اليوم هو أحد السامرية.
انجيل العشية من (لوقا ١٢: ٢٢-٣١) يذكرنا مرة أخرى بالغرض الأساسى من هذا الصوم ألا وهو السعى إلى ملكوت الله. “فَلاَ تَطْلُبُوا أَنْتُمْ مَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَشْرَبُونَ وَلاَ تَقْلَقُوا … فَأَبُوكُمْ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ. بَلِ اطْلُبُوا مَلَكُوتَ اللهِ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ”.
أما انجيل باكر من (متى ٢٢: ١-١٤ ) فيخبرنا كيف أن المدعوين الى الملكوت لم يكونوا مستحقين فاستهانوا بالدعوة ورفضوها. عندئذ وجه الرب الدعوة للآخرين. تحدث الرب يسوع بهذا المثل: “يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا مَلِكًا صَنَعَ عُرْسًا لابْنِهِ، وَأَرْسَلَ عَبِيدَهُ لِيَدْعُوا الْمَدْعُوِّينَ إِلَى الْعُرْسِ، فَلَمْ يُرِيدوا أَنْ يَأْتُوا. فَأَرْسَلَ أَيْضًا عَبِيدًا آخَرِينَ قَائِلًا: قُولُوا لِلْمَدْعُوِّينَ: هُوَذَا غَدَائِي أَعْدَدْتُهُ. ثِيرَانِي وَمُسَمَّنَاتِي قَدْ ذُبِحَتْ، وَكُلُّ شَيْءٍ مُعَدٌّ. تَعَالَوْا إِلَى الْعُرْسِ وَلكِنَّهُمْ تَهَاوَنُوا وَمَضَوْا، وَاحِدٌ إِلَى حَقْلِهِ، وَآخَرُ إِلَى تِجَارَتِهِ، وَالْبَاقُونَ أَمْسَكُوا عَبِيدَهُ وَشَتَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ. فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ غَضِبَ … ثُمَّ قَالَ لِعَبِيدِهِ: أَمَّا الْعُرْسُ فَمُسْتَعَدٌّ، وَأَمَّا الْمَدْعُوُّونَ فَلَمْ يَكُونُوا مُسْتَحِقِّينَ. فَاذْهَبُوا إِلَى مَفَارِقِ الطُّرُقِ، وَكُلُّ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ فَادْعُوهُ إِلَى الْعُرْسِ. فَخَرَجَ أُولئِكَ الْعَبِيدُ إِلَى الطُّرُقِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الَّذِينَ وَجَدُوهُمْ أَشْرَارًا وَصَالِحِينَ. فَامْتَلأَ الْعُرْسُ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ … لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ”.
فى انجيل القداس من (يوحنا ٤: ١-٤٢ ) نقرأ معا عن واقعة لقاء السيد المسيح بالمرأة السامرية عند البئر حيث ذهبت لتستقى نحو الساعة السادسة من النهار، أى ساعة الظهيرة. القصة معروفة فقد طلب منها الرب ان تعطيه ليشرب فاستغربت الطلب لأنه أتى من رجل يهودى لامرأة سامرية بينما اليهود لا يخالطون السامريين. “أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ: لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّا … كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا. وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ”.
حينذاك أدركت المرأة عطية الله لها وحلاوة هذا الماء فطلبته من المسيح الذى قال لها ان تذهب وتدعو زوجها فكان ان اعترفت “ليس لى زوج”. رد السيد “حَسَنًا قُلْتِ: لَيْسَ لِي زَوْجٌ، لأنه كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاجٍ، وَالَّذِي لَكِ الآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ. هذَا قُلْتِ بِالصِّدْقِ”. تدرك المرأة أن الرجل الذى يحدثها يتكلم بكلام الله فتسأله عن أمور العبادة وتسمع منه الإجابة الجميلة: “تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا”.
الخلاصة أن الرب قدم بسخاء الماء الحى، الحياة الأبدية، الى إنسانة غريبة، من الواضح انها تعيش فى الخطية، وهى أصلا من شعب محتقر من اليهود الذين منهم يأتى الخلاص كما شرح لها الرب. تمضى الواقعة بأن هذه المرأة الخاطئة تركت جرتها وذهبت مسرعة تدعو الكل للقاء المسيح. “فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ السَّامِرِيُّونَ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُمْ، فَمَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ. فَآمَنَ بِهِ أَكْثَرُ جِدًّا بِسَبَبِ كَلاَمِهِ. وَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كَلاَمِكِ نُؤْمِنُ، لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ”.
القراءات جميعها تشير بوضوح إلى أن الدعوة للملكوت الذى نسعى إليه موجهة بسخاء للجميع. إن كان الأحد الماضى قد أشار إلى الابن الذى تاب إلى نفسه وقَبِل ملكوت أبيه، فإن هذا الأحد يشير إلى أن الجميع مدعوين وليس “الأبناء” فقط. الرب اختار أن يعطى الحياة الأبدية للجميع، للأخيار وأيضا بالتساوى للغرباء الخطاة المحتقرين، وهم قد رحبوا به وقبلوه وربحوا بذلك الملكوت المشتهى.