في مثل هذا اليوم 17 مارس 2012، تنيح قداسة البابا شنوده الثالث البطريرك 117 في عداد بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ولد في 3 أغسطس 1923، باسم نظير جيد روفائيل، في قرية سَلاَّم بأسيوط، واجتاز مراحلة التعليمية الأولى فى دمنهور والإسكندرية وأسيوط وبنها، وأتم دراسته الثانوية بمدرسة الإيمان الثانوية بجزيرة بدران بشبرا مصر، في سنة 1939 بدأ خدمته فى مدارس التربية الكنسية بكنيسة العذراء بمهمشة بالقاهرة، أتقَنَ الشعر منذ عام 1939، وكتب كثيرًا من القصائد الشعرية، وفي سنة 1946 بدأ خدمته بكنيسة القديس الأنبا أنطونيوس بشبرا مصر، وفى سنة 1946 التحق بالكلية الإكليريكية وتخرج بها سنة 1949، وفي سنة 1947 حصل على ليسـانس الآداب قسـم التـاريــــخ من كـلية الآداب بجامعـة فـؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا)، التحق بالقوات المسلحة – مدرسة المشاة – وكان أول الخريجين من الضباط الاحتياط سنة 1947، وعمل ف مجال التدريس، عمِلَ مُدَرِسًا للغة الإنجليزية والعربية، في إحدى المدارس الأجنبية، تخرَّج في الكلية الإكليريكية “القسم المسائي” سنة 1949، وكان الأول على الخريجين – فعُيِّنِ مُدرّسًا للتدريس بالإكليريكية.
في سنة 1949 تَكَرَّسَ للخدمة في الكلية الإكليريكية وبيت مدارس الأحد في روض الفرج بشبرا، وتولى رئاسة تحرير مجلة مدارس الأحد. (في اكتوبر 1949) إلى وقت رهبنته (في يوليو 1954)، وفى 18 يوليو 1954 ترهب بدير السيدة العذراء (السريان) بوادي النطرون باسم: الراهب أنطونيـوس السريانى، وصار أمينا لمكتبة دير السريان.
ومن عام 1956 إلى عام 1962 عاش حياة الوحدة ف مغار تبعد حوالى 12 كيلومتر عن مبني الدير، مكرسًا فيها كل وقته للتأمل والصلاة، تمت سـيامته قساً يوم الأحد 31 أغسطس 1958 بيد أنبا ثاؤفيلس أسقف الدير وقتذاك، وفى يونيو 1959 اختاره القديس البابا كيرلس السادس ليكون سكرتير خاص له.
وفى فترة السكرتارية قام بوضع طقس مسحة الملوك الأرثوذكس وقد مُسحَ بعدها الإمبراطور هيلاسيلاسى كملك مسيحى بيد القديس البـــــابا كيرلس السادس .
وقام بوضع طقس رسامة جاثليق لإثيوبيا، وقام بتحضير وكتابة مذكرة خاصة للأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس ، عُرفت بمذكرة البـــــابا كيرلس للأحوال الشخصية، في 30 سبتمبر 1962 تمت سيامته بيد البابا كيرلس السادس، أول أسقف للتعليم والكلية الإكليريكية والمعاهد الدينية، باسم الأنبا شنوده في 30 سبتمبر 1962، بدء بالتدريس في الكلية الأكليريكية بنفسه وفتح القسم المسائي أمام الجامعيين وقبل بها الفتيات.
أسس اجتماعات روحية للوعظ والتعليم بمنطقة دير الأنبا رويس بالعباسية، واستمر فيها حتى نياحته سنة 2012، وفى يناير 1965 أصدر العدد الأول من مجلة “الكرازة”، واستمر في تحريرها حتى نياحته سنة 2012 وأكمل المسيرة من بعده قداسة البابا تواضروس الثاني في إصدارها، وفى سنة 1966 أصبح عضوًا بنقابة الصحفيين.
بعد نياحة الباباكيرلس السادس يوم 9 مارس 1971، تم تزكيته من المجمع المقدس بكامله للجلوس على الكرسى البابوي، وأجريت الإنتخابات حسب اللأئحة التى انتخب بها البـــــابا كيرلس السادس ( وعرفت بلائحة ٥٧ ) وكان الأنبا شنوده ضمن الثلاثة [ الأنبا صموئيل اسقف الخدمات – الأنبا شنوده اسقف التعليم – الراهب القمص تيموثاوس المقارى ] الذين اختيروا بالانتخاب يوم 26 أكتوبر 1971، وفى يوم الأحد 31 أكتوبر 1971 اختارته السماء بالقرعة الهيكلية، وفى يوم الأحد 14 نوفمبر 1971 تم تتويجه وتجليسه على الكرس البابوي. البابا 117 للكرازة المرقسية.
من أول يوم اهتم بالوعظ وتعليم الشعب ورعايته، ورسامة الأساقفة لانتشار الرعاية ونهض بالإديرة والرهبنة الأكليريكيات والمعاهد الدينية العليا. امتدت الكلية الإكليريكية في عهده، وأصبح لها 16 فرعًا في مصر وخارجها، وفي سنة 1973م أحضر إلى مصر رفات القديس أثناسيوس الرسولى، وأسس معهد الرعاية والتربية 1974، ومعهد الكتاب المقدس سنة 1974، وفى 1976 تأسست أسقفية عامة لشئون أفريقيا، وفى 25 مايو 1980 أسس أسقفية لخدمة الشباب، وصدرت في عهده بعض اللوائح المنظمة للعمل الكنسى، منها أهمها: لائحة المجمع المقدس (1985) وعند كتابة البند الخاص بالبابا البطريرك فى لائحة المجمع ترك قداسته جلسة المجمع ليترك الحرية للأباء المطارنة والأساقفة ليكتبوا هذا البند وهم فى حرية كاملة.
فى يناير 1991 اختير رئيساً لمجلس الكنائس العالم عن الأرثوذكس الشرقيون لأكثر من دورة ، وقام بإبرام العديد من الاتفاقيات المسكونية، والمؤتمرات واللقاءات والحوارات اللاهوتية والمسكونية، وفى 8 نوفمبر 1994 اختير رئيسـاً لمجلس كنائس الشرق الأوسط عن عائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية وتجدد انتخابه لمرة ثانية سنة 1998، ولمرة ثالثة 2003، وفى 1995 تأسست أسقفية للكرازة، ومؤسسة مار مرقس لدراسات التاريــــخ القبطى (1998)، 1996 اهتم بخدمة الفقراء ورئس بنفسه اجتماع لجنة البر لرعاية المحتاجين كل اسبوع بالقاهرة والاسكندرية حتي يوم نياحته ونشر وشجع فكر انتشارها في كل الابروشيات.
قام بعـدد 104 رحلة خارج مصر لأهداف رعوية ومسكونية للعديد من الدول وفى قارات أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وأستراليا، وقام بسيامة أول بطريرك لإريتريا وهو أبونا فيلبس الأول 1998، كما قام بسيامة أبونا أنطونيوس الأول بطريرك ًا لإريتريا 2004، وقام بسـيامة 117 مطرانا وأسقفا وخورى ايبسكوبوس، وكذلك سيامة 1001 كاهن للقاهرة والاسكندرية وبلاد المهجر، وقام بعمل الـميرون المقـدس سبع مرات، منهم مرة لكنيسة إريتريا بأريتريا.
تم انشاء المقر البابوي بمنطقة الأنبا رويس بالعباسية وافتتحه يناير 1985، وتأسست فى عهده مراكز ومؤسسات علمية وثقافية، منها: مؤسسة مار مرقس لدراسات التاريــــخ القبطى (1998)، مركز البابا شنودة للتنظيم وتكنولوجيا المعلومات (15 نوفمبر 2000)، المركز الثقافى القبطى الأرثوذكس (2008)، وانطلقت في عهده قنوات فضائية قبطية : قناة آغابى (2005)،
وقناة CTV (2007)، وقناة لوجوس (2010)، وقناة مار مرقس مى سات (2011) .
نَمَتْ الكنيسة القبطية في عهده، داخل مصر وخارجها؛ في كل قارات العالم: أفريقيا وآسيا وأوروبا وأستراليا والأمريكتين: الشمالية والجنوبية. وأسس إيبارشيات جديدة. واذداد في عهده عدد الكنائس القبطية فى أوربا وأمريكا واستراليا من 7 كنائس، الي عند نياحته أصبح العدد 450 كنيسة.. حصل على الإعتراف بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى كل دول العالم ، كل دولة حسب قانونها وذلك من داخل البرلمان الخاص بكل دولة.
بالرغم ًمن مسؤولياته العديدة والمتنوعة إلا أنه كان يقضى ثلاثة أيام أسبوعيا فى الدير، ولحب قداسته لحياة الرهبنة أدى إلى انتعاشها فى الكنيسة القبطية ، حيث تم فى عهده سيامة المئات من الرهبان والراهبات وإنشاء العديد من الأديرة القبطية داخل وخارج مصر .
وقام قداسته بافتقاد إيبارشيات مصر والخارج عدة مرات، وكذلك افتقاد كنائس مصر وبلاد المهجر، وافتقاد الأديرة داخل مصر وخارجها.
اهتم بخدمة المرأة؛ وقام بتشكيل لجنة المرأة، وسمح للمرأة بالدراسة بالكلية الإكليريكية والمعاهد الدينية، وقام بتعيينها مدرسًا بالكلية الإكليريكية (والمعاهد الدينية لتدريس علم اللاهوت)، وسمح لها بعضوية المجلس الملي، وعضوية مجالس الكنائس.
وكانت له مواقف وطنية كثيرة و منها: مساندة القضية الفلسطينية، وقضية القدس، ومساندة الوطن خلال حرب 6 أكتوبر 1973، واستطاع أن يعبر بالكنيسة إلى بر الأمان أثناء القرارات التى أصدرها الرئيس أنور السادات فى 5 سبتمبر 1981 ومنها قرار الغاء تعيينه بابا للإسكندرية، نفيه عن كرسيه وأقامته الجبرية بالمقر البابوي بدير القديس الأنبا بيشوي بوادى النطرون لمدة أربعين شهراً وعاد إلى مقر كرسيهِ فى يناير 1985.
ومؤلفاته يبلغ عددها حوالى 150 كتابا، وتشمل العديد من المجالات الروحية واللاهوتية والعقائدية وغيرها ، وتمت ترجمة العديد من مؤلفاته إلى لغات متعددة، كما كانت له مقالات: بمجلة الكرازة، وجريدة وطنى، وجريدة الأهرام ، وجريدة الجمهورية، وجريدة أخبار اليوم، ومقالات أخرى بمجلة الهلال، وله حوالى 20 قصيدة روحية غالبيتها تحولت الى ترانيم فى الكنيسة إلى جـانب العديد من أبيـات الشعر، وغيرها .
واجه البابا شنودة البدع والتعاليم المنحرفة وقد وقف أمام هذه التعاليم بكل قوة وراح يفند هذه البدع، ويشرح إيمان الكنيسة سواء في محاضراته في الكلية الاكليركية أو من خلال كتبه التي كان يرد فيها على التعاليم الغريبة.
حصل على عدد تسع شهادات دكتوراه فخرية من كبرى جامعات العالم فى أوروبا وأمريكا وأستراليا، حصل على العديد من الجوائز مثل؛ جائزة أفضل واعظ ومعلم للدين المسيحي في العالم 1978 من مؤسسة Browning الأمريكية، وجائزة أوجوسبورج الألمانية للسلام. كما حصل على وسام الصليب الأكبر للقديس أغناطيوس من الكنيسة السريانية.
تميزت حياته الروحانية والتقوي والمحافظة علي الإيمان والرعاية والتعليم والصفح عن المخطئين وتنيح قداسة البابا شنوده الثالث مساء السبت 17 مارس 2012، وتم صلاة الجناز على جسده الطاهر يوم الثلاثاء 20 مارس 2012، وسط حضور العديد من ممثلى الكنائس من كل العالم ورجال السياسة وكانت جنازة قداسته مهيبة وعظيمة، حضرها أكثر من اثنين ونصف مليون شخص من الشعب المسيحي و من المسلمين بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية بالقاهرة، ودفن بمدفن خاص بدير القديس الأنبا بيشوي.
فجلس على الكرسي البطريركى لمدة 40 سنة و4 أشهر و3 أيام وبهذا يُعد هو السابع من البابوات من حيث طول مدة الجلوس على الكرس المرقس، وعاش 88 سنة و 7 أشهر و 14 يوم.
رحلة طويلة.. وإن مات يتكلم بعد