عندما حلّ موعد ظهور العذراء للمرة الخامسة في ١٣ أكتوبر، كان الخبر قد انتشر في أنحاء البلاد، وتقاطرت لبلدة فاطيما جماهير غفيرة لا حصر لها، حتى إمتلأت بهم الصحراء الشاسعة وكانت أبصارهم شاخصةً نحو السماء تترقب بفارغ الصبر ظهور السيدة العذراء مريم القديسة .
وبينما كان الفتيان جاثين على ركبهم يصلون، والسرور يفيض من وجوههم، رعد البرق فجأةً بصوت قوي جلّجَلَ الصحراء، وشعّٓ في الفضاء نور ساطع أضاء الكون برمته. ولاحظ الجميع أن الأولاد يتحدثون إلى السيدة الواقفة معهم ولا أحد يراها غيرهم .
فطلب الجميع من الأطفال أن يتوسلوا إليها لكي تظهر نفسها، أو تعطي لهم إشارة تثبت بأنها العذراء مريم، فتحظى بلدتهم بتشريفها والتعرف عليها .
وما أن رفع الأولاد أصواتهم وقالوا للسيدة ما يطلبه الجمع المحتشد، للفور عينّت لهم موعداً في ١٣ ديسمبر لإثبات ما يطلبون، وستكون المرة السادسة والأخيرة لظهورها .
ثم طلبت منهم أن يشرحوا للجماهير عن عمق حزنها وألمها لما يسببه فساد العالم وآثام وخطايا البشر من طعنات جارحة لقلب إبنها الإلهي، وأضافت ايضاً أنه توجد نفوس كثيرة تهلك بخطايا الجسد ، ولذا يجب التوبة الصادقة وعدم الرجوع إلى الخطيئة .
كفّوا عن الشر واتبعوا تعاليم يسوع وتجنبوا الخطيئة :
كان يوم ١٣ ديسمبر عام ١٩١٧ يوماً خالداً في تاريخ البرتغال بل ، في تاريخ المسيحية جميعاً . وقد بدأت الجماهير تتقاطر من أنحاء المعمورة على بلدة فاطيما طوال الأيام الثلاثة التي سبقت اليوم المحدّد والموعود به حتى زاد عددهم ٦٠٠،٠٠٠ شخص مجتمعين في قلب الصحراء ، رغم الأمطار الغزيرة التي كانت تنهمر عليهم بلا إنقطاع والأرض من تحتهم كأنها برك مغمورة بالمياه، محتملين كل هذه الصعوبات على أمل أن يروا تلك السيدة العظيمة التي شاع صيتها في أرجاء المعمورة .
وما أن حلّت الساعة الموعود بها حتى أقبل الأطفال الثلاثة بصدور منشرحة وأخذوا مكانهم بين الجموع الحاشدة وقد تعلقت بهم الأنظار ، وبين وميض البرق وقصف الرعود ظهرت السيدة للأطفال المختارين ، فأعلن الأطفال النبأ للجماهير . وفي الحال سكنت الريح، وفجأةً وقف المطر وظهرت الشمس تملأ السماء بأشعتها وأخذ قرصها يقترب من الأرض رويداً رويداً والحرارة تشتد حتى جفّت ملابس الجماهير ويبست الأرض ، فعمّ الخوف على الجميع . وكانوا ينتظرون إقتراب قرص الشمس منهم وهم في حالةٍ من الخوف والرعب . وركع الجميع وأخذوا يتوسلون إلى الأطفال أن يشفعوا لهم عند السيدة العذراء لترفع غضبها عنهم وترأف بهم .
حينئذٍ أمرت السيدة العذراء الشمس بالعودة إلى مكانها الطبيعي ، وخفّت الحرارة ، واعتدل الجو ، وبدأ الأولاد الثلاثة ينقلون للمحتشدين ما تقوله السيدة العذراء ، وهو : ” كفّوا عن الشر ، واتبعوا تعاليم يسوع ، وتجنبوا الخطيئة ، وكونوا أُمناء للكنيسة ورحماء بالعالم ، ودعاء وأنقياء القلوب ” . ثم اختفت العذراء ، وكانت الزيارة الأخيرة لها في بلدة فاطيما .
وفي الطريق وأثناء عودة الجماهير إلى بلادهم ، كان حديثهم وحديث البلاد والقرى المجاورة عن ظهور السيدة العذراء ، وعن أعاجيبها ورجوع الشمس إلى مكانها واقترابها من الأرض ، وشدّة حرارتها حتى يبست الأرض ، وجفّت المياه التي كانت تغمر البلاد المحيطة ببلدة فاطيمة من كل الجهات ، حتى أن السلطة الكنسية أضطرت أن توفد لجاناً مختلفة لشتى المدن القريبة من بلدة فاطيمة ، لتتحرى الأمر بدقة وبحث مستفيض ، كما أنَّ اللجان الكنسية إجتمعت بالأطفال الثلاثة وناقشتهم في كل ما كانت السيدة العذراء تقوله لهم .
وعندما استكملت الأبحاث وتمّ البحث عن المواضيع المتعلقة بظهور العذراء ، أصدرت الكنيسة في١٣ أُكتوبر سنة ١٩٣٠ حكمها بأن ظهور السيدة العذراء القديسة في بلدة فاطيما ، لا يعتريه أي شك ، وهو حقيقة ثابتة لا يمكن نكرانها .