تتحدث نبؤات هذا اليوم بالأساس عن التجارب التى يتعرض لها محبو الرب، والنجاة والخلاص والتعويض الذى ينالونه عندما يتزكوا، مهما طالت التجربة ومهما بلغت قسوتها، فهى فى النهاية تُظهِر فيهم أعمال ومجد الله، وتقودهم للملكوت الذى نسعى إليه جاهدين.
قراءات هذا اليوم طويلة، وبما ان الغرض من هذه التأملات هو ايضاحها بطريقة مختصرة حتى يستطيع الكل متابعتها مهما بلغت مشاغلهم، سأقوم فقط بالإشارة إليها اليوم حتى يمكن تغطيتها كلها. لكن نصيحتى ان يقرؤها كل واحد، وإن قام بتوزيعها على اليوم كله، لأنها تستحق القراءة المتأنية لعمق معانيها وللمشاعر الانسانية الصادقة العميقة التى تتميز بها، وبالطبع لجمالها المتناهى على المستوى الروحى.
النبؤة الأولى لهذا اليوم من (تكوين ٢٢ ) تحكى تجربة ابراهيم عندما طلب منه الرب “خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ … وَأَصْعِدْهُ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ”. بَكَّر ابراهيم ولم يتوانى ليصنع كما طلب منه الرب، لكن الرب تدخل وأحيا اسحق ووعد ابراهيم “بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ، أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هذَا الأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ … وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْض”.
التجربة الثانية هى التجربة الشهيرة لأيوب الذى فقد جميع ممتلكاته وكل اولاده وبناته وأخيرا صحته أيضا، ولم يتخيل هو أو أصدقاءه ما هى الحكمة وراء ذلك. لكن فى ( أيوب ٣٦ و ٣٧ ) يتحدث أليهو عن حكمة الرب الذى سمح بالتجربة وهى حكمة تفوق ادراكنا، فيقول (النص من القطمارس القبطى) “اعلم ان الرب ليس عنده شر .. هو عظيم القدرة والحكمة … انه عظيم القدرة فوق ما نعلم وعدد طرقه لا تحصى … الْقَدِيرُ لاَ نُدْرِكُهُ. عَظِيمُ الْقُوَّةِ وَالْحَقِّ، وَكَثِيرُ الْبِرِّ”.
أما التجربة القاسية الثالثة التى نقرأ تفاصيلها هذا اليوم فهى ترِد فى (سفر طوبيا ) وتحكى قصة طوبيت والد الشاب طوبيا، والذى كان هو وأسرته ضمن الاسرائيليين الذين سباهم ملك آشور، وكان رجلا بارا لكنه جُرِّب بفقدان بصره. أصبحت حياته مُرَّة حتى صلى للرب ان يتقبل نفسه “اذ الموت أصلح لى من الحياة”.
فى ذات الوقت كانت ساره ابنة راعوئيل فى مدينة أخرى تمر بتجربة شديدة المرارة، اذ انها كانت قد تزوجت بسبع رجال لكنهم جميعا ماتوا كل واحد منهم ليلة زفافها له. لم تحتمل ساره معايرة الناس لها فصَلَّت هى أيضا للرب صلاة حارة. ويقول الكتاب “فاستجيبت حينئذ صلاتهما لدى مجد الإله العلى”. لكن استجابة الله لطوبيت لم تكن مثلما طلب أن يأخذ نفسه، بل بأن يقود الملاك رافائيل ابنه طوبيا عبر سلسلة من الأحداث الى ان يتزوج ساره زواجا مباركا فيفرح بها ويفرح قلب والده طوبيت وأيضا يعود له بصره. الأحداث السريعة المختصرة تعطى فكرة عن قسوة التجربة التى أنهاها الرب بالفرح والبركة، لكنها تختصر الثروة الروحية والانسانية التى يشتمل عليها سفر طوبيا، لذلك أكرر نصيحتى للقارئ ان يقرأ السفر كاملا.
البولس من (١ كورنثوس ١٠: ١-١٣ ) يوجه لنا رسالة طمأنينة من جهة التجارب: “لكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا”.
ويذكرنا (يوحنا الحبيب فى رسالته الأولى ٢: ١٢-١٧ ) “لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ”.
انجيل باكر وانجيل القداس من (يوحنا ٣: ١-٢١ ) يحدثنا بأن ملكوت السموات لا يمكن بلوغه إلا بالمعمودية المقدسة. “الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ … إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ”.
يحدثنا أيضا عن الخلاص الذى أعده الله المحب للبشر بصليب ابنه الوحيد يسوع المسيح “كَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ … لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ. وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً”.