ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر
كل ما يوجد علي وجه الأرض يمكن أن يكون له جانبه الخير وجانبه الشرير, وإساءة الشيء يمكن أن يحوله من خير إلي شر..
تأملنا في العددين السابقين:
* لماذا يسمح الله بالشر؟
* أسباب الاندفاع للشر
ونتأمل هذا العدد في
نتائج الاندفاع للشر
وهنا نسأل لماذا توجد وصية لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر؟ الإجابة: لأن نتائج صنع الشر أو تبادل الشر هي نتائج مدمرة
1- الحرمان من التناول
لا يحق للذي يفعل شرا أن يتناول دون توبة واعتراف, فالكتاب يقول: فإن قدمت قربانك إلي المذبح, وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك, فاترك هناك قربانك قدام المذبح, واذهب أولا اصطلح مع أخيك, وحينئذ تعال وقدم قربانك (مت5:23-24).
2- الحرمان من الملكوت
يعلمنا الكتاب كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس, وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه (1يو3:15), فقد يفعل الإنسان الشر ولكن تحت مسمي آخر جميل, فهو بذلك يضحك علي نفسه, وهناك قصة لطيفة عن برطمان يوجد به سكر, ومكتوبا عليه كلمة سكر فعندما تجمع النمل عليه, قامت ربة البيت بكتابة كلمةملح عليه, وكأن النمل عندما يأتي سيقرأ كلمة الملح فيترك البرطمان ويمضي!!
وهكذا الحرمان من الملكوت, فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يرفع عينيه نحو السماء, وهو يرفعهما, لأنه يعلم أن له نصيبا في السماء, والمسيح قد وعدنا بهذا الوعد القوي, والواضح جدا عندما قال: أنا أمضي لأعد لكم مكانا (يو14:2).
فاسأل نفسك, هل تجتهد أن تحافظ علي مكانك؟ هل تشتاق للحفاظ علي مكانك في الأبدية؟ فإن تذكرت ساعة الغضب أو ساعة الشر مكانك في السماء, ستجد نفسك أنك لا تستطيع أن تجازي عن شر بشر.
3- الاضطراب والقلق
الإنسان الذي يصنع شرا لا يجد راحة أبدا ويفقد سلامه الداخلي والمحبة والفرح, لأنه يكون متوترا, وعندما نقرأ عن الجريمة نقرأ أن صانع الجريمة يحوم حول مكان جريمته, وذلك بسبب حالة الاضطراب والقلق التي أصابته والتي تصل أحيانا إلي حد المرض النفسي.
فالشر نتيجته تنعكس علي الإنسان الذي يصنعه, أما الإنسان الذي يصنع خيرا فإنه يجد راحة.
إن الكتاب يعلمنا قائلا: تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم (مت11:28), فالمقصود بالمتعبين هنا هم من يتعرضون للشرور, فإن صنع إنسان بك شرا اتجه إلي مسيحك وصلي من أجل هذا الإنسان الذي أساء إليك وصنع بك شرا.
أما إن صنعت أنت الشر وأردت أن تأخذ حقك بذراعك وعضلاتك, فستعيش في قلق واضطراب وعدم راحة, وسيغيب عنك السلام والسكينة تماما, فلا تندفع نحو الشر, وتعلم من السيد المسيح الذي هو مثال لنا في المغفرة, فعندما كان معلقا علي عود الصليب, ومن حوله يصنعون به شرا, وليس شرا واحدا بل شرورا كثيرة, قال: يا أبتاه اغفر لهم, لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون (لو23:34), عندما ظهر بنوره العجيب لشاول الطرسوسي وهو في طريقة إلي دمشق, سأله شاول هذا السؤال الساذج جدا قائلا: من أنت يا سيد؟ (أع9:5).
فأجابه يسوع: فقال الرب أنا يسوع الذي أنت تضطهده (أع9:5). ويمكننا أن نتخيل شاول وهو يخرج من جيبه الورقة التي بها أسماء الأشخاص الذين سيتم القبض عليهم, ويراجع هذه الأسماء فلا يجد بها اسم يسوع!, فيقول ليسوع: يا سيد اسمك ليس عندي.
وهنا سيقول له الرب: إني يسوع الساكن في كل الذين تضطهدهم.
علاج الاندفاع للشر:
1- التمثل بالسيد المسيح في المغفرة
اذكر السيد المسيح والآلام التي احتملها من أعدائه دون أن يرد أو يهدد أو يغضب, قيل عنه: ظلم ولم يفتح فاه (إش53:7), وغفر لصالبيه قائلا: يا أبتاه اغفر لهم, لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون (لو23:34).
جرب أن تقف بشجاعة أمام نفسك وتحل المشكلة بكلمة طيبة, كما علمنا الكتاب: كم مرة يخطئ إلي أخي وأنا أغفر له؟ هل إلي سبع مرات؟ قال له يسوع لا أقول لك إلي سبع مرات, بل إلي سبعين مرة سبع مرات (مت18:21-22).
2- بالعتاب
حتي لا تندفع إلي الشر تعلم العتاب الراقي, بمعني العتاب الذي يقال في صورة المحبة أي العتاب المبني علي أرضية المحبة.
فمن يعاتب لابد أن يختار كلماته بعناية فائقة, لأنه قد تفسد كلمة واحدة علاقة كبيرة, فاجعل دائما عتابك هادئا, وهذا ما صنعه السيد المسيح حتي مع الكتبة والفريسيين الذين كانوا يقاومونه كثيرا.
وإن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما, إن سمع منك فقد ربحت أخاك, وإن لم يسمع, فخذ معك أيضا واحدا أو اثنين, لكي تقوم كل كلمة علي فم شاهدين أو ثلاثة. وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة, وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار (مت18:15-17).
إن التصالح يبدأ بالعتاب الهادئ, والتفاهم يزيل الغضب, وقد استخدمه السيد المسيح كثيرا في الرد علي أفكار الكتبة والفريسيين بالإقناع.
3- ضبط النفس
ضبط النفس وقتل الغضب يساعدنا علي عدم مقابلة الشر بالشر, فالإبطاء في الغضب يجعل الإنسان يجتاز مرحلة الانفعال, فالكلمات في حالة الغضب تخرج بلا ضابط, وكثيرا ما تكون خاطئة جدا, وتسبب مشاكل.
ضبط النفس يساعدك علي ألا تجازي عن شر بشر, وضبط النفس يسمي self control, وهو قادر علي أن يحول المشاعر السلبية التي تتكون لدي أي إنسان في مواقف الشر علي كتفي السيد المسيح, وإن استطاع الإنسان ضبط نفسه, فالأيام قد تكون كفيلة لإنهاء هذا الشر, وجميعنا نتذكر قول المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث: مصيرها تنتهي لأنه لا يوجد شر من الممكن أن يستمر إلا ما لا نهاية, فالشر مصيره إلي الانتهاء يوما ما.
مثال.. داود ونابال الكرملي
لنتذكر دائما أن إلهنا الصالح عندما يتعامل مع البشر, يتعامل معهم من خلال ثلاثة قوانين, وهي أولا أن الله محب البشر, فالله يحب جميع البشر, ثانيا أن الله هو صانع الخيرات فخيرات الله لا تنتهي لكل البشر, أما القانون الثالث والمكمل فهو أن الله ضابط الكل, ونحن نثق أن يد الله هي التي تضبط حياة البشر جميعا فهل يخطر في فكرك أن اله خلق البشر في هذا الكون العظيم, لكي يفعل كل شخص ما يريد؟
بالطبع لا فالله مازال يضبط الحياة ويضبط الزمن ويضبط التاريخ, ومازالت في يد الله كل الأحداث وكل البشر.
الخلاصة يا إخوتي لا تصنعوا شرا ولا تجازوا إنسانا عن شره بشر مثله, بل تذكروا الوصية الإلهية لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, وأيضا إن كان هذا الشر علي مستوي الكلمات غير اللائقة, فلنتبع وصية إلهنا كما علمنا الكتاب: نشتم فنبارك (1كو4:12), فجازي الشر دائما بأن تعطي البركة للآخرين.