(قوة وفخرا وبركة ومحبة ورجاء وخلاصا ونصرة وفرحا)
من ينظر إلي صليب المسيح يجده أنه ملازم كل مسيحي, لأنه أبرز رمز في المسيحية وعندما نرشم الصليب نعلن تبعيتنا لهذا المصلوب نعلن أيضا عقيدتنا في التجسد والفداء ونبشر بموت المسيح كل حين, وحينما نرشم الصليب يمنحنا الرب قوة, لأننا نتذكر أن الرب بالصليب داس الموت ومنح الحياة لكل الناس, وأظهر قوة مجده حينما أخلي ذاته.. وعندما نتذكر الصليب فنأخذ بركته كما حلت علي الشهداء والقديسين مثل أمير الشهداء مارجرجس والأنبا برسوم العريان وقسطنطين الملك وغيرهم.. ويعتبر الرسول بولس أن الصليب هو جوهر المسيحية وموضع فخر لنا فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح (غل 6:14) هذا الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم, وفالصليب فخر لا أنه صار مختلفا تماما بسبب موت المسيح علي عود الصليب.. وشرح رسول الأمم والجهاد قوة الصليب في مقولة مختصرة بذل جهدا فيها كثيرا حتي يختذلها قدر ما استطاع فقال فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله… وإن الصليب هو المكان الذي تقابلت فيه محبة الله مع عدله, ونتذكر ذبيحة الحب الإلهي, فالله قد تبين محبته لنا من خلال الصليب, فالصليب هو موضع الحب الإلهي للبشرية فبذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية, ثم نزل من علي الصليب إلي الجحيم بعد موته (روحه متحدة باللاهوت) وأنقذ الذين هناك وخرج آدم وكل بنيه وأدخلهم إلي الفردوس مع اللص اليمين الذي قال له معهم اليوم تكون معي في الفردوس (لو 23:42).
فالقيامة أعطتنا النصرة بعد الانهزام من الخطية التي توارثناها من أبينا آدم وأمنا حواء يا للفرح الذي غمر قلوبنا.. ولقد كان قيامة المسيح فرحا للتلاميذ ففرحوا التلاميذ لأنهم رأوا الرب (2كو 2:14) ولنا نحن أيضا الفرح لأنها كانت نقطة تحول في حياتهم وحياتنا علي مر العصور والأجيال وأعطت لنا كرامة لحياتنا.. فالقيامة كانت وسيلة خلاص الإنسان لأنه مات لأجل خطايانا ولأجل تبريرنا (رو 4:25) وأعطت تجليا لطبيعتنا البشرية.. فقيامة المسيح رسالة رجاء يقدمها للبشرية وفتحت أمام العالم فجوة بين اليأس والرجاء, فهي ينبوع الرجاء الذي لا يتزعزع.. فاليأس الذي كان موجودا عند التلاميذ وقت آلامه وصلبه وقوته تبدل رجاء وأملا في كل شيء وإنه لا يوجد صعب أو مستحيل ولا توجد عقبات إذا تحطمت بالقيامة.. فالقيامة يسبقها المذود والصليب والقبر ولكن مكث في المذود والقبر أكثر مما مكث علي الصليب معلقا ومع ذلك لم ينسب للمذود ولم ينعت بالقبر, إنما وسم بالصليب وسمي بالمسيح المصلوب..
* هل تعلم ما هو الزمن الذي استغرقه المسيح علي عود الصليب حيا؟. كان ثلاث ساعات والزمن الذي مكثه فوق الصليب ميتا بإرادته كان ثلاث ساعات.. والتسعة ساعات التي سبقت عملية الأكفان والدفن (من الساعة الثالثة حتي الساعة السادسة) كان وقتها استصدار الحكم بالصلب والتصديق عليه من قبل القيادتين الكنسية الدينية اليهودية والسلطة الهيرودسية والبيلاطسية وكانت هذه الفترة ساعات كلها ظلمة للسلطة التشريعية والقضائية ومن ثم التنفيذ ومن (الساعة السادسة إلي الساعة التاسعة) كانت الفترة الزمنية التي قضاها الرب حيا معلقا علي عود الصليب, ويقول الإنجيل كانت ظلمة علي الأرض كلها.. وفي هذه الساعات ترك لنا الرب كلماته السبع.. وكانت كلها حياة.. لنا.. الكلمة الأولي كانت فيها توبة أعظم وأشطر وأمهر لص في تاريخ البشرية أو في عالم الجريمة فتح له باب الفردوس وقال له اليوم تكون معي والكلمة الثانية كان فيها قد عهد بأمه البتول مريم إلي حبيبه وتلميذه يوحنا البتول وقال لها هذا هو ابنك, وقال له هذه هي أمك من ذلك الحين أخذها إلي بيته (يو 19:47).
والكلمة الثالثة كان فيها قد سدد حكم أبينا آدم وأمنا حواء وذريتهما وبهذا دفع ثمن الخطية وتحمل الغضب وخرج منتصرا والكلمة الرابعة كان فيها قد دفع الثمن الغالي عن البشرية ثمن الخطية لأجل كل الناس في كل مكان وزمان والكلمة الرابعة ذاق الخل بمرار ولم يرد أن يشرب (متي 27:34) والكلمة السادسة كانت خاصة بالمغفرة لصالبيه يا أبتاه اغفر لهم لأنهم يدرون ماذا يفعلون (لو 23:24) وقالها وهو في منتهي الألم الجسدي والكلمة السابعة قد أكمل (يوحنا 3:19) وهكذا أكمل النبوءات وأكمل الطاعة وأكمل كل بر الناموس وأكمل عمله الكرازي وأكمل الحب ثم قال في يا أبتاه في يديك أستودع روحي (لوقا 23:46) هذه الكلمات الغالية التي قالها المسيح علي الصليب فلنضعها نحن في قلوبنا ولتكن ذات فاعلية في حياتنا لنقرأ كل كلمة في إمعان ونتفاعل معها.. ليس المهم إذن في طول الوقت الذي تقضيه مع الرب بل في عمقه. كلمة واحدة تقتدر كثيرا في فعلها.
* ومن (الساعة التاسعة حتي الساعة الثانية عشر) قضاها االمسيح ميتا فوق الصليب وتحته كاشفا جسده حتي التأكد أنه مات حقا كما سنشدو مهللين قام حقا, ولكن ظهر في هذه الساعة الأخيرة نيقوديموس للمرة الثانية في حياة الرب وموته وظهر يوسف الرامي للتكفين والتجنيز والدفن في قبره الجديد القريب من موضع الصلب, ويقول التقليد الكنسي إن القديس نيقوديموس سبح تسبحته أثناء التجنيز وهو يكفن جسدالمسيح قائلا قدوس الله, قدوس القوي, قدوس الحي الذي لا يموت والتي أخذتها الكنيسة في طقوسها. المسيح قام بالحقيقة قام, وكل عام وحضراتكم بخير,