لغز يلوح في الأفق البعيد والقريب لنا
جميعا في محطات متعددة ومراحل عمرية مختلفة فيرحلة حياتنا الأرضية… نجد أنفسنا وجها لوجه مع هذا السؤال الجوهري لماذا الألم؟
الأخطر من مجرد كونه سؤال مشروع ومنطقي ولا غبار عليه أن إجابته السطحية الخاطئة قد تؤدي بمحدودي الإدراك إلي عواقب وخيمة معقدة وربما الهلاك وهنا مكمن الخطر.
لماذا الألم؟ ولم يسمح به الله من الأصل؟
أليس الله هو اخالق وضابط الكون؟ أليست عدد أنفاس الإنسان بأمره وأقدره بقبضه يده؟
أليس هو ذلك الإله الرحيم الرؤوف المتحنن الذي قيل عنه في الكتاب المقدس نقشتكم علي كفي من يمسكم يمس حدقة عيني وقيل عنه في القرآن الكريم
فأنك أعيننا إذن كيف يكون هذا الله بهذه القسوة وكعادة الشيطان التي لا تفوته فائتة فيدخل ليصيد حطب جحيمه من المياه العكرة ويندلف من هذا السؤال ليجعل من إجابته ذريعة ومنفذ للتشكيك في وجود إله من أساسه وضرب الإنسان في مقتل وما أحوج الإنسان الضعيف أن يتحرر من قبضة الضمير التي تنهيه عن الخطايا فيسقط صريع الإلحاد بسرعة البرق رافضا الخضوع لذلك الإله السادي القاسي الذي يتلذذ بإيلام البشر ويقف مكتوف الأيدي يتمتع بتعذيبهم كما أوهمه الشيطان ليلتقته في الحضانه ويفنيه ذاتيا وبسرعة البرق بمعرفته.
إذن… كيف السبيل إلي فهم تلك المعضلة.
كيف يكون الله أحن من الأم علي رضيعها ويسمح بذلك الألم في حياتنا من حين لآخر قبل أن نجاوب علي هذا السؤال دعونا نعرف معني مبسط للألم الألم هو شعور بعدم السعادة والمعاناة وقد يكون ماديا كالمرض أو معنويا كفقدان شيء أو شخص وفي كل الأحوال هو شعور سيء يقتاد الإنسان إلي التفكير في كيفية استطاعة إله رحيم أن يترك إنسانا ضعيفا يتألم وبوسعه في لحظة أن يمنع ذلك الألم.
من أخطر الأمور التي تحدث في حياة الإنسان أن يأخذ كل شق فيها علي حدة ويجتزئ كل مشهد من مشاهد مراحل حياته من اللوحة الكاملة النهائية لها فلو أن يوسف كان قد أجتزأ مشهد قسوة وظلم إلقاء إخوانه له في البئر وبيعه إلي فرعون مصر لربما كان قد كفر أو أنتحر لكنه كان يثق وبرغم الثقة التي لم يري لها مردودا مبشرا بالخير لسنوات طوال بل جاء المردود أسوأ مما مضي وهو القائه بالسجن.
أعتقد.. بل لا أكاد أشك لحظة أن مهما كانت قوة ايمان أي شخص ويتعرض لهذا الكم من الألم والظلم مقابل حبه وأمانته لله لترك إيمانه بالكامل وقذف بنفسه في أحضان كل أنواع الخطايا كنوع من رد الفعل علي ما قد وصل إليه من كوارث وألم جراء أمانته ونقائه وصفائه لكنه كان يثق.
وحينما أكتملت اللوحة وأزيح الستار عن المشهد النهائي لهذا السلسال القاسي من الألم أدرك يوسف أن ثقته كانت في محلها سجد له الذين رموه ف البئر صار عزيز مصر وجلس علي عرشها كان سبب بركة وأطعم البلدان كلها في أكثر سنوات القحط يوسف فعل أمرين لا ثالث لهما نفذ الوصية وكان واثقا أكم من المرات وأنت تشاهد مراحل رسم لوحة ينتابك التعجب وربما القنوط والضيق بل والشعور بقبحها وغبائها وربما الملل من النظر إلي أن تأتي لحظة الكمال والاكتمال فتجد لوحة بارعة الجمال صادمة السحر ربما قدرت بملايين اليوروهات أو الدولارات.
هذا هي حياتنا.. مراحل متسلسلة لا ينبغي اجتزاء حلقة واحدة منها والنظر اليها عن كثب لا ينبغي فعل ذلك مطلقا وإلا صرنا كمن مصي تاركا لوحة بديعة الجمال باهظة الثمن لأنه نظر إلي مراحل تكوينها المبتسرة ورفض الثقة التي تبقيه منتظرا ومضي تاركا كنز مدفون داخل تلك العبثية الظاهرية.
في حوار راق مع إحدي المتشككين سألني بوداعة لماذا يترك الله هذا الرجل يمرض هكذا يتألم يصرخ؟
لماذا يسمح الله بموت عدد من البشر في حادث أو تحت انقاض؟
لماذا تنفجر طيارة وتتحول الأجساد إلي أشلاء وتنهشها الحيتان والقروش في المحيط؟
لا أحد يستحق أن يموت هكذا لا أحد مهما فعل: أجبته وماذا حدث لكل من ذكرتهم أجب في كلمة واحدة.
رد قائلا: ماتوا
بادرته: وهل الموت عقاب؟
قال: طريقة الموت عقاب
قلت: ومن أدراك كم هون الله عليهم تلك اللحظات وربما لم يشعروا بها اصلا وأكم من أشخاص يعيشون سنوات كثيرة ضعفاء متألمين يطلبون الموت للتحرر من ضعف الجسد ومرضه ووهنه وشيخوخته وعجزه.
الله يدري جيدا ماذا يفعل وإن اعتبرنا الموت هو أنتقال من نطاق إدراك إلي نطاق إدراك آخر وطبيعة أخري بمعطيات أخري لتأكدنا أن الموت ليس شرا أو عقابا سوي لمن لا يستعد له نحن نكره ونخاف الموت لأننا لسنا مستعدين والأخطر إننا لسنا مستعدون أن نستعد لأن الاستعداد في حد ذاته مكلف جدا الاستعداد يتطلب كسر قيود الفولاذية للاستعباد للشهوات الخاطئة والعادات المرذولة ومراقبة النفس والتصرفات جيدا مع الذات ومع الغير لذا نجنح للأسهل للأكثر راحة للتشكيك في وجود الله أو نعته بالسادية ولم نكلف أنفسنا ولو لحظة في التفكير أن أبسط رتبة أو شهادة أرضية تتطلب الكثير من المجهود والتعب والسهر والكفاح والألم والنضال.
فكم بالحري شهادة من الخالق بأستحقاق معيته والمكوث بجواره في فردوس النعيم بعد انتهاء موعد الاختبار وهو فترة وجودنا علي الأرض.
هل يعقل أن تؤخذ مثل هذه الهادة الإلهية بالشفاعة أو العطف أو أن يكون الله إلها مثلا مفسدا يسمح بالخطأ ويتساهل والجميع ناجح بدرجة إمتياز ويستوي الذين يعملون بالذين لا يعملون أين العدل هنا وما قيمة الحرية التي منحها لنا ولم يجبرنا علي السير في طريق محدد بل وضع أمامنا النور والظلام وترك لنا حربة الاختيار.
في ورقة امتحانك الأرضي تجد السؤال وعليك اختيار الإجابة أو نشائها من العدم ثم تقيم علي ذلك وتثاب أو تعاقب لماذا تستكثر ذلك علي الله؟
حقيقة هو ليس استكثار هو عبودية وذل للضعف الذاتي وقيود إبليس من إدراك أن المريض قانط أو رافض لتجربته ربما كان أسعد من جميع الأصحاء حوله ولديه سلام وسكينة يفقدها كل من يعرفه ويشعر بيد الله تسنده حتي في عز ألمه وربما هو مدين لمرضه وألمه بأنه أقترب وذاق روعة معية الله وتطهر وتحول إلي إنسان بمعني الكلمة يرحم من حوله ويساعدهم مثله مثل البركان الخامل الذي ما أن أقترب منه المرض حتي انفجر ف أخرج كل ما به من كنوز وعطايا ثمار ومواهب.
لا شيء يأتي من الله سييء… مستحيل
حتي للشرير طالما لازال علي قيد الحياة
حتي لو أنزل به العقاب الأرضي الشديد فهو يطلب منه أن يرجع ويتطهر ويتوب لأنه لم يرجع ويتوب حينما كان متمتعا بكل معطيات القوة والسعادة من وجهة نظره هو يريده حتي النفس الأخير.
منحه الرخاء فبطش وزاغ وأعوج وفسد فأنزل عليه العقاب ليفيق قبل فوات الآوان لأنه يريده لأنه آله حنون لا يشاء موت الخاطيء مثلما يرجع ويحيا وبالطبع هنا المقصود موت الروح وهلاكها في الجحيم وليس موت الجسد.
الشر الوحيد يا احبائي في الحياة هو أن تقبض روح وهي غير مستعدة… وهذا الشر لا يحدث إلا بيدنا وارادتنا وحريتنا نحن, أما المرض والألم والموت والتجارب والظلم وكل تلك الأمور فهي للخير طالما الإنسان أمين مع الله وحتي لو كانت عقاب فهي كذلك للخير.
وينبغي أن يستجيب لها العاصي أو الشرير ويقول تأديبا أدبني الرب وإلي الموت لم يسلمني… قبل فوات الآوان إذا كان علي يقين أنه عقاب عما أقترفه الإنسان وقت عافيته تلك الأمور إنما هي كنوز مدفونة لتتوج أصحابها ملوكا في كورة الأحياة وفردوس النعيم فمن له أذنان للسمع فليسمع ويدرك ويستثمر هذا الكنز المدفون.
ما أحوج الإنسان الضعيف أن يتحرر من قبضة الضمير التي تنهيه عنالخطايا فيسقط صريع الإلحاد بسرعة البرق رافضا الخضوع