أنطون سيدهم ومشوار وطني
نشر بتاريخ: 31/1/1993
تأخر الإصلاح الاقتصادي, وعندما أصبح لابد منه لمستقبل مصر والأجيال القادمة أصبح العلاج مرا وقاسيا, وكنا نظن أن الطبقات المتيسرة ستتحمل القسط الأكبر من أعبائه, ولكن جاءت النتائج علي عكس ما كنا نتوقع, وها هي الطبقات الفقيرة المطحونة تئن من أوجاع هذه الإصلاحات والأعباء الثقال, فللأسف الشديد فإن الحكومة التي وعدت أن تكون الاجراءات التي ستتخذها بعيدة علي قدر الإمكان من التأثير علي الطبقات الفقيرة, فإن ما حدث فعلا أن هذه الجماهير التعبانة أصلا قد أصابها الجرم الأكبر من فاتورة هذا الاصلاح الثقيل.
أن رفع الدعم أو تخفيضه علي الدقيق جعل سعر رغيف الخبز يرتفع بشكل عنيف أثر تأثيرا سيئا علي حياة الطبقات الفقيرة, فقد أصبح الخبز بندا يستوعب أغلب دخلها, كما أن حرية التعامل في بعض المواد الأخري التي كانت مدعومة أخذت تؤثر تأثيرا فعالا علي ميزانية الأسر, وقد أثر هذا علي استهلاكها من المواد الأخري والضرورية, مما عرضها إلي الضعف والهزال وجعل أبناءها عرضة لأي مرض وافد. أما باقي المواد الغذائية الأخري فقد أخذت في الارتفاع الجنوني سواء كان بسبب رفع الدعم عن الأسمدة والمبيدات الحشرية أو بسبب ارتفاع تكاليف الزراعة الأخري كالطاقة, وكذا وقود سيارات النقل الذي حركته الحكومة عدة مرات في سنة .1992 وبذا فقد استوعبت المواد الغذائية اللازمة لكل أسرة كل دخلها تقريبا.
أصبحت عائلات كثيرة من الطبقة العاملة في حالة من الفقر المدقع حتي أنها لا تجد ما تصرفه علي كساء أولادها, وقد أدي هذا إلي حالة ركود دائمة في المحال التجارية تتساوي فيها المواسم مع الأيام العادية, لقد أصبح عاديا جدا أن تتطلع إلي المحال التجارية فتجدها خالية من العملاء وليس هناك من يشتري منها شيئا. وخاصة أن المصانع المختلفة سواء كانت قطاع عام أو قطاع خاص قد رفعت أسعار منتجاتها بسبب زيادة التكاليف المختلفة.
إن قيام هيئات الخدمات التابعة للدولة كالكهرباء والمياه والتليفونات بزيادة أسعارها زيادات كبيرة متتالية بمقولة أنه لتغطية تكاليف هذه الهيئات جعل تلك الخدمات عبئا قاسيا ليس علي الطبقات الفقيرة فقط بل وعلي الطبقات المتوسطة أيضا, وفي الواقع فإن ارتفاع تكاليف هذه الخدمات ناشئ عن الاهمال والاستهتار والتسيب في إدارة هذه القطاعات مما رفع التكاليف ارتفاعا كبيرا, ومعني هذا أن المستهلك الغلبان عليه أن يتحمل هو هذه المساوئ في الإدارات الحكومية وأنفه في الرغام والذي تفرضه عليه بالتهديد بإيقاف هذه الخدمات الضرورية عنه إذا تأخر في سداد ما عليه من فوايتر باهظة القيمة بدون وجه حق, وهذا هو استغلال الهيئات الحكومية للجمهور.
أما ضريبة المبيعات التي طبقت في العام الماضي فقد جاءت ضغثا علي ابالة, وزادت العناء علي الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تئن من الغلاء, إذ أنها ضريبة غير مباشرة والتي يسمونها ضريبة عمياء تصيب كل أفراد الشعب بدون تفرقة بين الفقراء والأغنياء, ومن المؤسف حقا أنها تطبق حتي علي الأدوية, التي سبق أن أرتفعت أسعارها لرفع الدعم عنها, فجاءت هذه الضريبة لتجعل تكاليف العلاج مستحيلة علي أفراد الشعب الفقراء بل وصعبة الاحتمال علي الطبقات المتوسطة, أما القول بأن أسعار الأدوية أرخص منها في الخارج فهو قول غير صحيح ولي تجربة معها, فهناك من الأدوية الخاصة بعلاج ضغط الدم وأسعار شرائها من سويسرا أرخص منه في القاهرة علما بأن نفس النوع يتم تصنيعه بإحدي الشركات الحكومية بتصريح من الشركة الأصلية ويباع بثمن أعلي مما في الخارج. هذه الضريبة يجب أن ترفع عن الأدوية رحمة بالمرضي.
نرجو من الحكومة أن تتأني في تطبيق وسائل الإصلاح الاقتصادي لأن الشعب لم يعد يحتمل أي زيادة أخري في تكاليف المعيشة.