” خلى بالك من زيزى” مسلسل يمكننا القول بأنه عمل درامي ينتمي إلى الكوميديا الاجتماعية، ليس ذلك فحسب بل لقد ألقت الضوء بشكل كبير على عدة مشكلات تعترض الأسر سواء فى علاقات الأباء والأمهات بأبنائهم أو الأزواج وزوجاتهم وبعض قضايا الأحوال الشخصية والصراعات الأسرية. ومن الموضوعات التى تطرق لها المسلسل بالعديد من التفاصيل بشكل لم يقترب منها من قبل عمل درامى خاصة فى ظل الدراما الرمضانية، ألا وهو التعامل مع مرض فرط الحركة وتشتت الانتباه ADHD ” “الذى يصيب نسبة من الأطفال فى سنوات عمرهم الأولى ويحتاج إلى التعامل من قبل الأسرة والمدرسة والمجتمع المحيط بشكل مختلف مراعاة سماتهم التى تميزهم، كما تطرق المسلسل إلى أنه فى حال إغفال الأسر الاهتمام بأبنائهم المصابين بفرط الحركة وتشتت الانتباه فى سنوات عمرهم الأولى أنه من الممكن أن تتفاقم المشكلات معهم فى المستقبل و قد تعرضهم للإخفاق فى الدراسة أو فى الزواج وتكوين أسرة أو العمل ..إلخ. العديد من المشاهد الدرامية والحلقات قدمت معالجة مميزة جدا لهذا الموضوع ، كما نجح المسلسل فى المعالجة الدرامية لفكرة الوصمة للمرض. و قدم دور الطبيب النفسى بشكل أكثر من رائع بعيدا عن النمط الذى قدم فى أعمال درامية سابقة ، فكان الطبيب يتعامل بشكل متوازن مع المرضى بل ويتعامل مع مشكلاته الحياتية دون تجاهل لها و يحاول أن يتخطى الأزمة التى تعرض لها فى حياته وتسببت فى فقدانه لابنه الوحيد”فادى” … كما تناول المسلسل بعض أشكال العلاج والتدخلات التى من الممكن أن تساعد الأطفال الذين لديهم ADHD بداية من تبسيط العلوم واتباع روتين يومى والاهتمام بالفنون والرياضة وكيفية توظيف طاقة الطفل بشكل جيد…. و لقد كان المسلسل قريبا الى الواقع فى هذا الشأن إلى حد كبير وهو ما أثار تساؤلات العديد من الأسر حول طبيعة الأطفال المصابين بفرط الحركة وتشتت الانتباه وهل هذه التصرفات من الطفلة ” تيتو” بالمسلسل كانت مبالغ فيها حتى تتناسب مع السياق الدرامى، وكيف يكتشف الآباء والأمهات إذا ما كان أطفالهم مصابين بفرط الحركة وكيف يمكنهم التدخل و من أين يبدأ العلاج، هذه النقاط نناقشها فى السطور القادمة.
شارك في بطولة المسلسل مجموعة متميزة من الفنانين منهم : بيومي فؤاد، صبري فواز، أمينة خليل، صفاء الطوخي، محمد ممدوح، محمد فراج، سلوى محمد على، على الطيب، على قاسم و من تأليف ورشة سرد وإشراف على الكتابة مريم نعوم، سيناريو وحوار منى الشيمي ومجدي أمين، وإخراج كريم الشناوي. وقدم أغنية التتر “فرقه شارموفرز”.
بدأت الحلقة الأولى للمسلسل وصفا بالصورة لسلوك بطلة الحكاية زينب أو زيزي (أمينة خليل)، حيث جاء المشهد لها داخل سوبر ماركت تقوم بالتقاط قطع الحلوى بشكل عشوائى ولا تضعها في سلة شراء كما هو معتاد، ولكنها تحملها بين يديها ما يؤدي إلى تساقطها، ويعطي مشهد بداية المسلسل انطباعا أننا أمام امرأة لديها سلوك طفولي لا تهتم بشيء إلا تحقيق رغباتها فورا، وتصاب بحالة من الغضب إذا لم تصل إلى ما تريد.
ADHD لا يعنى طفل اندفاعى ومشتت دائما
تحدثنا إلى الدكتورة مى الرخاوى دكتوراة في علم النفس الاكلينيكى حول مسلسل ” خلى بالك من زيزي” وقالت:” المسلسل قدم عدة أشياء مهمة حول فرط الحركة وتشتت الانتباه الذى يصيب بعض الأطفال و حقيقة الأمر أن المسلسل فى غالبية المشاهد قدم معلومات صحيحة علميا، ولكن هناك بعض النقاط يمكننا التأكيد عليها حتى لا يحدث خلص لدى الأسر منها أن الاندفاع والغضب والسلوك العدوانى ليس من الأمور المتلازمة لهم، فليس كل هؤلاء الأطفال بالضرورة لديهم كل هذه السلوكيات والعنف، فهم مقسمين الى ثلاثة مجموعات، الأولى : الأطفال من لديهم عدم التركيز مع فرط حركة و اندفاعية
المجموعة الثانية : الطفل الذى لديه صعوبة في التركيز لكن ليس لديه اندفاعية أو فرط حركة و احيانا هؤلاء الأطفال يظلموا لانهم طباعهم هادئة و لذلك فى كثير من الأحيان لا يتم معرفتهم و تشخيصهم بشكل واضح داخل المدارس و يحتاجوا إلى متخصصين لتشخيصهم، هم يتعثروا فى درجاتهم أحيانا بين إخفاق ونجاح لكن في مراحل متقدمة لما الدراسة أكثر صعوبة يحدث تدهور و يظهر بوضوح فى الامتحانات والدرجات.
المجموعة الثالثة : الأطفال من لديهم فرط حركة واندفاع فى حركاتهم و سلوكياتهم لكن تركيزهم جيد و درجاتهم فى المدرسة جيدة.”
وأضافت الدكتورة مى الرخاوى قائلة: “علميا ليس كل الأطفال لديهم كافة المظاهر، بالتأكيد فى مثل الطفلة” تيتو” التى ظهرت فى المسلسل حقيقى لكن هناك فئات أخرى. لذلك نطالب الأهل والمتخصصين انه حينما يتعثر الطفل علينا الاهتمام ومحاولة اكتشاف الأسباب قبل اتهام الطفل بأنه مهمل وغير قادر على التحصيل الدراسى، حتى قبل المدرسين ما يشتكوا من الطفل، مهمة الآباء والأمهات الناجحين مع أبنائهم ليست فى أنهم يجعلوا أبنائهم يجتازوا الدراسة والنجاح وفقط ، ولكن انهم يتعرفون على نقاط الضعف والقوة لديهم و التدخل مبكرا حتى لا نصل لمرحلة متقدمة من الصعوبة.”
70 % من الأطفال يتخطوا الأمر فى سن البلوغ
وأضافت الدكتورة مى : ” بحسب الأبحاث العلمية فإن هناك حوالى 70 % من هؤلاء الأطفال عند مرحلة البلوغ بالتغيرات الهرمونية هذه المظاهر تقل لكن فى 30 % يكملوا بنفس الصعوبة و يتعثرون فى الجامعات و فى الاستمرار فى العمل و أحيانا لا يستطيعون تحمل المسئولية مما يتسبب فى مشكلات زوجية كبيرة وأحيانا الانفصال كما هو الحال فى حالة ” زيزى” بالمسلسل .
70 % يصبحون أفضل عند مرحلة البلوغ و يتخطوا هذه المشكلة لكن سيكون ذلك بعد ما يقرب من 15 سنة من المعاناة و دائما ما يكون خلال هذه السنوات متهم من قبل الأهل والمعلمين بالتقصير والاهمال وأن تصرفاته أصغر من سنه كل هذه المعاناة كثيرا ما تتسبب في كم كبير من الغضب والإحباط النفسي ، لذلك نوجه رسالة مهمة للأمهات والأباء فى هذا الشأن و هى انهم عليهم أن يساعدوا أبناءهم انهم يفهموا أنهم لا ذنب لهم و يعرفوا المشكلة و كيفية التدخل والمفاتيح السلوكية للعمل عليها لحل هذه المشكلة. فيجب أن يتفهم الأهل أن ابنائهم قادرين وانه ليس بذنبهم على الاطلاق ما يتعرضون له وأنه أمر بيولوجي بالدرجة الأولى.”
وفيما يتعلق بالتدخل بالعقاقير الطبية الدوائى أوضحت الدكتورة مى الرخاوى ان هذا الامر يتم الرجوع فيه للطبيب، لان ال ADHD ثلاثة مستويات : بسيط – متوسط – شديد ، أحيانا يقر الطبيب المعالج فى حدود ضيقة في الدرجة الشديدة الاحتياج للدواء إذا أصبح الطفل خطر على ذاته أو من حوله هنا قد ينصح الطبيب الأسر باستخدام دواء لفترة حتى يبدأ التحسن مع العلاج السلوكى والمعرفى.
الرياضة مهمة، ولكن؟
وحول دور ممارسة الرياضة كما جاءت فى المسلسل وتأثيرها الايجابى فى العلاج قالت الدكتورة مى :” لا أفضل فكرة ممارسة رياضة تتسم بالعنف والدفاع عن النفس خاصة فى السن الصغير لأن الطفل احيانا لا يفرق بين التدريبات و بين سلوكياته مع اقرانهم فى المدرسة او الاشقاء والاقارب و قد يقوموا بحركات عنيفة بشكل فجائي و حينها قد يكونوا سببا للأذى لمن حولهم، لذلك من المفضل فى السنوات الأولى للطفل ممارسة الألعاب الرياضية مثل كرة السلة و الطائرة أو الاهتمام بالمجالات الفنية فهي تقوم بنفس دور الرياضة.”
واستطردت الدكتورة مى قائلة: تناول المسلسل بعض الاضطرابات النفسية كالخوف الشديد أو نوبات الغضب التى تنتج عن بعض المواقف في مرحلة الطفولة مثلما حدث مع ” زيزي” وخوفها المبالغ فيه من غرفة الغسيل التى كان يتم حبسها فيها وهى طفلة صغيرة ، وهذا أمر حقيقى 100 % لان اضطراب ما بعد الصدمة ممكن الطفل يتعرض لشيء و هو 3 سنوات وأعراضها تظهر و هو شاب لو لم تظهر و هو صغير، كثير جدا من مشاكل التربية والصراع ان لم يتم حلها من الصغر تظل موجودة معنا ليس فقط مشاعر الخوف والهلع والغضب بل و الاكتئاب ايضا واضطرابات الشخصية
نجاح فى معالجة الوصمة للمرض
المسلسل نجح جدا فى المعالجة الدرامية لفكرة الوصمة للمرض و الذهاب للطبيب النفسى ، هذا ما أكدت عليه الدكتورة مى و أضافت: ال ADHD ليس وصمة و غير ملازم له العنف او التأخر الدراسى ، بل أن كثير جدا منهم ناجحين ومتميزين.
والمدرسة لها دور مهم لم يتم الاشارة اليه بالشكل الواضح فى المسلسل ، على سبيل المثال انه يكون فى امتحانات بأسلوب مختلف لهم أو بشكل فردى ، كذلك فكرة قبول الطفل داخل فصله ومدرسته و دور المدرس جوه فصله و فى علاقته مع الطالب فهى مهمة المدرس بشكل أساسى وعليه أن يهتم بهم و يقوم بالشرح بأسلوب مبتكر وجذاب و مرئى بشكل أساسي محفز انتباه هؤلاء الأطفال ، كذلك من المفترض أن الطفل يكون مكانه قريب من المدرس وليس في نهاية الصف حتى يتم الحفاظ أكثر على تركيزه ” العوامل الفيزيقية مهمه” وان يجلس بعيدا عن الباب والشباك.. الاحباط الذى قد يتعرض له الطفل داخل الفصل من المدرس ممكن يؤخرهم سنوات للخلف
أما فكرة مدرسة الظل احيانا بتكون وصمة للطفل فإن لم يكن لها ضرورة فهو ليس احتياج أساسي لهم.
كلمة السر أننا نفهمهم
أوضحت الرخاوى أن أطفال كثير منهم ممن يكون لديهم مشكلات فى الحركة يأتوا إلينا على أساس الشكوى من أنهم عدوانيين ، لكن هذا غير حقيقى هم ليسوا شخصيات عدوانية بطبيعتهم، لكن بسبب اندفاعيتهم قد يقومون بحركات باندفاع و بشكل مفاجىء احيانا و ممكن تخرج بشكل يؤذي الاخرين، بالإضافة إلى أنهم ليس لديهم القدرة على تحمل الاحباط لو خسروا مثلا فى لعبة او تنمر عليهم أحد فى هذه الأحوال قد ينفجروا كالبالون مرة واحدة و انفجاراتها أحيانا كثيرة لا تتناسب مع الموقف ، كتير من الناس بترجم الأفعال دى انها افعال سيئة و غير مؤدب ، لكن فى حقيقة الأمر بالنسبة لهؤلاء الأطفال فهى ليست كذلك، بمجرد ما بنعرف السبب و تجعله يهدأ بتوصل الرسالة على طول بيتراجعوا، فمن المهم أن نبحث عن مفاتيح هؤلاء الأطفال ونفهمهم.