يقول الباب الحادي والثلاثون من الدسقولية تعاليم الآباء:واجبنا نحن معشر المسيحيين أن نستقصي لأجل يوم الفصح.. ويجب عليكم يا إخوتنا الذين اشتريتم بالدم الكريم الذي للمسيح أن تعلموا يوم الفصح بكل استقصاء واهتمام عظيم من بعد طعام الفطير الذي يكون في زمان الاعتدال الربيعي وأن لايعمل هذا العيد الذي هو تذكار آلام الواحد دفعتين في السنة بل دفعة واحدة.
وعيد القيامة الذي لربنا ومخلصنا يسوع المسيح لاتضعوه في يوم من الأيام البتة إلا يوم الأحد.
وفي أثناء انعقاد مجمع نيقية المسكوني325مقرر الآباء بالمجمع أن يعيد العالم المسيحي عيد الفصح يوم أحد وفق قرار البابا السكندري,وأن يكون في الأحد الذي بعد 14 القمري أي بعد بدر الاعتدال الربيعي.
وقد التزمت الكنائس المسيحية بهذا الترتيب وراعي التقويم أن يأتي أحد القيامة بعد الاعتدال الربيعي 21 مارس وأن يكون بعد فصح اليهود لأن القيامة جاءت بعد الفصح اليهودي بحسب ما جاء في الأناجيل الأربعة.
وقد استمر الاحتفال بعيد القيامة موحدا عند جميع الكنائس المسيحية بالعالم في روما وأنطاكية وأورشليم طبقا لحساب الأبقطي حتي سنة1582م بعدما أدخل البابا جريجوريوس الثالث عشر بابا روما تعديلا علي هذا الترتيب فصار عيد القيامة عند الغرب بعد اكتمال البدر الذي يلي الاعتدال الربيعي مباشرة بغض النظر عن الفصح اليهودي.
يذكر أن بابا الإسكندرية كان يوجه منشورا كل عام لكنائس العالم يحدد فيه موعد عيد القيامة. ولعيد شم النسيم المصري ارتباط بعيد القيامة ويأتي لاحقا له.. ولهذه الرابطة والارتباط قصة من تاريخ الكنيسة.
فيشير التاريخ الكنسي إلي أن المصريين القدماء كانوا يحتفلون بشم النسيم ومعناه بستان الزروع منذ 2700 سنة قبل الميلاد أي منذ 4700 سنة حتي الآن, وكانوا يحتفلون به مع مطلع فصل الربيع.
لكن مع انتشار المسيحية في مصر حتي غطتها بالكامل في القرن الرابع الميلادي, واجه المصريون الأقباط مشكلة في الاحتفال بالعيد,إذ كان يقع في فترة الصوم الكبير الذي يسبق عيد القيامة المجيد ومدته 55 يوما, وهو أكثر أصوام السنة تقشفا.
ومن ثم كانت هناك صعوبة في الاحتفال بالعيد أثناء فترة الصيام,حاصة وأن المصريين يحتفلون بشم النسيم بتناول الفسيخ والملوحة والبصل الأخضر والبيض الملون الذي يرمز للحياة الجديدة.
ووفقا لحساب الأبقطي قررت الكنيسة في القرن الرابع الميلادي أن يكون عيد شم النسيم لهذه الأسباب هو اليوم التالي ليوم عيد القيامة المجيد.
وحساب الأبقطي الذي ينظم حساب مواعيد الأعياد والمناسبات الدينية في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هو الحساب الذي وضعه الفلكي المصري بطليموس الفرماويمن فرما في حبرية البابا ديمتريوس الكرام ونسب إليه حتي عرف بحساب الكرمة.
والبابا ديمتريوس هو البابا البطريرك الثاني عشر في عداد بابوات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ومكث علي كرسي مارمرقس الرسولي 42 سنة و7 شهور و5 أيام,من 4 مارس سنة 188م إلي 9 أكتوبر سنة320م.
وكلمة أبقطي مأخوذة من الكلمة اليونانيةapokty وتعني الباقي أو الفاضل, وقد دخلت كلمةtapokty إلي اللغة القبطية بنفس المعني وهو فاضل الشمس وفاضل القمر.
وقد تمكن الفلكي القبطي بطليموس الفرماوي من ضبط حساب تحديد ميعاد ذبح الخروف عند اليهود وتحديد موعد عيد القيامة عند المسيحيين.
إذن حساب الأبقطي وجد ليحدد أساسا موعد عيد الفصح عند اليهود ومن بعده يكون أول يوم أحد هو عيد القيامة, وأيضا تحديد ما يسبقه من أصوام وما يلحقه من فترة الخمسين المقدسة وعديد من الأعياد الكنسية.
ولأن الباقي أو الفاضل من العمليات الحسابية يؤخذ به في الحسابات لذلك اشتهر الحساب باسمحساب الأبقطي أو الفاضل أو الباقي.
وحساب الأبقطي يتفق مع الأسس التي وضعها العالم اليوناني ميتون سنة432م فيما سمي بالدورة الميتونية التي يسير عليها التقويم العبري والتي توفق بين السنة الشمسية والسنة القمرية.
والدورة الميتونية هي دورة من 19 سنة تنسق بين الدورتين الشمسية والقمرية والأخيرة أساسية في التقويم اليهودي حيث إن السنة القمرية هي الأساس عند اليهود, والشريعة اليهودية تحتم أن يكون عيد الفصح في الربيع.
لكن لو ترك الحساب للسنة القمرية وحدها لانتقل العيد اليهودي بين فصول السنة!
لذلك أخذ اليهود بزيادة شهر كامل في السنة الكبيسة عندهم وأخذوا بقواعد الدورة الميتونية بحيث يتم التوفيق بين الدورتين الشمسية والقمرية رغم وجود فارق بين الاثنين وهو 11 يوما.
فيتم إضافة شهر كامل للسنة القمرية كل 3 سنوات علي الأغلب وليس دائما فتكون السنة الكبيسة 13 شهرا حتي تساير السنة القمرية اليهودية نظيرتها السنة الشمسية.
وعلي ذلك يتقدم يوم ذبح الخروف اليهودي ويتأخر وفقا لإضافة الشهر الثالث عشروهو شهر أزار الثانينيسان ويقابله شهر مارسأو عدم إضافته.
في الدورة الميتونية يتكون فارق مقداره 3أيام لذلك تضاف هذه الأيام كل بضع سنوات علي شهري حشوان وكسيلو العبرانيين.
ويفتخر اليهود يتقويمهم باعتباره الوحيد الذي يجمع بين الدورتين الشمسية والقمرية.
والدورة الميتونية تهم الكنائس الشرقية وبخاصة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حيث يتم عن طريقها تحديد عيد القيامة الذي يشترط أن يكون أول أحد بعد عيد الفصح اليهودي وأيضا تحديد عيد شم النسيم المصري المرتبط بعيد القيامة ويليه مباشرة وذلك خلافا للكنائس الغربية التي تعتمد علي التقويم الجريجوري نسبة للبابا جريجوريوس الثالث عشر بابا روما.
تمت الاستعانة بالمراجع التالية:
- الدسقوليةتعاليم الأباء الرسل- ترجمها عن اليونانية القمص مرقس داود.
- حساب الأبقطي-د. وليم قلادة.
- التقويم القبطي وحساب الأبقطي-د. رشدي واصف.
- الحساب الأبقطي لأصوام وأعياد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية- القمص سمعان السرياني.