يصور البعض قيامة الرب يسوع من الموت بأنها معجزة أكثر من الخيال أو فوق حد التصور, ومما لا شك فيه أن تجسد وحياة وتعاليم وموت وقيامة وصعود المسيح هي بالفعل آية الآيات ومعجزة المعجزات عبر كل الأزمان والعصور والتاريخ.
إلا أنه في ضوء كلمة الله المقدسة يمكننا القول بملء الفم بأن قيامة المسيح ليست معجزة, فالقيامة بالنسبة للمسيح أمر طبيعي للغاية, وقيامته لا تبعث فينا أية دهشة أو انبهار ولا ترسم أمامنا علامة استفهام واحدة إذ هي ضرورة ترتبط به.
فهل معجزة أن يقوم رب الحياة وواهب الحياة وسر الوجود المكتوب عنه الواهب حياة للعالميو6:33والذي أتي لتكون لنا حياة وأفضل حياة يو10.
هل معجزة أن يقوم ذاك الذيكل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كانيو1:3؟… هل معجزة أن يقوم من أقام الموتي؟ أيكون القبر نهاية ذاك الذيله وحده عدم الموت1تي6:16,وهل من المنطق أن يقف الحجر الذي وضع علي باب قبره حائلا أمام قيامة صخر الدهور؟ وهل يعقل أن يمنع الحراس الشمس من الشروق؟ بكل تأكيد لا وألف لا.
ولو لم يكن المسيح قد قام, كيف نفسر معجزاته التي انفرد بها والتي برهنت وأثبتت لاهوته وسلطانه؟ لقد دخل سيدي القبر بعد الصلب وصارع الموت في عرينه وصرعه, وأبطل قوته ونزع شوكته وأزال خوفنا من الموت, وجعلنا نهتف ونرنمأين شوكتك يا موت؟.
نعم! لقد قام المسيح, بالحقيقة قام كما قال, وأضحت قيامته حجر الأساس في بناء المسيحية وجوهر الإيمان المسيحي, ومرساة الرجاء الحي, ونبع الفرح الذي لاينطق به وسر السلام الذي يفوق كل عقل.
حقا! ما أكثر الأدلة المقنعة والبراهين الواضحة علي قيامة المسيح التي تقدمها لنا كلمة الله والتاريخ والمنطق الدالة علي قيامته من الموت ظافرا منتصرا, ولكن في يقيني أن أقوي الأدلة هو برهان اختبار حياة القيامة في حياتنا اليومية, فالدارس والمتأمل المدقق لحالة التلاميذ قبل وبعد أحداث الصليب والقيامة يري التغيير الواضح وضوح الشمس في حياتهم, فلقد تغيروا إلي مائة وثمانين درجة كما يقال ونأخذ علي سبيل المثال لا الحصر, نموذج الرسول بطرس في ثلاثة مشاهد:
المشهد الأول: من الكبرياء إلي التواضع
يحكي لنا الكتاب المقدس أنه في وقت العشاء الرباني الذي رسمه لنا الرب يسوع تحدث مع تلاميذه عن الصليب قائلا لهم:كلكم تشكون في هذه الليلة, فأجاب بطرس وقال له:وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدامت26:31-33.
المتأمل المدقق فيما قاله بطرس يجد فيه نغمة من التعالي والكبرياء والذات والأنا إذ يقول: إن شك فيك الجميع فأنا لا أشك.
ياه! لماذا يا بطرس تتحدث عن الجميع وكأنك أفضل وأشجع وأكثر غيرة منهم, كن في حالك وامتحن نفسك. ولا تعقد مقارنة بينك وبين التلاميذ بهذا الأسلوب الأناني البغيض,إلا أن رد الرب يسوع كان كافيا إذ قال له: الحق أقول لك: إنك في هذه الليلة قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مراتمت26:34.
وتعلم بطرس الدرس واستوعب ما قاله الرب يسوع فيمت11:-29تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب, فتجدوا راحة لنفوسكم.
ولذا نراه يكتب في رسالته1بط5:6,5وتسربلوا بالتواضع,لأن: الله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه.
ويحكي لنا تاريخ الكنيسة أن بطرس مات مصلوبا وساعة صلبه يقول التقليد أنه قال: إنه شرف لا استحقه أن أموت مصلوبا مثل سيدي, ولكن أرجو أن أصلب وقدماي إلي أعلي ورأسي إلي أسفل لأني أقل من أن أكون كسيدي.
المشهد الثاني: من العنف إلي اللطف
ترسم ريشة الوحي المقدس مشهد القبض علي يسوع فييو18:11,10 عبد رئيس الكهنة الذي يدعي ملخس تعامل مع يسوع بشراسة وعنف, الأمر الذي استفز بطرس وجعله يتهور ويستل سيفه ويقطع أذنه.
لكن الرب يسوع عنقه وبلهجة حاسمة ونفمة حازمة غاضبة قال له:بطرس رد سيفك وكأنه أراد أن يقول له:هل نسيت يا بطرس ما علمتكم إياه في الموعظة علي الجبل ألم أقل لكم: لا تقاوموا الشر بل من لطمك علي خدك الأيمن فحول له الآخر أيضامت5:39 فإذا قابلنا العنف بالعنف فمتي ينتهي العنف؟.
إن الانتقام سمة الضعفاء أما الغفران فهو شيمة الأقوياء لكن بعد القيامة نري في الوجه المقابل صورة مغايرة ومختلفة تماما فمكتوب فيأع3:1-8وصعد بطرس ويوحنا معا إلي الهيكل وكان رجل أعرج من بطن أمه يحمل, كانوا يضعونه كل يوم عند باب الهيكلليسأل صدقة من الذين يدخلون الهيكل وعندما طلب من بطرس ويوحنا, فقال له بطرس:ليس لي فضة ولا ذهب ولكن الذي لي فإياه أعطيك: باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش! وأمسكه بيده اليمني وأقامه ففي الحال تشددت رجلاه وكعباه فوثب ووقف وصار يمشي ودخل معهما إلي الهيكل وهو يمشي ويطفر ويسبح الله.
في الصورة الأولي بطرس ينتقم ويؤذي عبد رئيس الكهنة, وفي الصورة الثانية بطرس يستخدمه الله في شفاء الرجل الأعرج الذي كان عند باب الهيكل هذه هي فاعلية القيامة في حياة بطرس وهو أقوي البراهين.
المشهد الثالث: من الإنكار إلي حياة الشهادة والثمار
رصدت عدسة الوحي المقدس بطرس وهو ينكر السيد فمكتوب فيمت26:69-75فجاءت إليه جارية قائلة:وأنت كنت مع يسوع الجليلي! فأنكر قدام الجميع قائلا: لست أدري ما تقولين! ثم إذ خرج إلي الدهليز رأته أخري فقالت للذين هناك: وهذا كان مع يسوع الناصري! فأنكر أيضا بقسم: إني لست أعرف الرجل!, وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس: حقا أنت أيضا منهم,فأن لغتك تظهرك! فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف:إني لا أعرف الرجل!.
ولكن في الوجه المقابل نري بعد القيامة لاسيما بعد حلول الروح القدس نري بطرس يقف في يوم الخمسين ووسط الجماهير الغفيرة ويعظ ويقول عن الرب يسوع:هذا أخذتموه وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه. الذي أقامه الله ناقضا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منهأع2:22-24.
وبعد هذه العظة النارية يقول الكتاب: فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفسسأع2:41.
نعم! ما أكثر براهين القيامة فلقد ظهر المسيح بعد قيامته لكثيرين والقبر الفارغ وتجديد الطرسوسي وميلاد الكنيسة, وتقديس الأحد كيوم للعبادة خير دليل, وغير ذلك من براهين كتابية وتاريخية ومنطقية ولكن سيظل أقوي برهان هو برهان اختبار القيامة في الحياة اليومية الذي أحدث تغيرا في حياة الكثيرين.. فهلا اختبرت قيامة المسيح في حياتك..هل ؟
عبرة في عبارة: من ليس لديه الاستعداد أن يموت لأجل المسيح.. ليس لديه الاستعداد أن يحيا للمسيح.