بينما تنشد إيزبس تراتيلها في احتفالية نقل مومياوات 22 من ملكات وملوك الفراعنة للمتحف القومي للحضارة, فخرا بالحضارة المصرية القديمة, كانت الثقافة الإظلامية تشق طريقها- بالساطور- لجسد مريم موسي يعقوب في الثلاثينات من عمرها, وطفلها كاراس ست سنوات وتمكنت ابنتها-أربع سنوات- من الفرار تعيش الأسرة في إحدي قري مركز بني مزار بمحافظة المنيا, قتلهما سائق توك توك بعد مشادة كلامية, ولأن طرفي الجريمة مختلفو الديانة, المتهم مسلم والضحية مسيحية, توجهت الأنظار للبعد الطائفي.
وأيا كانت دوافع الجريمة, أتمني من الله إلا يثبت فيما بعد أن الجاني مختل عقليا, مثلما حدث في عدد من الوقائع المشابهة, التي تم تنفيذها ذبحا والتي تنتمي ظاهريا إلي فئة الجريمة الجنائية, بينما تصنيفها الحقيقي هي جرائم الذئاب المنفردة التي تفشت في أنحاء العالم بعد تضييق الختاق علي الإرهاب الجماعي, فصارت العشوائية الإرهابية تحل محله في كل الدول, سواء كانت في عمليات قتل وذبح ترتكن لأفكار إرهابية مباشرة مع الإفصاح عن ذلك, أو عبر ارتكاب جرائم تبدو في ظاهرها ذات دوافع اجتماعية, بينما ترتكن في قوة الإقدام عليها لمعتقدات ظلامية تم تخريب العقول بها عبر العقود الماضية وهو ما لايختلف في نتائجه عن جرائم الذئاب المنفردة.
لسنا بصدد إلباس الجرائم الجنائية ثوبا طائفيا فهذا هو البعد الذي تتولاه جهات التحقيق, لكن يحق لنا التحليل, علي الأقل تحليل أسباب إضفاء البعض صفة الطائفية علي الواقعة, الأمر هنا يتعلق بتكرار هذا النوع من الحوادث خصوصا في محافظة المنيا, فبغض النظر عن الدوافع غير المعلنة ماذا لو كانت المرأة غير مسيحية؟ ماذا عن رد فعل الجاني حينها؟أم أن تكرار وقوع جرائم بين مختلفي الديانة في المنيا تحديدا وإفلات الجناة من العقاب الرادع,يمنح القوة اللازمة للمتعطشين للدماء لارتكاب جرائمهم بقلب صلب, لأنهم يعلمون مسبقا أنهم سيفلتون فقط لأسباب تتعلق بالهوية الدينية للضحية؟
يحاول البعض دائماتكفين الوقائع طمعا في عدم التصعيد الطائفي في قري سبق واشتعلت طائفيا كل هذا الكلام سمعناه في مجالس عرفية سابقة في المنيا ينزع في ظاهره لتهدئة النفوس في حال اختلاف ديانة طرفي الواقعة لكنه يبتعد كل البعد عن وجوب سيادة القانون المستندة لدعائم سيادة المواطنة وهو ما يضيف شكوكا حول إمكانية جلب حقوق الضحايا.
دخول الإعلام كشريك في نشر أفكار خاطئة حيث تمارس بعض المواقع الإخبارية تشويها عمديا, علي الضحايا في مثل هذه الجرائم عبر إيماءات غير مقبولة بما يمثل رخصة إفلات للقاتل عن طريق خلق رأي عام ضد الضحية, وهو أمر يؤجج النفوس وسيق وتعاملت معه النيابة العامة في عدد من الوقائع بالتحذير من تناول أعراض الضحايا في الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي, لكن للأسف هذا النوع من الأخبار يجد ترحيبا واسعا, بسبب التركيبة الذكورية القابعة في بعض النفوس والتي تتبني مفهوما مشوها لكل ما يتعلق بالجرائم التي تقع ضد المرأة. ماهي الخريطة المعدة لتصحيح المفاهيم حتي لا تتحول شوارعنا إليكابول مع مرور الزمن, وكابول هي عاصمة أفعانستان. خلاصة القول إن ما يجري من جرائم متتابعة من إسكندرية لأسوان تستهدف المرأة والأقباط هو عصارة الأفكار السوداء التي ترعرت في مجتمعنا ويصعب تغييرها أو اقتلاعها إلا عبر إرادة حقيقية لتجديد الخطاب الديني الذي بات مستخدما من المتشددين ومن المجرمين الذين يمتطون الدين لارتكاب جرائم فيحتمون بستار الالتزام ويروجون للفكر القائل:دماؤهن حلال وأعراضهن حلال التطهير والتنوير والتجديد يحتاج لوقت طويل لكن لابد أن يبدأ لأن الحقيقة المؤلمة أنه لم يبدأ بعد إذ تم إقصاء المستنيرين أو تقوقعهم أو ترهيبهم بينما يتصدر الحمقي- الذين يستفزون عناد الجهلاء- كل المشاهد ويبقي الوضع علي ماهو عليه.