أجمل ما في القراءات الروحية, إضافة إلي المكسب الأخلاقي,أن لها وقعا في النفس فنقرأ وراء السطور أكثر مما نقرأ في السطور نفسها.
أهداني صديق كتابا يزخر بكثير من معالم الطريق لفضائل التواضع والحكمة والخدمة في الخفاء وغيرها. الكتاب يحمل عنوانالاقتداء بالمسيح, يقع في 506 صفحاتقطع صغير من إصدار منشورات المكتبة البولسية- بيروت-لبنان وسطره راهب متعبد لم يذكر اسمه وترجم في ثمانينيات القرن الماضي عن اللاتينية.
يتفرد الكتابالجوهرة بأنه يقتفي أثر معاملاتنا ويمس انفعالاتنا ويتعرض للتجارب التي نقع فيها ولا مفر منها, ممهدا الطريق للخروج من التجربة مهما كانت.
يقول المؤلف: التجربة وإن كانت عنيفة مرهقة إلا أنها كثيرا ما تكون شديدة النفع لأنها تنقي وتؤدب, ولا يوجد إنسان بلا تجارب, فإن ذهبت تجربة أتت أخري وهكذا الحياة.
ويقول:كثير منا يتمني الهرب من التجربة وإذبها تحل أشد وأقسي. والحقيقة أنه لكي نغلب في معركة التجارب يجب ألا نسعي للهرب بل نتحلي بالصبر والتواضع وطلب معونة القدير.
وبوجه عام كثيرا ما نجهل مقدار قوتنا والتجربة تظهر ما نحن عليه بالفعل. وإذا حلت التجربة لا بد من التيقظ من البداية عملا بالمثل القائل قاوم الداء في أوله, لئلا يزمن بتأخر الدواء.
وفي سرد أنماط الناس ودرجات احتمالهم يقولهناك من يجربون برفق علي حسب الحكمة والعدل في ترتيب الله, الذي يعلم أحوال البشر واستحقاقاتهم, فعندما تقع في تجربة لا تيأس بل تضرع إلي الله بحرارة أكبر ليرتضي ويساعدك في الضيقة, وهو الذي يجعل مع التجربة مخرجا, لنستطيع الاحتمال.
ولنعلم أنه في التجارب والمضايق يختبر الله الإنسان, وفيها تتضح فضائله بجلاء أوفر.
ويسترسل فضيلة التواضع هي رأس الفضائل, ومن المؤسف أن تتقلص الوداعة من الصدور في هذا العصر المتكبر, وقلما تجد لها ظلا في صدور النشء الطالع المدعي المعرفة وليس له منها إلا الدعوي, فتراه هازئا بالقيم, متهكما بالدين, ساخرا بالعقائد زاعما أنها صلحت لعصر المحراث ومركبة الخيل, وتخلفت عن موكب الحضارة في عصر المذياع والطائرة.
ويرثي..وإنها لنظرة ضالة نصيبها من الصحة نصيب زعم القائل:كان المثلث مؤلفا من ثلاثة أضلاع في العهد الماضي أما اليوم فلا!.
وفي لغة بديعة يقول ما أحوجنا أن نتصف بفضائل التضحية والصبر علي المكاره والتمرس بالألم في هذا العصر الذي طغي فيه حب الذات, وأخذه الترف فأصيبت العزائمبسل روحي نزع الرجولة من صدور الرجال, والأنوثة من أفئدة النساء.
فكأنهم وكأنهن آلات جملة آلات المدنية الزائفة التي كان لها القسط الأوفر في خنق الهمم وقتل المروءات وشيوع الإلحاد حتي اعتبر ضربا من ضروب الرقي!.
الكتاب زاخر بوجبات دسمة نافعة للغالبين وإلي قراءة جديدة.