكم بالحري أبوكم الذي في السماوات, يهب خيرات للذين يسألونه (مت7:11), فعمل الخير أو صنع الخير هو من يد الله أولا وأخيرا, لأنه هو الخير نفسه.
إذن الخير هو أن تصنع أعمالا ترضي الله, ولكن كيف يعرف الإنسان أن أعماله خيرة ترضي الله؟ لأن أحيانا الإنسان يعمل عملا يظن أنه خير ولكنه يغضب الله دون أن يدري.
إن المقياس الذي نقيس عليه أعمالنا هي وصايا الله.
مثال..
1- يفتاح الجلعادي
كان أحد قضاة بني إسرائيل, واستنجد به الإسرائيليون لينقذهم من بني عمون, فقاد بني إسرائيل للحرب ضد بني عمون وقبل أن يخرج للحرب نذر يفتاح الجلعادي نذرا للرب قائلا:
إن دفعت بني عمون ليدي, فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند بني عمون يكون للرب, وأصعده محرقة (قض11:30-31).
وانتصر يفتاح الجلعادي, ومن سوء حظه أول من خرج للقائه من بيته هي ابنته, ولم يستطع أن يرجع عن قسمه وقدمها محرقة.
كان يفتاح يظن أن ما فعله هو خير, ولكنه أغضب الله, لأن الوصية تقول: لا تقتل.
2- مثلما قال السيد المسيح لتلاميذه:
سيخرجونكم من المجامع, بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله (يو16:2).
القاتل هنا يظن أنه يفعل خيرا.
3- الشعوب اليونانية القديمة
قبل الميلاد, كانت الشعوب اليونانية القديمة تبيح قتل الضعفاء فكانوا يرون أنهم عالة علي المجتمع فالتخلص منهم لخير المجتمع.
لكن جاءت المسيحية لتقول: اسندوا الضعفاء, فالخير هو تقديم المساعدة والمساندة للضعيف وليس قتله.
ولكن لا ننسي أن هناك من يكرهون الخير, وهؤلاء هم الذين يعيشون في الخطية فهم لا يحبون الخير لا لأنفسهم ولا للآخرين, والأكثر من هذا أنهم إن علموا بحدوث خير للآخرين, يشعرون بالغضب والحقد الشديد.
مثال.. سنبلط الحوروني وطوبيا العموني
لعلكم تتذكرون قصة نحميا النبي في العهد القديم الذي كان يعمل ساقيا للملك, وفي أحد الأيام عند دخوله للملك كما هو معتاد لكي يقدم له المشروب الذي يشربه وجده الملك متضايق, فسأله عن السبب..
وبعدما صلي نحميا في قلبه, ابتدأ يحكي له عما سمع من أخبار غير طيبة عن شعبه ومدينته, فقال له: إن أورشليم مدهومة وأبوابها محروقة بالنار.. وقلت للملك ليحي الملك إلي الأبد, كيف لا يكمد وجهي والمدينة بيت مقابر آبائي خراب, وأبوابها قد أكلتها النار؟ (نح2:3).
فسمح الملك لنحميا بالرجوع إلي أورشليم, ومعه أشخاص من شعبه لبناء الأسوار وترميم الأبواب, ولكن المهمة لم تكن سهلة, فقد وقف في طريقه بعض الأشخاص الذين يكرهون الخير.
ولما سمع سنبلط الحوروني وطوبيا العبد العموني وجشم العربي هزأوا بنا واحتقرونا (نح2:19), وبدأ هؤلاءالأشخاص في إشاعة بعض الأقول, التي تحبط من عزيمة القائمين علي العمل, فمثلا قالوا: إن ما يبنونه إذا صعد ثعلب فإنه يهدم حجارة حائطهم (نح4:3).
ولكن نحميا كان عنده إصرار وعزيمه علي أن يتمم هذا العمل, وقد أشرك كل أهل أورشليم في بناء السور, وعلمنا هذه الآية الجميلة والتي نحفظها جميعا: إله السماء يعطينا النجاح, ونحن عبيده نقوم ونبني (نح2:20), وبهذا الإصرار تم بناء السور فيما يقرب من 52 يوما.
+ الله ليس خيرا فقط أن أعطي الإنسان النجاح أو الأمان أو السعادة أو الأشياء المادية أو المركز أو القوة.. كلا, فإنه قد لا يعطي الإنسان هذه الأشياء, وقد يسمح بأن يعاني الإنسان من المرض أو الألم أو فقدان كل شيء, ولكنه يظل صالحا خيرا, لأنه يعمل لأجل الخير النهائي, لأجل غرض وخير جيد, ليجذب الإنسان إليه ليكون أكثر قربا منه, لأنه عندما يقترب الإنسان من الله فإنه يحصل علي أفضل شيء, لأنه أعظم خير في الحياة.
ويستطيع الله أيضا أن يستخلص الخير من الشر, إنه يجعل كل الأشياء تذهب في طريق واحد وهو الخير, فهناك مبدأ لا بد أن يكون واضحا أمامنا وهو أن قانون عمل الخير هو كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله (رو8:28), وعبارة كل الأشياء توضح أن الأمر يبدأ من الإنسان.
مثال.. يوسف الصديق
ومن أجمل ما في الكتاب المقدس ويعبر عن الخير قصة يوسف الصديق, والتي قال لإخوته في ختامها: أنتم قصدتم لي شرا, أما الله فقصد به خيرا (تك50:20).
فقد يظل البشر يرتبون شرا لإنسان ما, لكن لأن هذا الإنسان يحب الله, فالله يحول هذا الشر إلي خير, فيوسف باعه إخوته.. وألقي في البئر.. واتهم اتهامات صعبة جدا.. وعندما عمل كعبد في بيت فوطيفار, وضع في السجن رغم أمانته, ورغم أنه لم يرتكب شرا, ولكن النتيجة النهائية كانت أنه ارتقي إلي أعلي المناصب, وصار الرجل الثاني بعد فرعون مصر, وأنقذ البلاد من مجاعة عظيمة ولمع نجمه جدا.
وعندما نسأل يوسف عن سر هذا النجاح, يقول السر في شيء واحد فقط وهو أن قلبي يحب الله, فأنا أختبئ وأحتمي في قلب الله, وقلب الله هو الذي يدبر كل شيء, وللذلك لا أخاف مهما صنعتم بي لأني أثق أن الله سيحول كل شيء لخيري.
ما أجمل ما قاله السيد المسيح: فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل (يو10:10).
جاء السيد المسيح لخير البشرية وقد قال بطرس الرسول عن السيد المسيح: الذي جال يصنع خيرا, ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس (أع10:38).
وكلمة جال هنا تعني أنه يبحث في كل مكان عن إنسان يصنع معه خيرا.
إن الإنسان عندما يصنع خيرا فإنه يسعد الآخر ويفرحه بهذا الخير وكما ذكرنا في البداية فإننا نبدأ يومنا بعبارة صباح الخير, التي تعني أن هذا الصباح الذي أعطاه الله لنا هو مخصص لعمل الخير, سواء كان في نطاق الأسرة أو العمل أو المجتمع, ولذلك من يصنع شرا فهو يعتدي علي حق من حقوق الله.
تصور أن الله أعطاك يوما جديدا, لكي تستغله استغلالا حسنا وأنت تستغله في الشر! أليس في هذا اعتداء علي عطية الله؟!