مقدمة:
تحتفل كنيستنا القبطية, هذا العام, في هذه الليلة المباركة بعيد القيامة المجيد في ظروف استثنائية غير عادية, ولذلك نظرا لإصابة الكثيرين من الأحباء بوباء كورونا, ووفاة الكثيرين أيضا بسببه.
فلنتضرع لله بإيمان راسخ في هذا العيد المجيد بأن ينظر إلينا بعين الرحمة والشفقة, وذلك برفع هذا الوباء عن بلادنا العزيزة مصر, وعن العالم أجمع وأن يشفي جميع المصابين به, ويريح الأرواح التي توفيت بسببه في مواضع الراحة في فردوس النعيم وأن يحفظ جميع الناس قيادة وشعبا من كل شر ومكروه.
أما عن الرسالة أو الكلمة التي أود أن أتكلم عنها في هذا العيد فهي عن:
علاقة الله بقيامة البشر من بين الأموات.
وفي مقدمة علاقة الله بقيامة البشر من بين الأموات يتضح لنا أنه هو:
1ـ واهب أو مانح هذه القيامة لجميع الناس من بين الأموات.
* وذلك بسلطانه الإلهي وقدرته غير المحدودة في وهب أو منح القيامة العامة لجميع الناس من بين الأموات, في أواخر الزمان كما وعد مرات عديدة في كتابه المقدس ويتضح لنا هذا من أمره الإلهي القائل: لا تتعجبوا من هذا فإنه تأتي ساعة, فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلي قيامة الحياة, والذين عملوا السيئات إلي قيامة الدينونة(يو5: 28ـ29).
* فقيامتنا من بين الأموات التي وعدنا بها الله تقودنا أن نفكر في هذه العطية المهمة التي يهبها أو يمنحها لنا ولغيرنا في أواخر الزمان. في جانب مهم وهو تكوين الإنسان وقت خلقه فيتضح لنا هذا من خلق أبينا آدم, أن تكوين الإنسان هو من جسد وروح, كما ذكر في سفر التكوين: جبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة, فصار آدم نفسا حية (تك 2:7).
* فبالتالي مادام تكوين الإنسان, هو من جسد وروح من وقت خلقه. إذا ما الذي يموت فيه أو منه وقت موته؟!
* الجواب ـ الذي يموت في الإنسان أو منه وقت موته, هو جسده وليست روحه, لأن الروح الإنسانية لا تموت لكنها تفارق الجسد وقت موت الإنسان وبمفارقتها له لأي سبب من الأسباب يموت ويرجع إلي التراب الذي خلق منه وترجع الروح لله الذي خلقها, كما ذكر الكتاب المقدس في سفر الجامعة: يرجع التراب إلي الأرض كما كان, وترجع الروح لله الذي أعطاها (جا 12:7).
فإذا ما دامت أجساد البشر هي التي تموت وقت موتهم لا أرواحهم. فبالتالي قيامة البشر من بين الأموات, هي قيامة لأجسادهم لا لأرواحهم لا تموت.
* لكن لا ننسي أن نشير إلي ملحوظة مهمة, حول أجساد البشر التي تقوم في يوم القيامة, وهي أن الله يعطيها صفات أو سمات روحية لم تكن فيها من قبل كما أشار الرسول بولس في رسالته الأولي لأهل كورنثوس (1 كو15: 40ـ45). وهذه الصفات أو السمات تتناسب مع أجساد القيامة وأهدافها التي يقصدها الله.
* إلا أن هذه الأجساد التـي قامت من بين الأموات, وأعطاها الله صفات أو سمات روحية, يعوزها لكي تحيا بأن يرجع الله إليها أرواحها التي كانت محفوظة لديه منذ أوقات موتها, لكي تهبها أو تمنحها الحياة, وبالفعل يرجع الله روح كل إنسان إلي جسده القائم من الأموات بدقة متناهية وسرعة فائقة فتهبه أو تمنحه الحياة, كما أشار حزقيال النبي في نبوءته (حز 37: 9ـ10), دون أن يرجع ويموت مرة ثانية إلي أبد الأبدين.
* ولا فوتنا أن نقول عن قيامة البشرية من بين الأموات ورجوع الحياة إليها دون أن ترجع وتموت مرة ثانية. هذا يعد استثناء فريدا لها من الله, ويوضح مكانتها الأدبية لديه دون بقية المخلوقات الأرضية غير العاقلة, لأن كل هذه المخلوقات, وقت أن خلقت فهي عبارة عن أجساد وأنفس لا أرواح لها. أما عن البشر في خلقهم, جمعوا بين أجساد وأرواح معا.
* لذلك بموت هذه المخلوقات تدخل الفناء ولا ذكر لها ولا قيامة بعد ذلك. أما عن البشر, بمجرد موتهم تبدأ أرواحهم في الحياة في العالم الآخر, بعد ذلك ثم أجسادهم في اليوم الأخير, وترجع أروحهم وتتحدد بها, وتمنحها الحياة دون رجوع للموت مرة ثانية إلي أبد الآبدين.
لكن قد يسأل البعض قائلا:
2ـ ما هي الأهداف الإلهية من القيامة العامة للبشر من بين الأموات؟!
الجواب ـ بلا شك لله أهداف كثيرة من القيامة العامة للبشر وأهمها:
* المجازاة العامة لكل البشر, أي المكافأة أو العقوبة.
وهذا يتم بعد القيامة العامة مباشرة, ووقوف جميع البشر أمام كرسي الله تعالي: لينال كل واحد ما كان بالجسد, بحسب ما صنع, خيرا كان أم شرا (رو 5:10). وهذا ما يؤكد عليه الرب في سفر الرؤيا بأن المجازاة في يوم الدينونة هي حسب عمل كل إنسان: ها أنا آتي سريعا لأجازي كل واحد كما يكن عمله (رؤ 22: 12).
* وبناء علي دينونة الله العادلة في مجازاته للبشر يوم الدين نجد البعض منهم, أبرارا يكافئهم, والبعض الآخر أشرارا وغير تائبين يعاقبهم, ويؤكد علي هذه الحقيقة الإلهية دانيال النبي في سفرخ: كثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلي الحياة الأبدية, وهؤلاء إلي العار للازدراء الأبدي (دا 12:2).
بالإضافة إلي ذلك كما كان من أهداف الله من القيامة العامة, هي المجازاة لجميع البشر.
3ـ هكذا من أهدافه الحكم بالمصير الأبدي علي كل إنسان.
* أي الحكم بالخلود إلي أبد الآبدين للأبرار, وذلك بميراث أبدي في ملكوت السموات مع الله وملائكته الصالحين, وهذا ما أشار إليه الرب في حديثه عن الأبرار الذي يكونون عن يمينه في يوم الدين بقوله لهم: تعالوا يامباركي أبي, رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم (مت 25:34).
كما أنه أكد في حديثه, عن ميراث الأبرار في ملكوت السموات, أنه أبدي: فيمضي هؤلاء…. والأبرار إلي حياة أبدية (مت 25:46).
* ومع ذلك من كثرة صفات الميراث الأبدي للأبرار في ملكوت السموات قال عنه الرسول بولس في رسالته الأولي لأهل كورنثوس: ما لم تره عين, ولم تسمع أذن, ولم يخطر علي بال إنسان, ما أعده الله للذين يحبونه (1كو 2:9).
* كذلك الحكم بالخلود إلي أبد الآبدين للأشرار وغير التائبين وذلك بميراث أبدي في النار الأبدية مع الشيطان وملائكته وهذا هو الذي أكد عليه الرب في حديثه عن الأشرار وغير التائبين الذين يكونون عن يساره في يوم الدين بقوله لهم: اذهبوا عني ياملاعين إلي النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته (مت 25: 41).
كما أنه أكد في حديثه, عن ميراث الأشرار وغير التائبين, في النار الأبدية أنه أبدي: فيمضي هؤلاء إلي عذاب أبدي (مت 25:46).
* وكما قال الكتاب عن ميراث الأبرار: ما لم تره عين, ولم تسمع أذن, ولم يخطر علي بال إنسان, ما أعده الله للذين يحبونه. كذلك يقال عن ميراث الأشرار وغير التائبين في النار الأبدية وفي العذاب الأبدي (إش 66: 24), (مر 9:43, 44, 46, 48), إنه: ما لم تره عين, ولم تسمع أذن, ولم يخطر علي بال إنسان, ما أعده الله للذين لا يحبونه.
ختاما: مادامت القيامة العامة من بين أهدافها الدينونة العامة لجميع الناس, وذلك طبقا لأعمالهم لأن ما يزرعه الإنسان في حياته من خير أو شر يحصده في يوم الدينونة. كما قال الكتاب: الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا (غل 6:7).
فلنحترس أن: نعمل الخير مع الجميع ولا سيما أهل الإيمان (غل 6:10).
لكي يكون لنا نصيب في قيامة الأبرار, ونكافأ من الرب بميراث صالح في ملكوت السموات معه ومع قديسيه.
وكل عام وأنتم بخير,
ولإلهنا المجد الدائم آمين.