* عيد الصعود عيد سيدي خاص في معجزته بالسيد المسيح وحده.
أي أنه يشمل معجزة لم تحدث مع أحد من البشر, وإنما كانت للسيد الرب وحده: مثل الميلاد العذراوي, ومثل قيامته بقوة لاهوته وخروجه من القبر المغلق, ومثل التجلي علي جبل طابور, كذلك صعوده إلي السماء وجلوسه عن يمين الآب.
لقد صعد بذاته, وليس مثل إيليا النبي الذي أخذته مركبة نارية فصعد فيها 2مل 2: 10 ـ 11. ولا مثل أخنوخ الذي لم يوجد لأن الله أخذه تك 5: 24.
أما السيد المسيح فصعد بقوته, دون أية قوة خارجية.
* وكان صعوده صعودا بالناسوت.
ذلك لأن اللاهوت موجود في كل مكان, في الأرض وفي السماء وما بينهما. لذلك فاللاهوت لا يصعد ولا ينزل.
وفي القداس الغوريغوري نقول له وعند صعودك إلي السموات جسديا. وقد شرحنا هذه النقطة من قبل.
* صعود المسيح إلي السماء, لم يكن مفارقة لكنيسته علي الأرض…
ما كان انفصالا عن الكنيسة, ولا تركا لها, ولا تخليا عنها.
لأنه قال ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر مت 28:20 وقال أيضا حينما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي, فهناك أكون في وسطهم مت 18: 20.
إذن هو معنا في الكنيسة, وفي كل اجتماع روحي, وهو كائن معنا علي المائدة في كل قداس, هو عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا مت 1: 23.
* صعوده إذن هو مجرد اختفاء عن الحواس المادية, مع وجوده فعليا.
كان مع تلاميذه وهم يرونه بالحواس. وبعد صعوده ظل أيضا معهم ولكنهم لا يرونه بالحواس, هو معهم بالإيمان لا بالعيان والإيمان هو الإيقان بأمور لا تري عب 11: 1. وكما قال تلميذه توما طوبي لمن آمن دون أن يري يو 20: 29. أذن هو صعد عن الأرض بالجسد, وظل باقيا عليها باللاهوت, يدركون وجوده معهم بالإيمان, وإن كانوا لا يرونه بالحواس المادية, أي بالعين الجسدية…
* كان صعوده رفعا لمستوي التلاميذ, ودليلا علي نضوجهم الروحي:
لقد رفعهم من مستوي الحواس إلي مستوي الإيمان في بدء علاقتهم معه وهو علي الأرض, كانوا محتاجين أن يروا ويلمسوا ويحسوا وجوده بالجسد. فلما وصلوا إلي درجة الإيمان, فارقهم بالجسد, لأنهم صاروا قادرين أن يروه بالروح, وأن يحسوا وجوده بالإيمان. ويقينا أنهم بعد صعوده, لم يشعروا في يوم من الأيام أنه فارقهم.
* هو معنا أبصرناه بعيوننا أم لم نبصره.
إن النظر الجسدي ليس هو الحكم في الأمور الإيمانية.
نحن نؤمن بوجود الله دون أن نبصره, ونؤمن بوجود الملائكة حولنا دون أن نبصرهم. ونؤمن بوجود الروح وبخروج الروح من الجسد دون أن نبصر ذلك.. إذن وجود السيد المسيح معنا بعد صعوده, لا تحكمه الرؤية الجسدية. وإيماننا هذا هو ارتفاع لمستوانا الروحي في موضوع صعود المسيح وبقائه معنا.
* معجزة صعوده لم تكن ضد قوانين الطبيعة بل سمو عليها.
بداءة نقول إن الرب لما وضع قوانين الطبيعة, وضعها لتخضع لها الطبيعة, لا ليخضع هو لها, بل تبقي هي خاضعة له لواضعها.
ومع ذلك, فإنه في صعوده, صعد بالجسد الممجد, الجسد الروحاني السماوي, الذي سنقوم نحن بمثله 1كو 15: 44, 49 علي شبه جسد مجده في 3:21.
إذن معجزة الصعود لم تكن في الانتصار علي قوانين الجاذبية الأرضية, إنما كانت المعجزة في هذا الجسد الروحاني السماوي, الذي يستطيع أن يصعد إلي فوق أنه إذن سمو للطبيعة وليس تعارضا معها. أنه نوع من التجلي لطبيعة الجسد…
* معجزة الصعود تعطينا لونا من الرجاء من ناحيتين:
الأولي أن الذين أعثروا بصليب الرب وما صاحبته من إهانات ومن آلام, كان الرد عليها في مجد القيامة, ثم في مجد الصعود. وهكذا عاد الإيمان إلي الناس الذين ظنوا أن كل شيء قد انتهي بالصليب. وصار لنا رجاء أنه بعد كل صليب توجد قيامة وصعود. وهذا الرجاء صاحب الشهداء والمعترفين في كل جيل.
* الناحية الثانية من الرجاء أنه سيكون لنا المثل:
فكما صعد المسيح بجسد ممجد, سيكون لنا أيضا أجساد ممجدة في 3: 21. وكما أخذته سحابة عن أعين التلاميذ في صعوده, هكذا في اليوم الأخير سنأتي معه علي السحاب. في مجيء ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه ليصنع دينونة علي الجميع يه 14ـ 15, حين يأتي علي السحاب وتنظره كل عين رؤ 1: 7. ونحن الأحياء الباقين علي الأرض سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء. وهكذا نكون كل حين مع الرب 1تس 4:17… حقا مع أعظم هذا الرجاء…
* وهذا الرجاء يعلمنا الصبر وانتظار الرب:
الصبر أولا في تحقيق مواعيد الرب. الصبر علي آلام الصليب, حتي تتحقق أمجاد القيامة وأمجاد الصعود.
والصبر علي الصعود وترك الرب لنا بالجسد, حتي يتحقق قول الملاكين للرسل يوم الصعود إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلي السماء, سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا إلي السماء أع1: 11.
كذلك الصبر أيضا الذي صبره الآباء الرسل في انتظار وعد الرب لهم بأرسال الروح القدس.
إنه صبر في رجاء. وهو رجاء مملوء بالفرح في إيمان بتحقيق مواعيد الرب, وكما قال الرسول فرحين في الرجاء رو 12:13.
* كان صعود الرب إلي السماء عملية فطام للتلاميذ:
لقد تعودوا خلال فترة تلمذتهم له وهو موجود بينهم بالجسد, أن يتكلوا عليه في كل شيء دون أن يعملوا شيئا.
كان هو الذي يعمل المعجزات, وهو الذي يرد علي المعارضين, بينما يقف التلاميذ متفرجين, يتأملون ويتعلمون… أما الآن, بعد الصعود, فقد آن لهم أن يفطموا, ويقوموا هم أنفسهم بكل المسئوليات الروحية: يتلمذون جميع الأمم, ويعلمونهم جميع ما أوصاهم الرب به مت 28. ويردون علي معارضيهم, ويحتملون الألم في عمل الكرازة.