ها قد قطعنا رحلة الصوم المقدس ووصلنا بنعمة الرب الى آخر يوم فيه. بدأت رحلة هذا الصوم بتقديم التوبة كشرط أول وخطوة أولى للوصول الى غايتنا العظمى وهى ملكوت الله، ومضت الرحلة صاعدة بنا عبر العديد من التجارب التى حملتنا خلالها نعمة الرب حتى قربنا من نقطة النهاية وهى نوال الاستنارة وإدراك ان ملكوت الله أصبح داخلنا.
رحلة الصوم هى رحلة الحياة بأكملها.
الهدف من الصوم المقدس هو ملكوت الله. وهو نفس الهدف الذى نرجوه فى حياتنا، الذى نبحث عنه بكل اجتهاد ونضعه دوما نصب أعيننا وداخل قلوبنا وعقولنا: بلوغ ملكوت الله.
من أجل ذلك نحاول جاهدين ان ننقى انفسنا بالتوبة—كما فى رحلة الصوم—التى تغير اتجاه حياتنا لتتجه صوب الله.
فى هذا، لن ننجو من التجارب ومحاربات الشيطان لأن الشيطان الذى ربح الانسان عندما سقط وطرد من الفردوس لن يتركنا ببساطة ننكره ونرجع ثانية إلى خالقنا ومخلصنا. علما بأن الرب يسوع نفسه وقد أخذ جسدا وأصبح انسانا صام ثم ذهب الى البرية “ليجرب من ابليس” (متى ٤: ١) أى انه لم يُجرب اعتباطا، بل هو ذهب لكى يُجَرَّب وينتصر . وبما انه اشترانا بدمه وجعلنا واحدا معه، فهو قد حملنا جميعا معه فى صومه وفى تجربته وفى نصرته على الشيطان، وبه نغلب.
رحلة الحياة تمر بالعديد من التجارب التى يتعرض لها محبو الرب. ويعدنا الرب بالنجاة والخلاص والتعويض السخى عندما نتزكى، مهما طالت التجربة ومهما بلغت قسوتها، فهى فى النهاية تُظهِر فينا أعمال ومجد الله، وتقودنا بذلك للملكوت الذى نسعى إليه دوما.
قد رأينا خلال هذا الصوم العديد من تلك التجارب، ورأينا أيضا كيف انتهت بنعمة الرب ونال أصحابها الملكوت.
قد تكون هذه التجارب من صنعنا نحن عندما نقع فى الخطية مثلما حدث مع الابن الضال الذى وجد النعمة بتوبته عن حياة الخطية ورجوعه لأبيه.
أو يكون مثل المرأة السامرية التى رغم حياتها المنحلة سمعت نداء الرب فاستجابت له فورا وخلصت، بل وتسببت فى خلاص بلد يأكملها.
وربما تكون التجارب بسماح من الله مثل تجربة أيوب القاسية الذى عوضه الرب أضعافا مضاعفة، لكن الأهم من ذلك أن الرب قد تكلم معه وحاججه فشعر بالنعمة الحقيقية.
ايضا هناك تجربة المرض الطويل مثل المطروح ٣٨ عام الذى شفى بنعمة الرب.
وها المولود أعمى قد نال نعمة الاستنارة العظيمة التى تعادل لدينا الاستنارة بالمعمودية، والتى نرجو أن ننالها جميعا بقبول ربنا يسوع المسيح لصومنا ان كان حقا بنقاوة قلب وبشهوة بلوغ ملكوته.
وما حياتنا على الأرض سوى سنين غربة عبارة عن سلسلة من التجارب التى لا تنتهى مهما تفاوتت فى قسوتها.
التجارب تمثل حياة كل منا بأكملها. ورحلة الصوم يجب ان تمتد خلال حياتنا بأكملها، حتى وان انتهت الفترة الرسمية للصوم بنظامه المعروف من حرمان الجسد، لكن الجهاد الروحى الذى تعلمناه بالصوم لا ينتهى ولا يجب ان ينتهى، بل يتجدد ويزداد كان تتجدد وتزداد نعمة الاستنارة.
حياتنا بأكملها هى رحلة صوم. روح الصوم ومنهجه يبقيا معنا كمنهج لحياتنا، سواء كنا “رسميا” صائمين أم لا.
فهل بعدما نلنا الاستنارة والخلاص لنا أن ننساهما فور انتهاء الصوم؟ أننا بذلك نكون خاسرين لا محالة. بل لنسأل الرب أن يعيننا فى ان نحتفظ فى حياتنا بالاستنارة التى أتاحها الصوم لنا، ويجددها دوما فينا لتقودنا فى موكب نصرته.