في آخر حوار أجريته مع العلامة والفيلسوف المعاصر القريب بكتاباته وفلسفته إلي قلبي الدكتور مراد وهبة العام الماضي مع زميلاتي الأعزاء وقد نشر الحوار في هذا المكان ضمن سلسلة محاكمة رواد الفكر كان الدكتور وهبة يتحدث وبكل إصرار علي ضرورة إعمال العقل وتشغيل الفكر واستخدام المخ في التعليم وهو ما ينادي به بأستمرار في مقالاته التي يمتعنا بها كل شهر في صفحة الرأي بجريدتنا الموقرة.
وحيث إننا نعاني اليوم من أجيال تربت وتعلمت علي مبدأ الحفظ والتلقين وهو ما نتج عنه مواطنين ـ يؤسفني أن أصفهم بالقطيع ـ أو مواطين منساقين منقادين لا يحاولون أن يفكروا ولو قليلا في أقل المواقف وأقل الأمور, بل ينفذون ما يملي عليهم من أوامر عليا, والنتيجة أن كثيرا منهم كانوا عرضة لتيارات فكرية متطرفة استطاعت استجلابهم واستقطابهم لحظيرتهم العفنة المليئة بالإرهاب والسيطرة.
وحيث إنني دائما أنظر إلي نصف الكوب المليان فقد لاحظت سعي وزارة التربية والتعليم في محاولة ـ أعتقد أنها نقطة البداية ـ لتغيير منظومة التعليم تعتمد علي التفكير وإعمال العقل وذلك من خلال امتحانات الأوبن بوك أو الكتاب المفتوح واستخدام أجهزة التابلت في المنظومة التعليمية ووجود منصة معلوماتية يجد بها الطالب كل المعلومات التي قد يحتاجها وما إلي ذلك من أفكار متطورة قيد التنفيذ, وبهذه الأمور فإن الطالب لم يعد مطالبا بحفظ الكتاب المدرسي أو ملزمة مدرسي الدروس الخصوصية, فها هو الكتاب بين يديه والمراجع معه داخل الامتحان وعليه أن يفكر ما عسي أن تكون إجابة السؤال وليطلق لفكره العنان ويبدع.. نعم سوف يبدع بفكره وأسلوبه وليس نقلا بالحرف الواحد من الكتاب.
أكرر كلامي فيما يتعلق بالمتشائمين الذين يركزون دائما علي النقد الهادم الدائم عمال علي بطال وهم نفس الأشخاص الذين يهرولون علي الدروس الخصوصية ويدفعون دم قلوبهم من أجل الحصول علي درجات عالية, بالطبع كلما كان الطفل الحفظ بشكل أفضل كلما كانت الدرجات أعلي, ولا عزاء هنا للطلاب الذين لا يجيدون الحف ولكن لديهم مهارات أخري كالفن والإبداع والابتكار, فهناك مجالات عديدة نريد أن نكتشف فيها أبناءنا لنوظفهم في مجالهم لكي ننتفع بهم في المستقبل حتي لو كان تعليما فنيا أو أي مهارات أخري.
وربما الإعلان عن تدشين جائزة الدولة للمبدع الصغير في دورتها الأولي عام 2021 والتي تتم إدارتها من خلال المجلس الأعلي للثقافة وتحت رعاية, قرينة رئيس الجمهورية, خير دليل علي أن البلد تعيد النظر في الاستثمار في النشء في أطفال مصر وتدعوهم للإبداع وإعمال العقل.
وأذكر أن مصر أول دولة عربية وأفريقية تقوم بإطلاق جائزة مخصصة للطفل, حيث تهدف الجائزة للاكتشاف المبكر للمواهب الصغيرة وتحفيز الطاقات الإبداعية في مجالات الثقافة والآداب والفنون والابتكار, وذلك ضمن الأهداف الاستراتيجية العامة للدولة, والتي تعمل علي بناء الإنسان المصري وترسيخ هويته من خلال خلق آليات مؤسسية تعمل علي تشجيع الأطفال علي القراءة والكتابة والإبداع والابتكار, لتحقيق الريادة الثقافية لمصر.