تتنوع قضايا المرأة وموضوعاتها لتشمل قضايا كثيرة وموضوعات متعددة, حيث تتنوع بين قضايا سياسية وأخري اقتصادية وثالثة اجتماعية. ولعل المنطلق الأساسي لكل من يؤمن بمكانة المرأة وأهمية تمكينها, هو أن المرأة إنسان مثل الرجل, لها دور داخل الأسرة ولها دور في المجتمع أيضا, وأن المرأة مواطنة مثل الرجل لها حقوق وعليها واجبات, من حقها أن تتمتع بكامل حقوق المواطنة وأن تؤدي واجباتها, السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, الأمر الذي يفرض حق المشاركة والمساواة بينها وبين الرجل, فهي لا ترتفع فوقه ولا تقل عنه.
من بين القضايا التي تخص المرأة, ومن ثم المجتمع, تبرز قضية الخطاب الثقافي والخطاب اللغوي الخاص بالتعامل مع المرأة, ومن ذلك مثلا أن ثمة مظاهر كثيرة تعكس نوعا من الخجل من اسم المرأة, مجرد اسمها, ناهيك عن الخجل من كونها امرأة!! فهناك من يخجل عندما يذكر اسم والدته أو اسم أخته أو زوجته أو ابنته, وهناك من ينادي امرأته باسم ابنها الولد البكر, وقد يناديها باسمه, تجنبا لذكر اسمها, فضلا عن عبارات ومصطلحات من نوع أم فلان وحرم فلان وكريمة علان وقرينته وزوجته وهكذا.
أذكر أنني في عام 2006م, سافرت ضمن مجموعة من الشباب الجامعي والشباب حديثي التخرج إلي الشقيقة سورية لحضور ورشة عمل حول موضوع الحوار وقبول الآخر, وفي مطار حلب, طلبت منا الجهات المختصة أن نقوم بتعبئة استمارة بيانات تتضمن بعض المعلومات الشخصية, كان من بينها أن نكتب اسم الأم, لم أخجل ولم أجد مشكلة حيث كتبت اسم أمي كاملا فوزية عوض جريس, إلا أن زميلا لنا ضمن الوفد المصري, وكان طالبا بكلية الطب التي تمثل واحدة من كليات القمة كما يقولون, شعر بالكثير من الخجل معبرا عن رفضه لأنه من العيب بالنسبة له أن يذكر اسم والدته أو يكتبه في أوراق رسمية, فيعرفه الآخرون, وإن اضطر بعد ذلك لكتابة اسم أمه حتي يتمكن من الحصول علي تأشيرة دخول الأراضي السورية.
يعكس الأمر في تقديري ثقافة الخجل من المرأة, الأم والأخت والزوجة والابنة!! لقد كان إغفال اسم المرأة يحدث منذ سنوات بعيدة في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين, حين كانت صحف تلك الفترة تنشر مقالا بقلم حضرة الآنسة الفاضلة كريمة فلان أو بقلم الأديبة المهذبة قرينة علان, أو قد تكتفي بالإشارة إلي الأحرف الأولي من اسم الكاتبة.
أذكر أيضا أنني كلفت في عام 2016م بعضوية لجنة تطوير المناهج بوزارة التربية والتعليم, مع نخبة من الأساتذة والخبراء المحترمين والأجلاء. بعد قراءة محتوي المناهج في أحد المقررات الدراسية كانت لي ملاحظة عامة في كل المضامين التي قرأتها تقريبا, تمثلت ملاحظتي في سيطرة خطاب ذكوري علي محتوي تلك المقررات من الدروس والموضوعات محل القراءة والدرس والمطالعة, أي أنه خطاب موجه للذكور وحدهم, ودون غيرهم, يتعامل مع الطلاب باعتبارهم ذكورا فحسب, ليس من بينهم إناث!! فإننا بذلك أمام خطاب ذكوري, يخاطب الذكور في أغلب الأحيان, ويتجاهل الإناث, ما يعني تجاهل تنوع النوع الاجتماعي, المعروف في الأوساط العلمية والثقافية باسم الجندر (Gender).
من يراجع مناهج التربية والتعليم يكتشف ذلك, ومن يراجع الكثير من الرسائل التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة يكتشف ذلك أيضا, كذلك المخاطبات الرسمية في المؤسسات المختلفة, فضلا عن لغة بعض الندوات وورش العمل والمؤتمرات الثقافية والأكاديمية والعلمية.
كان السؤال الذي شغلني وقتها هو ماذا يمنع من أن نستخدم عبارات نتوجه بها للبنات؟ عبارات من نوع: تحدثي إلي معلمتك.. توجهي إلي مدرستك.. اذهبي إلي معلمتك واطلبي منها.. بالتعاون مع زميلك وزميلتك.. وهكذا.
وكثيرا ما كنت أتساءل ماذا يضيرنا من وضع التاء المربوطة داخل قوس (ة), أو بين علامتي تنصيص ة ونحن نكتب كلاما موجها للجنسين؟ فنكتب مثلا: صفات كثيرة من المهم تعويد كل طفل ة عليها منها التعاون والعمل الجماعي والتسامح وحب الخير للجميع.
كان أمامنا ثمة رأي يرتكز علي أن مخاطبة الذكر تصح لمخاطبة الجنسين, أو أنها تغنينا عن تخصيص عبارات للإناث. لكن ألا يمثل الأمر تجاهلا للإناث واستبعادا لهن وتمييزا ضدهن؟! وماذا يمنعنا من تأنيث الوظائف حين تشغلها سيدة؟! فنقول مثلا وبكل أريحية: وزيرة, محافظة, نائبة, عضوة مجلس النواب, رئيسة مجلس الإدارة, رئيسة جامعة, عميدة, وكيلة, رئيسة قسم, مديرة, خبيرة, مهندسة.. وكذلك ماذا يمنعنا من أن نقوم بتأنيث الألقاب العلمية داخل الجامعات والكليات والمعاهد والمراكز البحثية؟! فنقول: أستاذة, أستاذة مساعدة, مدرسة, مدرسة مساعدة, معيدة, باحثة؟!
ظني أن هناك أسبابا كثيرة منها سبب لغوي يقوم علي أن الألقاب لا تؤنث, وقد تكون هناك أسباب أخري اجتماعية تعطي الأولوية والأفضلية للذكور. في اعتقادي أنه لا يوجد ما يمنعنا من تأنيث الألقاب, فإننا نحتاج إلي مخاطبة الجنسين, الذكور والإناث, ما يعني حاجتنا إلي تطوير الخطاب الثقافي وتجديد الخطاب اللغوي, حيث أثق كثيرا أن اللغة العربية لغة جميلة, غنية وثرية, فيها الكثير من مواطن الجمال والقدرة علي التعبير, وأنها تتسع لاستيعاب كل أفكار جديدة, مثلما تستطيع استيعاب كلمات ومفردات ومصطلحات جديدة تفرضها المستجدات الحياتية والتطورات التكنولوجية.