أنطون سيدهم .. والقضايا الاقتصادية
تدور الأحاديث والكتابات الآن حول الإصلاح الاقتصادي بمناسبة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي واجتماع نادي باريس لتخفيض ديون مصر وجدولتها مع إعطاء فترة سماح لمصر تربو علي الخمس سنوات, كل ذلك بعد مباحثات ومفاوضات استمرات لسنوات طويلة تعثرت في الكثير من مراحلها, حتي قامت أزمة الخليج ووقفت مصر فيها موقفا قويا ومشرفا مع الشرعية والحق مما رفع أسهمها في المجتمع الدولي وخصوصا بين الدول الغربية, التي ساندتها في مفاوضاتها الأخيرة مع صندوق النقد الدولي, مما أدي إلي قبوله أن تقوم مصر بالإصلاح الاقتصادي علي مراحل نظرا للظروف الاجتماعية التي تمر بها.
والسؤال.. هل حقا ستعمل الحكومة المصرية بجدية وعزم علي إصلاح الاقتصاد المتعثر؟.. حتي الآن لم يتضح مسار هذا الإصلاح, واقتصر الأمر علي تحريك الأسعار في جميع مناحي الحياة, ورفع أسعار الفائدة, وتوحيد سعر الصرف صوريا, إذ مازال هناك سعران للصرف أحدهما سعر السوق الأولية والبنك المركزي هو الذي يحدده, وسعر السوق الحرة أسميا والذي يجب ألا يزيد عن 50% عن سعر السوق الأولية أي أن البنك المركزي يمسك بزمام أسعار العملات, وليس هناك أية حرية لها.
إذا كانت الحكومة تظن أنه فيما قامت به إصلاحا للاقتصاد فإنها مخطئة كل الخطأ, فإن الإصلاح الاقتصادي الذي يمكن أن يرتفع بمصر من تدهورها ودخولها ضمن الدول النامية ثم إلي مصاف الدول المتقدمة والتي كان يجب أن تكون بينهم الآن لولا السياسات الخاطئة والمتخبطة التي أتبعتها حكومات الثورة منذ سنة 1952.. هذا الإصلاح الاقتصادي سنده الأساسي يا سادة هو استثمار التصدير, نعم الاستثمار المبني علي أسس سليمة وقوية, وهو القادر علي زيادة حصيلة مصر من العملات الصعبة, وبالتالي تغطية العجز في ميزان المدفوعات, ورفع عبء استيراد غذاء الشعب واحتياجات البلاد بديون جديدة تثقل علي عاتق مصر, كما أنه العلاج الوحيد لأزمة البطالة الخانقة التي تمر بها البلاد والتي يقدرونها بنسبة 25% من القوي العاملة. حقا, فإن الاستثمار هو الذي يخرج البلاد من موجة التضخم البشعة التي تزداد عاما بعد عام.
إن الإصلاح الاقتصادي يقف في طريقه الكثير من العقبات التي يجب علي الحكومة إزاحتها والقضاء عليها, وأهم هذه العقبات:
* إصلاح التعليم الذي يسير من سيء إلي أسوأ في جميع مناحيه سواء بالنسبة لمباني المدارس المتهرئة, أو كفاءة المدرس, أو البرامج المكدسة بمواد لا فائدة منها والتي يرهق الالب بدراستها بدون جدوي. لذا يجب القيام بإصلاح شامل في جميع هذه المناحي حتي تعطي البلاد شبابا قادرا علي السير بالتنمية وخدمتها.
* إلغاء الكثير من القوانين وتعديل البعض الآخر منها لتسهيل سير الأمور, إذ من المستحيل علي المستثمر الإلمام بها وبلوائحها التنفيذية وتفسيراتها المختلفة التي أصبحت غابة يتوه فيها المواطن.
* تعديل قانون العمل تعديلا جذريا بحيث يعطي العامل المجد حقه تماما مكافأة له علي جهده في إنجاح الإنتاج, كما يعاقب العامل المسيئ علي تقصيره وإهماله وما يسببه للإنتاج من تأخر.
* دراسة نظام الضرائب.. ويا حبذا لو نفذ قانون الضريبة الموحدة وبنسبة معقولة. وإنني أؤكد أن حصيلة الضرائب ستزداد لإقدام المستثمرين علي إنشاء المشروعات. إذ أنه من أهم أسباب تفضيل المواطنين إدخار أموالهم بالبنوك وعدم استثمارها في مشروعات جديدة هو نظام الضرائب الحالي الذي لا يترك لهم إلا الفتات, بينما أن فائدة الإدخار بالبنوك مرتفعة وتعفيهم من عناء الاستثمار ومشاكله الكثيرة.
* العمل علي إنهاء النظام البيروقراطي المسيطر علي جميع أجهزة الدولة والمعرقل لكل نشاط.
فإذا لم تعمل الحكومة علي القيام بهذه الخطوات وبأسرع ما يمكن فلا جدوي من أي إصلاح اقتصادي تقوم به ولن يكون هناك أي استثمار مجد في البلاد.