لآلئ للحياة من رسائل بولس الرسول
ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر
الشر هو عدم وجود الخير, تماما كما نقول إنه لا يوجد كيان وجودي للظلام, ولكن غياب النور يمكن أن نسميه ظلاما, كما أن غياب الحياة نسميه موتا أو غياب الخير نسميه الشر..
لماذا يسمح الله بالشر؟
إساءة استخدام الشيء تحوله إلي شر, فالله لا يريد الشر, ولكنه قد يسمح به كثيرا, وهنا نسأل لماذا يسمح الله بالشر أو الانحراف عن الخير, فلأن الله أعطي الإنسان حرية ليتصرف, وهناك الثواب والعقاب.
نجد في الدنيا ظلما وفسادا وإلحادا وإباحية وكل أنواع الشرور التي تحدث في العالم ويتحدث عنها العالم.. هذه كلها لا يريدها الله.
الله لا يريد الشر ولكنه يسمح به, لأنه أعطي الإنسان حرية ومسئولية, وأمام هذه المسئولية الثواب والعقاب, فالإنسان يصنع مصيره.
فالله عندما خلق الإنسان خلقه كائنا حرا, حرا في حياته واختياراته, فمثلا أنت الذي تختار الذهاب إلي مكان بعينه وتختار مشوار حياتك, واختياراتك في كل يوم كثيرة ولا تتوقف, فقد تختار دراستك.. وملابسك.. وكلامك.. وقراراتك, وبالتالي الإنسان هو المسئول الوحيد عن كل هذه الاختيارات, لأنه هو الذي اختارها بكامل حريته, لذلك أعطيت الوصايا والعقائد والنصائح والتوجيهات والمواعظ للإنسان, لا للحيوان, لأن له عقلا يميز وحرية ليتصرف.
ونحن نصلي في صلاة الشكر ونقول: فلنشكر صانع الخيرات, فالله هو صانع الخيرات.
ولكن هنا نسأل ما معني قول الكتاب: لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر؟ إن هذا يعني أنه يوجد طرفان, طرف يصنع الشر وطرف آخر لا نعرف ماذا سيفعل؟ لكن حسب الوصية المسيحية, علي الطرف الأخير ألا يجازي الشر بالشر.
درجات من مجازاة الشر بالشر
هناك من يرد علي الشر بطرق عدة:ـ
1- بعدم المواجهة, بالابتعاد عنه
مثال.. موسي النبي
في العهد القديم نقرأ عن موسي النبي, عندما أراد أن يمر هو وشعبه في أرض أدوم (أبناء عيسو) أرسل رسلا ليستأذن من ملك أدوم بأن يسمح له بالمرور دون أن يأكلوا من ثمارهم شيئا ولن يأخذوا ماء ولن يتفحصوا شيئا مما علي يمينهم أو يسارهم, فرفض ملك أدوم وقال له إذا مررتم سنقتلكم بالسيف.
فعرض موسي أن يدفع ثمن المياه التي سيستخدمها شعب بني إسرائيل, فرفض بإصرار وهدده بأن يحاربه, فكانت النتيجة أن موسي ابتعد عن الشر وأبي أدوم أن يسمح لإسرائيل بالمرور في تخومه, فتحول إسرائيل عنه (عد20:21), فأول طريقة لمواجهة الشر هي الابتعاد عنه وفي هذا حكمة وتعقل.
2- الرد بفكر الشر
إن الإنسان عندما يتعرض للشر يواجهه بشر, ولكن هذا الشر يكون علي مستوي الفكر, مثال لذلك شخص يتعرض لشر وإساءة من شخص آخر فيواجه هذا الشر بالغضب الداخلي بمعني قول بعض الكلمات الحادة التي تعبر عن هذا الغضب, مثل طلب الانتقام منه أو ما يعبر به عن غضبه.
ولكن كل هذا يكون علي مستوي الفكر, وبالتالي فإن هذا الإنسان يكون قد واجه الشر بفكر شر فقط, بمعني أنه قد تعكرت نفسه وشعر بالضيق, وهناك مثال آخر أن شخصا يوجه إلي آخر بعض الشتائم مثلا, فيكون رد فعله أنه يرد علي هذه الشتائم بمثلها, ولكن في قلبه فقط وليس بلسانه.
3- الرد بفعل مماثل
إنه يواجه الشر بشر مثله بالضبط بمعني أنه إن تم توجيه شتائم إليه يرد عليها بشتائم مثلها بالضبط وإن وجه أحد إليه إهانة يرد عليه بإهانة مثلها وهكذا.. ولكن كل هذا ليس حسب الوصية المسيحية.
4- الرد بفعل الشر
فهو من يواجه الشر بالفعل, مثل اثنين يصل الخلاف في الحوار بينهما إلي حد أن يقوم أحدهما أثناء النزاع علي الآخر ويقتله, وهنا شر الكلام تحول إلي شر أفعال ووصل إلي مرحلة الإيذاء.
وقد يقوم الإنسان بشر معين, فيقوم الآخر بشر أصعب منه, لكن المسيحية تعلمنا قائلة: انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر (1تس5:15).
5- الرد علي الشر بشر أكبر:
مثال.. ما فعله أولاد يعقوب مع رجال شكيم
لقد اندفع شكيم واغتصب دينا ابنة يعقوب, فكان الانتقام برد أكبر, أن أولاد يعقوب قتلوا كل رجال شكيم وسبوا غنائمهم ونساءهم, انتقاما لما فعله شكيم مع دينة أختهم (تك34).
6- أسوأ أنواع الشرور من يجازي عن الخير شرا:
غالبا يكون بسبب الغيرة.
مثال.. فعل شاول مع داود
بعد أن كان شاول يخطط في نفسه سرا للتخلص من داود لم يستطع أن يكتم الأمر في نفسه وخاصة بعد نجاحات داود المتتالية, ولهذا أعلن لابنه يوناثان ولرؤساء جيشه المقربين منه برغبته في أن يقتل داود, رغم أن داود صنع معه خيرا وأنقذه كثيرا من الفلسطينيين (1صم19:1).
7- نشتم فنبارك
المسيحية توصي بمقابلة الشر بالخير لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير (رو12:21), كما تعلمنا قائلة: انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر (1تس5:15).
وهذه هي وصية السيد المسيح, ولكل إنسان حرية الاختيار في قبول تنفيذها أو عدم قبولها, والأكثر من هذا أننا نسمع وصية مكونة من كلمتين, والكلمتان عكس بعضهما البعض وهي مثل نشتم فنبارك (1كو4:12), وهذان الكلمتان مثل اللونين الأبيض والأسود, فقد ترد علي من يشتمك بشتيمة مثلها, ولكن الأجمل أن ترد عليه بعبارة جميلة مثل: الله يباركك وهذا هو سمو المسيحية, وبالطبع هذا الرد يحتاج إلي نفس قوية, ولكن هذه هي وصية الكتاب المقدس من يريد أن يقبلها فليقبلها, ومن لا يريد فهذه حريته الشخصية, وهذه هي مسيحتنا.
مثال.. يوسف الصديق وإخوته
إن رجعنا إلي قصة يوسف الصديق, وما صنعه إخوته معه نجد أنهم فعلوا معه الكثير, فقد باعوه عبدا, ثم وضع في السجن.. إلخ, كما ورد في (تك39:50) ولكنه لم يصدر أبدا منه شر!!
حتي إنه عندما تقابل مع إخوته وكانوا تحت يديه وكان بإمكانه أن ينتقم منهم, إلا أنه لم يصنع هذا أبدا!! بل علي العكس أكرمهم أكثر وأكثر, احتضنهم إعلانا عن صفحه وغفرانه لكل ما فعلو, وطلب منهم أن يسرع أبوه بالحضور هو وكل الأسرة ليسكنهم أرض جاسان ويعطيهم طعاما ويهتم بكل شئونهم (تك45). وهذا هو سمو المسيحية التي نعيش فيها.
المثال الأعظم.. هو السيد المسيح
الذي قال: أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل (يو10:10) إلا أنهم رفضوه وصلبوه, فقد قال عن نفسه: إنهم أبغضوني بلا سبب (يو15:25).
ويقول القديس الأنبا بيمن: الشر لا يغلب الشر, ولكن إن أساء أحد إليك, فأحسن أنت إليه فإنك بإحسانك إليه تستأصل الشر, لأنه ينبغي ألا نكافئ شرا بشر, فالشر كالنار, والنار لا تواجه بالنار, فالنار دائما تواجه بالماء لكي ما تنطفئ.