حينما يغيب الأحباء يغيب السند والدعم, حينما تفقد الزوجة زوجها, تفقد معه كل المشاعر التي تستعصي علي الوصف, فمع الزوج ينبع معه كل المشاعر التي تستعصي علي الوصف, فمع الزوج ينبع الأمان, وتستقر السكينة, وتولد راحة البال, والسند, والستر, خاصة إذا كان الزوج صالحا, متحملا لمسئولياته, تكون المسئولية مشتركة والزوجة غير منهكة في احتمال المشاكل النفسية مع المسئوليات الأسرية, وحينما يختفي هذا الزوج فجأة, تختفي أشرعة الأمان وتغرق مراكب الإنقاذ, وتتلاطم أمواج الحزن والعوز علي الزوجة التي لا تعرف علي أيهما يكون النحيب, علي فراقه أم علي تهديدات الزمن الصعب التي تنتظرها بدونه.
وغرقت سميرة في موجة الحزن والعوز, سميرة امرأة في نهاية الأربعينيات جميلة الوجه, تعيسة الحظ لديها ابنتان الكبري تزوجت والصغري في الدراسة الإعدادية, زوج متغيب منذ ست سنوات, وحيدة تحيا وتبحث عن من يعولها دون مشاكل أو مطامع, وحيدة تطلب العون في أضيق الحدود فالخوف يسكنها ممن حولها, تعلم أن الشارع مرعب فتخشي الخروج, رغم أنها كانت تعمل في مصنع لتفصيل العباءات الحريمي, لكنها اتخذت ركنا في الحياة وقررت الانزواء فيه لتربي ابنتيها بعيدا عن ضجيج المشاكل, اعتمادا علي مساعدات بسيطة. فأينما تذهب تواجه المطامع بسبب جمالها, قررت ألا تذهب لأي مكان, تعبت من صد الطامعين, ومواجهة المستذئبين.
رغم أنها لا تغادر منزلها إلا أنها أصيبت منذ شهور بكورونا, شعرت بالوحدة, لم تمض أيام علي إصابتها بفيروس كورونا, حتي وجدت نفسها بلا أي دعم نفسي أو مادي أو طبي, فاضطرت للجوء لطبيب في منطقة شعبية, فتح عيادته للعزل وهو أمر مخالف لكل الأعراف الطبية خلال الأوبئة, وبالرغم من أن عيادات أطباء الصدر جميعها صارت بؤرة وباء, إلا أنها ليست أماكن إقامة لمرضي كوفيد19 أو عزل لحاملي فيروس كورونا.
علي أي حال انصاعت سميرة لاقتراح الطبيب, خشية أن تنتقل العدوي لابنتها, ولازمت العيادة فترة طويلة, وبعد تعافيها عادت للمنزل, فرحة بالشفاء, وبعد فترة قليلة بدأت تشكو من أعراض في جسدها كله, آلام في عظامها, وأماكن متفرقة من أنحاء جسدها, وكلما أجرت تحليلا تظهر النتائج أن الجسد به التهاب ما.
لجأت لنا سميرة, وبعد التواصل مع الأطباء المتخصصين, وإجراء الفحوص اللازمة, اكتشفنا أنها تعاني من مرض الذئبة الحمراء, وهو مرض من أمراض المناعة الذاتية المزمنة التي يمكن أن تؤثر علي أعضاء متعددة من الجسم, وخصوصا الجلد والمفاصل والدم والكلي والجهاز العصبي المركزي. وهو ما يعني أن هناك اضطرابا في الجهاز المناعي, والذي بدلا من أن يحمي الجسم من البكتريا والفيروسات فإنه يهاجم أنسجة المريض نفسه.
وبدلا من أن تجد سميرة الحماية في انزوائها داخل نفسها ووحدتها, صار جسدها عدوها الأول يهاجمها ويضرب مناعته بذاته, يالها من تعاسة غير متوقعة تضاف لتعاستها الأصلية.
يعد من أكثر أنواع الذئبة شيوعا, وهو مرض من أمراض المناعة الذاتية, حيث أن الجهاز المناعي يهاجم أنسجته مما يتسبب في حدوث التهابات, ويؤدي إلي تلف في الأنسجة في الأعضاء المصابة, مما يؤثر علي الأوعية الدموية والمفاصل والجلد, والرئتين والكلي, مما يتطلب تدخلا علاجيا فوريا. لذلك لجأنا للدكتورة منال مهني استشاري الكلي, التي تطوعت بعلاج سميرة, وأكدت أن الذئبة الحمراء مثلها مثل الضغط والسكر, مرض يمكن أن يظهر فجأة نتيجة الضغط النفسي والتوتر الشديد, ويشعر فيه المريض بآلام في المفاصل. الصداع المستمر. وجود تورم في المفاصل. التعب والأرق الشديد. تساقط الشعر بشكل ملحوظ.
وأخيرا سوف تداوم سميرة علي العلاج, وهو ما يتطلب التزاما مستمرا تجاهها بشراء العلاج كل شهر, والذي تبلغ قيمته 600 جنيه, في حين أنها لا تملك ما يسد جوعها وحاجات ابنتها.