عندما تخرج البورصات العالمية وعلي شاشتها يتابع كل البشر القيمة السعرية لبرميل النفط والعناصر المعدنية والأسهم في الصناعات والشركات ولكن العين تحدق عندما يقع النظر علي سعر لتر المياه العذبة. وهنا السؤال هل أصبحت المياه أغلي قيمة من النفط والذهب والبلاتين واليورانيوم أم أنها استهداف استراتيجي لتركيع العالم كما خطط لكورونا أم أنها إحدي ثورات العطش بديلا عن التدمير المدفوع الأجر, ويغلب علي ذهن كل قارئ بداية طرح كل تلك الأسئلة وكذا يعود به التاريخ إلي شبه الجزيرة العربية إن إذلال القبائل وتبعيتها لمن لديه بئر الماء والكل يعلم من كان يمتلك آبار المياه وقتها وكيف كان يتحكم في مصير شعبها.
وفي عصرنا الحديث كثيرا ما تعودنا علي أن الثروات هي أحد أهم الأسباب التي دفعت الدول إلي تكوين إمبراطوريات حكي التاريخ عنها استعمرت الدول والإنسان والحيوان فتارة استعمرت دول بسبب الحاصلات الزراعية وتارة لموارد الدول الغنية بالتعدين والنفط وأخري بسبب موقعها الجغرافي لما لديها من سواحل وموانئ استراتيجية وبين تلك وذاك نجد أن موارد الدول قد تكون من الأسباب الرئيسية التي تستهدفها الدول العظمي إلي احتلال الدول التي أقل منها ولديها الموارد.
ولما ولي عصر الاحتلال لجأت تلك الدول الكبري إلي وضع العراقيل كي لا تنهض تلك الدول الفقيرة وتظل تعاني من زيادة في سكانها ولم تترك الموارد التي تطمع في الحصول عليها وخططت للحصول علي موارد الدول الأخري دون احتلالها ودائما ما يكون العوز السبيل إلي بيع الموارد أو طلب المشاركة من الدول العظمي كي تساهم بالمال والحماية في مقابل أخذ جزء كبير من تلك الموارد أو التحكم في كل الموارد من خلال وجود مركزية البورصات التي تتداول فيها تلك الموارد من نفط ومعادن ومنتجات وخامات طبيعية اختصت كل بورصة بمنتج يتم تداول سعره ووضع آليات عالمية للتحكم في تلك المنتجات بما يتماشي مع تأمين اقتصاديات العشرين الكبار وظلت تلك البورصات لفقرات زمنية طويلة لتعاقدات تلك الخامات ولم يخطر لبشر أن الماء والذي هو سر الحياة والذي هو من حق الإنسان الذي سخره الله لعباده في الأرض يدخل العقل المتغطرس لجعله موردا من الموارد التي لابد من أن تكون لها مركزية في الأرض.
والغريب مما أردت أن أسوقه في مسار حديثي وهو أن البورصة صرح فيها تداول المياه في الولايات المتحدة الأمريكية ولم تكن الأسباب التي اختلقت كي يكون هناك مزاد عفوا للتعبير لمن لديه وفرة من المياه يستطيع أن يبيع الجالون لمن يتداول وبسعي إليه كي يزيد السعر من وقت إلي آخر. وهنا كانت الأسباب التي بدأت بمطلب في كاليفورنيا والتي تعاني من حرائق الغابات وانتشارها أدي إلي شح المياه فيها وتلتها كثير من الولايات الأمريكية في نفس المنظور العريض من شح المياه ولكن هناك مساوئ أخري يبرزها تقرير للأمم المتحدة والصادر عام 2006م علي قضايا الحوكمة باعتبارها جوهر أزمة المياه, وورد فيه: هناك ما يكفي من المياه للجميع, ولكن الزيادة السكانية وعدم كفاية المياه في كثير من الأحيان هي بسبب سوء الإدارة والفساد, وعدم وجود المؤسسات المناسبة, والجمود البيروقراطي ونقص الاستثمار في القدرات البشرية والبنية التحتية وقد يصل الاستمرار في تلك المشكلة إلي الدخول في حروب لامتلاك مصادر المياه, ولذا لابد من تحرير القيود للدول حتي تسعي إلي زيادة الاستثمارات في الحصول علي المياه العذبة لكل البشر, ولم يكن هذا مجرد تقرير بل هو ما تم استخدام منظوره القديم لدي الدول التي تريد أن يكون لديها السلاح والدواء والنفط ومن ثم الماء.
وهنا أسرد لماذا ظهرت الخصومات والتعديات كما أظهرته دراسة أجرتها جامعة أوريجون الأمريكية حول منازعات المياه المعروفة علي مدي نصف القرن الأخير بين شركاء الحوض المائي الواحد, انطوت علي عقد 200 معاهدة لتنظيم التعاون في الأحواض المشتركة, واتجهت 39.57% من هذه المعاهدات لتنظيم الانتفاع من الطاقة المولدة, و37.53% لتنظيم استخدام المياه, و9% للتحكم في الفيضانات, و6% للتخصيص الصناعي. وفي المقابل كان هناك 507 أحداث خلافية وانحصر ثلثا هذا العدد في منازعات لفظية غير حادة, ولم تصل إلي مستوي العنف سوي في 37 حالة جميعها في الشرق الأوسط فيما عدا سبعا منها وصل فيها مستوي التعديات علي حقوق دول أخري.
وطبقا لتقرير 2019 للبنك الدولي وجود 2.2 مليار في العالم ليس لديهم خدمات مياه شرب آمنة, و3 مليارات ليس لديهم مياه للاغتسال وأصبح هناك ارتفاع في الطلب المطرد علي المياه مع تزايد السكان ومتطلبات النمو الاقتصادي, والسياسات الخاطئة لإدارة الموارد المائية المسئولة مثلا عما حدث في بحيرة تشاد وبحر آرال, وتلوث المياه الناتج عن سوء الإدارة وعمليات الصرف الصناعي في المجاري المائية.
وهناك أيضا خطر وهو التشارك في الأحواض المائية الدولية, أي الأنهار والبحيرات ومستجمعات المياه الجوفية التي تتشارك فيها عدة دول. يشترك في هذه الأحواض 145 بلدا تضم أكثر من 90% من سكان العالم, منها 30 بلدا تقع بالكامل داخل هذه الأحواض, وعلي سبيل المثال تضم الأحواض المائية النهرية لأنهار الدنيبر 19 دول, والكونغو 13 والنيل 11, ولكل من الأمازون والراين والزامبيزي 9 دول والأردن والجانج والفرات 6 دول, أما أحواض البحيرات المائية الدولية فتضم علي سبيل المثال تشاد وأزال وتتشارك كل منهما 8 دول, وفي أوروبا وحدها يوجد أكثر من مائة مستودع جوفي عابر للحدود, وخارج أوروبا سنجد مثلا مستودع غواراني ويجمع الأرجنتين والبرازيل وباراجواي وأوروجواي, وخزان الحجر الرملي النوبي وتتشارك فيه مصر والسودان وليبيا وتشاد.
وهناك 39 دولة تأخذ أكثر من نصف مواردها المائية العذبة من أحواض تقع خارج حدودها, وفئة ثانية من الدول تأخذ أكثر من 75% منها, ويفرض هذا التعدد عوامل تناقص وصراع أكيدة. منها ارتفاع وتعدد الطلب علي الموارد المائية الآخذة في التناقض, ومنها التناقضات في سياسسات النمو الاقتصادي بما تحمله من تباين في استخدام المياه, ومنها الاختلاف في الموقع الجغرافي من الأحواض النهرية وما يفرضه من تباين في القدرة علي التحكم في تدفقاتها بين دول المنبع والمصب, ومنها تفاوتات البنية السياسية بين دول الحوض بما تحمله من تفاوتات في موازين القوي.
ويأتي السياق من استيضاح البيانات لمعدلات تناقص المياه في الدول الغنية وسعي كثير من هذه الدول الحصول علي بعض المزايا من وجودها الاستعماري أو حتي من التواصل بخرق قواعد القوانين وسحب مياه ليست من حقها أو التظاهر بدخولها إلي دولة أفريقية بحجة أنها تريد الاستثمار فيها من مولدات الكهرباء واللجوء إلي بناء سدود المقصد الأهم منها حجب المياه التي تسير عبر العصور إلي دول المجري كما هو الحال في كل السدود التي بنتها إثيوبيا.
وهنا ومن خلال تلك البيانات أجد أن التخطيط واضح بعد ثورات الربيع العربي والذي كان التخطيط له من الغرب وبدأت شعلته في تونس لكي تنشر النار في بقية الدول وخاصة الدول العربية كي تقضي عليها والسبيل الآن وهو الماء الذي هو سر حياة البشر والطير والحيوان خطط له في البورصات الغربية وبدأ التطبيق له في إثيوبيا.. ولذا فهي رسالة وزيادة يقظة أن حق الحياة للشعوب في المياه حق إحياء خلق الله في الأرض ولا يحق لبشر أن ترسم من يشرب الماء ومن لا يشربه ولذا فنحن مستيقظون لكل التخطيط القريب والغريب. وإلي تكملة قادمة.