الذكاء اللغوي في حقيقته هو القدرة علي التفكير بالكلمات والاستخدام السليم لها
في كتاب تشكيلات العقل (Frames of mind) أو إطار العقول, الذي وضعه الدكتور هاورد جاردنر وصدر سنة 1993, يشرح الدكتور جاردنر أن كل عقل إنساني يمتلك عددا من الذكاءات بدرجات متفاوتة, كبيرة أو صغيرة, لكن كل شخص يولد ولديه نوع متفرد من الذكاء يتفوق فيه, يستخدمه مع القدر الذي لديه من الأنواع الأخري من الذكاء, ليكتسب الخبرة والمعرفة.
وقد حدد الدكتور جاردنر ثمانية أنواع من الذكاء, هي: الذكاء اللغوي المتعلق بالكلمات والجمل- الذكاء المنطقي الحسابي المتعلق بالأرقام والرياضيات- الذكاء البصري- الذكاء السمعي الموسيقي- الذكاء الحركي الجسدي- الذكاء الاجتماعي- ذكاء الوعي بالنفس والقدرة علي التعبير عنها- الذكاء البيئي.
هناك ثلاثة عناصر تميز أصحاب الذكاء اللغوي, هي:
(أ) الحساسية للألفاظ, بمعني إدراك معني الكلمات, والفروق الدقيقة بين معني لفظ وآخر.
(ب) الحساسية لتركيب الجملة وإيقاع الكلمات فيها, بمعني ترتيب الكلمات في الجملة, والإحساس بالوزن الإيقاعي للجملة, ثم تناغم إيقاع الكلمات فيما بينها.
(ج) الحساسية للاستخدامات المختلفة للغة, وهذا يتضمن إنتاج نص شيق, مقنع, قادر علي التوصيل وعلي توليد الأفكار والصور في ذهن المتلقي.
فالذكاء اللغوي في حقيقته هو القدرة علي التفكير بالكلمات والاستخدام السليم لها, أي استخدام الكلمة في موقعها الصحيح سواء في الحديث أو الكتابة.
وعناصر الذكاء اللغوي تبدأ في التكون والنمو منذ اللحظة التي تنشط فيها حاسة السمع لدي الجنين وهو في رحم أمه, ثم تستمر في النمو علي مدي سنوات عمر الإنسان.
والأشخاص الذين يتمتعون بالقدرات اللغوية العالية, نجدهم يقبلون علي القراءة, والكتابة, وقص القصص, وإلقاء الفكاهات, وممارسة الألعاب اللغوية مثل الكلمات المتقاطعة, وهم يستمتعون بالاستماع للحكايات, وبالإصغاء للآخرين وهم يتحدثون. ونجد لدي أصحاب الذكاء اللغوي حصيلة لغوية غنية, وذاكرة جيدة تحتفظ بالأسماء والأماكن والتواريخ والأحداث, كما يتمتعون بقدرة عالية علي تهجي الكلمات بدقة, والتحاور مع الآخرين بطلاقة, كما يظهرون قابلية عالية لتعلم اللغات الأخري.
ويمكن اكتشاف أصحاب الذكاء اللغوي من خلال الأنشطة التي تنمي القدرات اللغوية, مثل: التحدث, والاستماع, والتركيز, والاستيعاب, والقراءة, وكتابة موضوعات التعبير, وبوجه عام القدرة المتفوقة في استخدام اللغة مهما كانت المادة التي يتم تدريسها.
وعندما نتيح للأطفال أن يكتبوا القصص أو القصائد, فإنه يمكن بسهولة أن نكتشف أصحاب الموهبة الأدبية, وعندما نتيح للأطفال فرص الحوار والحديث, وتشجيعهم علي التعبير عما يسمعون بأسلوبهم الخاص وبألفاظهم التي سبق أن اكتسبوها, فإن هذا يساعدنا علي اكتشاف أصحاب المواهب الأدبية, مثلا: عند إعادة قص القصص التي يستمعون إليها, وفي المناظرات, وعند القراءة الجهرية أو الصامتة, وعندما يقومون بعرض ما يستخلصونه من أية مادة دراسية.
ولابد من تشجيع الأطفال علي استخدام وسائل قص القصة: مثل: الدمي, واللوحة الوبرية, وشرائح الصور الثابتة (البروجكتور- الفانوس السحري), كما يجب تشجيعهم علي حسن اختيار أفلام الفيديو المأخوذة عن أعمال أدبية, وبرامج ألعاب الكلمات التي تسهم في الإثراء اللغوي, كذلك لابد أن يقوم البيت والمدرسة باصطحاب الأطفال إلي مكتبات المطالعة ومكتبات ومعارض بيع الكتب, إن تنمية عادات: القراءة, والكتابة, والاستماع, والتحدث, هي المفاتيح الأساسية لتنمية القدرات اللغوية والموهبة الأدبية.
لكن لابد أن نلاحظ أن الذكاء اللغوي, إذا كان عنصرا أساسيا لدي أصحاب المواهب الأدبية في مجالات كتابة القصة أو الرواية أو الشعر أو المسرح, فإنه ليس من الضروري أن يكون صاحب الذكاء اللغوي مبدعا في المجال الأدبي, لكنه قد يصبح مذيعا أو صحفيا أو خطيبا في أحد المجالات السياسية والاجتماعية.