ونحن لا نريد أن نأخذ من الصوم شكلياته.
كذلك الجبنة الديمكس, المقياس هو: هل يوجد في تركيبها عنصر حيواني؟ هذا من الناحية الشكلية. ولكن روحيا: هل أنت تحب الجبنة وتصر علي أكلها منفذا رغبات جسدك في الصوم؟ وكذلك بالنسبة للشيوكولاتة الصيامي: هل أنت تشتهي هذا الصنف بالذات؟ ولماذا لا تستبدله بكوب من الكاكاو؟
أما السمك, فهو أصلا طعام حيواني. وقد صرح به للضعفاء الذين لا يحتملون كثرة الأصوام. ولكن لا يصرح به في أصوام الدرجة الأولي. ومع ذلك إن أشتهي جسدك سكما في الصوم, أي صوم, فلا تعطه.
ليس فقط السمك, بل كل المشتهيات مهما كانت حلالا. لأنك في الصوم تضبط شهواتك.
أليس الزواج حلالا؟ ولكن الصائمين يبعدون عن المعاشرات الجسدية في الصوم ضبطا لأنفسهم [1كو 7:5] بل هكذا فعل أيضا الملك داريوس الأممي [دا 6:18].
* الطعام النباتي
تحدثنا في الصوم عن فترة الانقطاع وعن الجوع, بقي أن نتحدث عن الطعام النباتي في الصوم, ونشرح كيف أنه نظام إلهي, وأنه الأصل في الطبيعة, إذ أن أبانا آدم كان نباتيا, وأمنا حواء كانت نباتية. وكذلك أولادهما إلي نوح.
إن الله خلق الإنسان نباتيا.
فلم يكن آدم وحواء يأكلان في الجنة سوي النباتات:
البقول والأثمار. وهكذا قال الله لآدم وحواء إني قد أعطيتكم كل بقل يبذر بذرا علي وجه كل الأرض, وكل شجر فيه ثمر شجر يبذر بذرا, لكم يكون طعاما (تك 1:29). بل حتي الحيوانات إلي ذلك الحين كانت نباتية وكل طير السماء, وكل دابة علي الأرض فيها نفس حية, أعطيت كل عشب أخضر طعاما (تك1 :30).
وبعد طرد الإنسان من الجنة, بقي ايضا نباتيا.
ولكنه إلي جوار البقول وثمار الأرض, أعطي أن يأكل من عشب الأرض. أي من الخضروات, فقال له الرب بعد الخطية وتأكل عشب الحقل (تك 3:18).
ولم نسمع أن أبانا آدم مرض بسبب سوء التغذية, ولا أمنا حواء, بل نسمع أن أبانا آدم وهو نباتي ـ عاش 930 سنة (تك 5:5) وهكذا طالت أعمار أبنائه وأبناء أبنائه في هذه الاجيال النباتية (تك 5).
ولم يصرح للإنسان بأكل اللحم إلا بعد فلك نوح.
وحدث ذلك في زمن مظلم كان فيه شر الإنسان قد كثر علي الأرض حتي حزن الرب أنه عمل الإنسان وتأسف من قلبه, وأغرق العالم كل بالطوفان (تك 6: 5, 6).
وهكذا بعد رسو الفلك, قال الله لأبينا نوح وبنيه كل دابة حية تكون لكم طعاما. كالعشب الأخضر دفعت اليكم الجميع, غير أن لحما بحياته دمه لا تأكلوه (تك 9: 3, 4).
ولما قاد الله شعبه في البرية, أطعمه طعاما نباتيا.
وكان هذا الطعام النباتي هو المن وهو كبذر الكزبرة أبيض, وطعمه كرقاق بعسل (خر 16: 31). وكان الشعب يلتقطونه ويطحونه أو يدقونه في الهاون. كما كانوا أيضا يطبخونه في القدور ويعملونه ملات. وكان طعمه كطعم قطايف بزيت (عدد 11:8).
ولما صرح لهم باللحم, فعل ذلك بغضب.
وكان ذلك التصريح بسبب شهوتهم, وتذمرهم علي الطعام وطلبهم اللحم بدموع, فأعطاهم الرب شهوتهم, وصربهم ضربة عظيمة, وإذ كان اللحم بعد بين أسنانهم قبل أن ينقطع, حمي غضب الرب علي الشعب, وضربهم ضربة عظيمة جدا, فدعي اسم ذلك الموضع قبروت هتأوة (أي قبور الشهوة) لأنهم هناك دفنوا القوم الذين اشتهوا (عدد 11: 33, 34).
والأكل النباتي كان أيضا طعام دانيال النبي وأصحابه.
إذ كانوا يأكلون القطاني أي البقول (دا 1:12), هؤلاء الذين وضعوا في قلوبهم ألا ينجسوا بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه (دا: 1:8).
ونجد أن دانيال النبي يقول عن صومه لم آكل طعاما شهيا, ولم يدخل في فمي لحم ولا خمر, ولم أدهن, حتي تمت ثلاثة أسابيع أيام (دا 10:3).
وكان الطعام النباتي أكل حزقيال النبي في صومه.
وفعل ذلك بأمر إلهي, إذ قال له الرب وخذ أنت لنفسك قمحا وشعيرا وفولا وعدسا ودخنا وكرسنة (حز 4:9).
والطعام النباتي طعام خفيف, هادئ ومهدئ.
ليس فيه ثقل اللحوم, ودهونها وشحومها, بكل تأثير ذلك علي صحة الجسد. ونلاحظ أنه حتي في الحيوانات: المتوحشة منها هي آكلة اللحوم, والأليفة منها هي آكلة النباتات والمعروف أن النباتيين أكثر هدوءا في طباعهم من آكلي اللحوم.. والعجيب أن غالبية الحيوانات التي نأكلها هي من الحيوانات آكلة النباتات كالبهائم والأغنام والماعز والطيور الداجنة.
وتلك الحيوانات النباتية لم تضعف بالطعام النباتي.
بل أننا قد نصف الإنسان القوي بأن صحته كالجمل أو كالحصان, وهما نباتيان. وكانوا قديما يقيمون رياضة هي مصارعة الثيران, لإثبات القوة بمصارعة هذه الحيوانات الجبارة في قوتها, وهي نباتية. إذن أكل النبات لا يضعف الأجساد.
وقد طالت أعمار النباتيين, ومنهم المتوحدون والسواح.
كان برنارد شو الكاتب المشهور نباتيا, وقد عاش 94 سنة ولم يصبه أي مرض طوال حياته… وما أكثر النباتين الذين طالت أعمارهم.