ألقى القس باسيليوس صبحي رئيس قسم التاريخ والآباء بالكلية الإكليريكية بالقاهرة كلمة في الاحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيس مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية، تحت عنوان: ” مستقبل الدراسات القبطية بمصر ” ببيت السناري”.
وفى بداية كلمته ألقى القس باسيليوس صبحى لمحة سريعة عن علم القبطيات فقال:علم القبطيات Coptology أو علم الدراسات القبطية، أي ذلك العلم المعني بدراسة اللغة والأدب القبطي وكل ما يتصل بهما من تاريخ وفكر.
وعلى الرغم من أن الاهتمام الأوروبي بعلم القبطيات قد بدأ في القرن الخامس عشر الميلادي، إلا أن استخدام ذلك المصطلح للمرة الأولى كان في 1976م.
وذلك في أول مؤتمر دولي للقبطيات والذي عقد في القاهرة تحت عنوان “مستقبل الدراسات القبطية” (11-17 ديسمبر). أعقب هذا تأسيس “الرابطة الدولية للدراسات القبطية”.
وكان أحد مؤسسي الرابطة هو أ. د. باهور لبيب والذي أدار المتحف القبطي بالقاهرة ما بين سنتي 1951 و1965م.
وقد تم إدخال كلمة “Coptology” إلى الإنجليزية على يد أ. د. عزيز سوريال عطية، أستاذ تاريخ العصور الوسطى بجامعة الإسكندرية وأمريكا.
أقسام هذا العلم: الفن القبطي (وكل ما يتعلق بالفن من رسم ونحت … إلخ)، اللغة، التاريخ، العمارة، الأدب، الموسيقى … إلخ. وكانت قديمًا تقدم هذه المواد ضمن علم المصريات Egyptology ولكن بعد اكتشاف مكتبة نجع حمادي ودراسة ونشر محتوايتها، وبعد تأسيس الرابطة الدولية للدراسات القبطية … تغير الحال تدريجيًا نحو الأفضل بدون شك.
وأضاف القس باسيليوس صبحى اليوم ونحن نحتفل بمرور عشر سنوات على تأسيس مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية، وفيما نحن نحيي هذه الاحتفالية تحت عنوان: ” مستقبل الدراسات القبطية بمصر “. أثرت أن أتناول مع حضراتكم موضوع بعنوان: ” دور الصحافة القبطية القديمة في نشر الوعي بأهمية الدراسات القبطية “.
لأنه كما هو معلوم أن فائدة الإستفادة من تجارب السابقين لكي نتعلم من أخطاء الماضي من خلال معرفة الماضي لنتفهم الحاضر، وأخيرًا محاولة استقراء المستقبل.
من خلال هذه الكلمة المتواضعة سوف أحاول تقديم بعض نماذج من الصحف والمجلات القبطية القديمة
وقد انتخبت فقط نماذج لها قد تكون غير مشهورة اليوم، وهي مجلات: التوفيق وعين شمس والمجلة القبطية ورعمسيس. وقد أخترت مجال المجلات القديمة، لأنها كانت تشكل في وقتها عامل مهم في تكوين وتوجيه الوعي الجمعي للمجتمع، في زمن لم يكن يعرف بعد وسائل الرفاهية العصرية ولا الإذاعة ولا التلفاز ولا الأقمار الصناعية ولا شبكة المعلومات العنكبوتية ولا وسائل التواصل الإجتماعي وخلافه …
و سبب أختياري عنوان الصحافة وليس الأشخاص، لأن بمراجعة العدد الأكبر من المقالات المنشورة في تلك المجلات لم أجدها ممهورة بتوقيع كاتبها.
اولا: مجلة التوفيق:
وقد أصدرتها جمعية التوفيق المركزية القبطية الأرثوذكسية سبتمبر سنة 1895م.
على سبيل المثال في السنة الثالثة، بالعدد 32، بتاريخ 13 أبريل 1899م، نجد مقالة بعنوان: “الآثار القبطية”، ص 373- 374. جاء فيه ما ورد بتقرير جناب اللورد كرومر: ” في يونيو 1898 أرسلت الحكومة كتابًا إلى قداسة البابا كيرلس الخامس ليساهم في ترميم الآثار القبطية … ويكمل في مكان آخر بقوله: ” أنه لا يخفي أن في حفظ آثارنا القديمة حفظ تاريخنا الماضي فهي الدليل المحسوس على اعتناء أجدادنا بإقامة المعابد (الكنائس) وعلى مهارة الصناع الأقباط في الأزمنة الغابرة وإذا كنا لا نستطيع الآن أن نعادل أولئك الأفاضل في الهمة والغيرة والمعرفة فعلى الأقل يجب علينا أن نحافظ على أعمالهم “.
وفي العدد التالي (33)، الصادر بتاريخ 20 مايو 1899م، تحت عنوان ” دير الحمام ” بالفيوم، حينما حاول اثنان من البدو الحفر في الردم خارج أسوار الدير المذكور، فسقط عليهما الردم وماتا … ولم تهدأ الجمعية حتى تم تعيين خفير من طرف مصلحة الآثار لحماية الدير والكنيسة …، راجع: ص 390.
وأخيرًا، في العدد 35، الصادر بتاريخ 3 يونيو 1899م، تحت عنوان الكتب الكنائسية
سأكتفي فقط بالإشارة لما قاله كاتب هذه المقالة الافتتاحية في هذا العدد، عن ضرورة الاستعانة بآلات الطباعة لطبع كتبنا الكنائسية بدل الكتب المكتوبة بخط اليد (المخطوطات) المشحونة بالاغلاط حتى يصعب قراءتها، أما عن المخطوطات فيقول: ” … أما النسخ القديمة (المخطوطة) فتجمع وتحفظ في المكاتب كآثار تاريخية للدلالة على عناية الأقدمين بنسخ الكتب المقدسة ونشرها في الوقت الذي كان فيه فن الطباعة مجهولاً “، ص 409- 410.
ثانيا :مجلة عين شمس
وهى مجلة أثرية أصدرها اقلاديوس بك لبيب الميري ابتداء من يوم الأثنين أول توت 1617ش (11 سبتمبر 1900م) وكانت تصدر أول كل شهر قبطي، واستمرت أربع سنوات فقط.
مما هو جدير بالذكر أنه أُحضر لهذه المجلة مطبعة من ألمانيا مزودة بأحرف قبطية، هيروغليفية، لاتينية، عربية، فارسية، عجمية، هندية، تركية، عبرية، يونانية وحبشية. كانت هذه ثاني مطبعة متخصصة أحضرت لمصر بعد مطبعة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية.
كتب فيها اقلاديوس بك لبيب العديد من المقالات المهمة بالقبطية والعربية، بما فيها الأخبار في نهاية كل عدد، فعلى سبيل المثال: نشر الخطابات التى تليت في جناز الملكة فيكتوريا ملكة إنجلترا وإمبراطورة الهند (1819- 1901م) وتليت في الكنيسة المرقسية الكبرى بالأزبكية في أخر يناير 1901م، وتتويج خليفتها ابنها الملك إدوارد السابع (العدد السادس والسابع والثاني عشر من السنة الأولى).
كما نشر العديد من النصوص القبطية التى كانت محفوظة في المخطوطات القبطية سواء داخل مصر وخارجها. مثل نص نياحة ابائنا القديسين الثلاثة البطاركة إبراهيم وإسحق ويعقوب المنسوب لأثناسيوس الرسولي، والذي سبق ونشره السنيور اينياتسيو جيدي عضو مجمع لينسيا العلمي الملكيفي مدينة روما عن مخطوطات الفاتيكان (السنة الثانية، العدد الرابع وما بعده).
كما كتب عن الأديرة القبطية من قوص إلى أسوان، ونشر عدد غير قليل من النقوش القبطية التى وجدت على جدران هذه الأديرة مع ترجمة نصوص هذه الآثار النفيسة ( السنة الثالثة، العدد الخامس والسادس، ص 94- 106)
هذا غير اهتمامه بجمع الكلمات والعبارات العامية التي لها أصل فرعوني أو قبطي، فكان يطوف البلاد مستمعًا للأغاني الشعبية والمواويل وعازفي الكمان ومرددي الأغاني الشعبية مجزلا لهم العطاء ليرددوا علي مسامعه أغانيهم الشعبية الجميلة.
ثالثا: المجلة القبطية
لمؤسسها المؤرخ المشهور جرجس فليوثاؤس عوض الطنطاوي (+ 1954م)، والتى بدأت في الظهور سنة 1907م. والتى يظهر من اسمها مدى تخصصها في ذلك المضمار أي مجال الدراسات القبطية وخصوصًا مجالي التاريخ والآثار القبطية. وإن كان قد قام مؤسسها بتحرير معظم مقالاتها بنفسه، إلا أننا نجد بين الحين والأخر أثر اشتراك بعض المحريين الآخرين.
في السنة الثانية لها، في العدد الثاني، (7 مايو 1908م)، مقال عن شم النسيم، ص 50- 56. الذي تحول فيما بعد إلى كتاب، قدم فيه أصل العيد عند قدماء المصريين، وتتبع تحول وجهة هذا العيد بعد دخول المسيحية مصر.
وفي العدد العاشر، (7 يناير 1909م)، مقالة عن: التربية والتعليم في مصر القديمة، وتتبع كعادته المسيرة التاريخية للتعليم في مصر حتى بداية العصر الحديث، ص 492- 500.
رابعا: مجلة رعمسيس
لمؤسسيها رمزي تادرس وكيرلس تادرس، والتى بدأت في الظهور في فبراير 1912م. ومن أشهر من سطر بها مقالات: ميخائيل بك شاروبيم المؤرخ المشهور، ونشره كتاب: ” التقليد في مذهب أهل التوحيد لصاحبه حمزة بن على وزير الحاكم بأمر الله العبيدي العلوي الفاطمي بمصر، بداية من العدد السادس من نفس السنة …
وكذلك اشترك في الكتابة بهذه المجلة كلاً من: جرجس فيلوثاؤس عوض، الذي كتب في العدد الأول من المجلة مقالا عن نشأة الحياة العلمية في مصر ونصيب الأقباط في هذا المضمار، ص 49- 51.
على بك بهجت العالم الأثري الكبير ووكيل مصلحة الآثار العربية (وقتها) والعضو بالمجمع العلمي المصري، الذي كتب في عددها الثاني من سنتها الأولى أيضًا (مارس 1912م) مقالا عن مرسوم السلطان خوشقدم (+ 1467م) لإبطال عوائد النطرون وما أكتشفه العالم الألماني زوبرنهيم في شتاء سنة 1910 بمدينة أسيوط من نقوش في سوق قديم هناك …، ص 9- 13.
واختتم القس باسيليوس صبحى حديثة عن دور الصحافة القبطية القديمة في نشر الوعي بأهمية الدراسات القبطية بأن هذه كانت مجرد نماذج عن بعض المقالات من تلك المجلات المذكورة، والتى شكلت بدون شك نمو الوعي الجمعي في المجتمع المصري والمؤسسات المعنية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. أملاً أن نستفيد من تجربة تلك المجلات القديمة للعمل على تنمية وانتشار الوعي بأهمية الدراسات القبطية.