لآلئ للحياة من رسائل بولس الرسول
ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
تأنوا علي الجميع
علي المستوي الإنساني, يتعلم الإنسان منا التأني في نمو الجنين, فمن المعروف أن الجنين يستغرق حوالي تسعة شهور حتي يكتمل ويخرج للحياة, والله العظيم القادر والخالق كان يمكنه أن يجعل هذه المدة تسعة أيام فقط..
لكنه في خلال هذه الفترة يتكون عند الأب والأم مشاعر الأمومة والأبوة, ليس هم فقط بل جميع أفراد العائلة.
تأملنا في العدد السابق
مجالات التأني وطول الأناة
أولا: في مجال الحياة الروحية
ثانيا: في مجال الحياة الجسدية
ثالثا: في مجال الحياة الأسرية
وهذا العدد نتأمل في
رابعا: في مجال الحياة الاجتماعية
في الصداقة والعلاقات الإنسانية دائما ما نتعرض لبعض المواقف التي تضايقنا, سواء كان ذلك من صديق أو زميل أو جار أو… إلخ, وللحفاظ علي هذه العلاقات يحتاج الأمر منا إلي طول الأناة.
فالبشر لهم نوعان من العلاقات: أولا علاقة إنسانية غير رسمية تسمي الصداقة, ثانيا علاقة إنسانية رسمية تسمي الزواج, فالزواج والصداقة في محيط الحياة الاجتماعية يحتاجان إلي طول الأناة, لكي ما نستطيع أن نكسب الرفيق الذي معنا, وهناك عبارة لطيفة تقول: الصداقة تحمي كل علاقة, بمعني أنها تحمي علاقة زوجين إن كانوا أصدقاء, وعلاقة أخين إن كانوا أصدقاء أيضا, فالحياة الاجتماعية تحتاج إلي المحبة التي تتأني وترفق المحبة تتأني وترفق (1كو13:4), وتحتاج أيضا إلي طول الأناة.
لا تقطع علاقة بصديق لمجرد موقف أو خلاف عابر, بل يجب عليك أن تتخطي هذا الأمر وتعالجه, لأن الصداقة هي قمة العلاقات الإنسانية غير الرسمية, وهكذا في محيط العائلة والزمالة يجب أن يكون لنا طول الأناة ونتخطي بعض المواقف ونعالجها.
فاطلب من الله في صلاتك أن يعطيك طول الأناة وسعة الصدر, والصبر المناسب الذي تستطيع به أن تتعامل مع الآخرين.
خامسا: في محيط الحياة الكنسية
في الحياة الكنسية سواء في الخدمة أو في الكنيسة كمجتمع, من المهم جدا أن نتحلي بطول الأناة, سواء مع من نخدمهم أو من نخدم معهم وأن يكون لنا الثقة التامة أن الله يستطيع أن يغير ويعدل في النفوس, فهذا شيء مهم جدا في علاقات الإنسان داخل الكنيسة.
واحذر أن تصف إنسانا بأنه سيء طوال الوقت, وثق أنك إن رفعت صلاة من أجله وأطلت أناتك في تعاملك معه, فستأتي بثمر وفير, وقد يغير الله قلبه ويعدل من حياته من أجل صلاتك عنه.
وبصورة عامة, مطلوب طول الأناة في المجال الكنسي سواء في الخدمة أو مع من نخدم معهم أو مع من نحاول تغيير نفوسهم أو مع ضعفات الآخرين التي لا نراها.. إلخ.
إن طول الأناة مطلوبة من الأب الأسقف ومن الكاهن ومن الخادم ومن أمين الخدمة ومع كل من يعمل في حقل الخدمة, فأحد عوامل النجاح هي الإدارة بطول أناة, وهذا يأتي بثمر كثير جدا.
كيف نقتني طول الأناة؟
1- بأمثلة من الكتاب المقدس
يقول لنا القديس يعقوب الرسول في رسالته:
خذوا يا إخوتي مثالا لاحتمال المشقات والأناة: الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب (يع5:10).
مثال.. موسي النبي
بطول أناة صبر موسي علي مضايقات الشعب علي مدي 40 سنة في البرية, بل أيضا من إخوته, فقد تقولت عليه أخته مريم مع هارون أخيها, بسبب زواجه من امرأة كوشية (كوش ابن حام), وقد كانت زوجة ثانية بعد صفورة زوجته الأولي, وكان سبب الإدانة أنها من جنس غريب عن الشعب, وربما لأنها سمراء اللون, وقد تكون المرأة من اللفيف الذي خرج من مصر مع الشعب.
وتعرض موسي لتذمر الشعب ومن إخوته أيضا, وانتشر بين الشعب حتي وصل لموسي نفسه.
إلا أن موسي كان حليما وهادئا أكثر من أي إنسان آخر علي وجه الأرض, فلم يغضب ولم يعاقب أحدا منهما علي ما قالاه, إلا أن الرب دافع عنه وضرب مريم بالبرص, فصرخ موسي للرب: اللهم اشفها (عد12:13), إلا أن الله أراد عقابها فتم عزلها سبعة أيام خارج المحلة إلي أن رجعت مكانها بعد شفائها ومغفرة الرب لها.
2- بالمحبة
يقول الكتاب المقدس: المحبة تتأني, ويقول مار إفرام: طول الروح هو ثمر المحبة, فلا يسرع الإنسان إلي الغضب بل يطيل أناته علي الضعفاء وصغار النفوس.
3- بالحكمة
الإنسان الذي تحركه مشاعره وعواطفه نجده سريع الاندفاع وسريع الغضب وحالا ما يفقد كثيرا من أصدقائه.
أما الشخص الحكيم فهو رابح نفوس, نجده يحكم عقله قبل مشاعره, نجده هادئا وطويل البال.
بالحكمة.. يطيل أناته علي الشاب المراهق, فله طبيعة خاصة.
بالحكمة.. يطيل أناته علي المرأة, لأنه يحكمها العاطفة أكثر من العقل.
4- بالاتضاع
يقول الأب ثيؤفان الناسك: إن الصبر هو ابن الاتضاع.
ويقل مار إفرام: تواضع القلب والطاعة يولدان طول الأناة.
الإنسان الذي يعرف قدر نفسه, وينظر لأخطائه يري نفسه أقل من الكل, ولذلك يطيل أناته ويحتمل الآخرين.
5- بضبط النفس
التدريب علي ضبط النفس, وقمع الانفعالات الرديئة يجعلك طويل الأناة.
6- بالإيمان
من كان يدري أن أوغسطينوس الفاجر يصير أوغسطينوس القديس, إنه بالإيمان أطالت أمه أناتها عليه سنوات طويلة حتي قال لها القديس أمبروسيوس: لن يهلك ابن هذه الدموع.
هذه هي اللؤلؤة الخامسة تأنوا علي الجميع في سلسلة اللآلئ التي يقدمها لنا القديس بولس الرسول, وذلك من أجل حياتنا وسلوكنا المسيحي, فاقرأ هذا الجزء باستمرار وحاول أن تتعلم منه.