امبارح جت لي مكالمة من صديق قديم وفي الحقيقة العلاقة اللي كانت بتربطنا كانت عائلية. اخواته الكبار كانوا أصدقاء إخواتي والآباء يعرفوا بعض وكمان الأمهات كانوا بيتزاوروا كتير خصوصاً لإننا كنا جيران ومعرفة قديمة. بس أنا محفور في دماغي علاقة أمي مع العمة. الست الطيبة القديسة اللي بالرغم من إنها ماتجوزيتش لكن بيتها كان مليان محبة ومفتوح للغلابة المحتاجين مساعدة ولستات كتير كانوا يروحوا يصلوا فيه معاها. الصديق ده كان دعاني قريب لاجتماع بيتعمل كل فترة علشان نحكي مع بعض في إزاي أقضي خلوتي اليومية مع ابويا السماوي. وامبارح وهو بيكلمني علشان نتفق على اجتماع جاي، حكى لي قصة هو مش ناسيها عن أمي والصراحة كنت أول مرة أسمعها عنها مع إنها راحت السما من ٣٥ سنة بعد ما جالها ڤيروس غريب في النخاع سابها مشلول كام سنة ماسمعناهاش فيها مرة بتشتكي ولا تتذمر لحد ما رحلت. كانت عيلة الصديق ده ساكنة في شقة فاخرة في الدور الأول وفي الجنب التاني من الدور كانت ساكنة عمته القديسة صديقة أمي الحميمة. وفي يوم كان خارج من باب بيتهم وشاف أمي طالعة على السلم فعزم عليها إنها تدخل عندهم لكن أمي اعتذرت وقالت له “شكراً. أنا رايحة الناحية التانية.” ودخلت فعلاً عند عمته وهو بعد شوية سمع أصوات خارجة من شقة عمته وفضوله خلاه يروح يشوف إيه الأصوات دي فلقى ستات كتير منهم عمته وأمي ساجدين على ركبهم ودموع غزيرة نازلة من عينيهم وأصوات غريبة هو ماكانش فاهمها خارجة من أفواههم. بيحكيلي امبارح مشاعره وهو لسه صغير؛ إيه اللي يخلي أمي ترفض دعوته للدخول للشقة الفاخرة بتاعتهم علشان تروح لشقة بسيطة متواضعة وكل اللي بيتعمل فيها هو السجود والصلاة بدموع وتسبيح؟ ومش ناسي الجملة اللي قالتهاله أمي “شكراً حبيبي. أنا رايحة الناحية التانية.”
ومن نهاية المكالمة لدلوقت شريط من الذكريات مافارقش ذهني عن أمي. أصلها فعلاً كانت في “حتة تانية.” ماكنش في في حياتها غير بيتها وجوزها وولادها الستة. تصحى بدري قبل الكل وكنا كأطفال نسمع صلواتها اللي بدموع قبل ما نقوم من سرايرنا. وبعدها تفضل طول اليوم بتهتم بشئوننا وشئون بيتها. لا خروج ولا shopping ولا أي اهتمامات تاني قادرة افتكرهالها. الحاجة الوحيدة اللي افتكر انها كانت بتعملها لنفسها كنوع من الترفيه، وكانت أحياناً تاخدني أنا واختي اللي اصغر مني بسنة معاها، هي إنها تتمشى لجارة تانية قريبة وبرضه بعد التحيات والسلامات المختصرة، يركعوا ويسبحوا بأصوات رخيمة ما بتروحش من ذهني رغم مرور السنين دي كلها وبعدين يصلوا بدموع فترات طويلة وبعدها نقوم نروَّح.
والنهاردة واحنا بنحتفل بعيد الأم نفسي أشكر ربنا على أمي وأشهد قدام الناس كلها عن الميراث الغالي اللي سابتهولنا. مش فاكرة إنها طلبت مننا نعمل زيها، لكن اللي شفناها بتعمله علمنا درس عمرنا؛ لما تكون فرحان، صلي. لما تكون حيران صلي. لما مايكونش عندك حد تحكي معاه، صلي. لما يكون عندك مشكلة كبيرة، أو حتى صغيرة، صلي. لما تكون قلقان على ولادك وخايف عليهم وشايفهم ملهيين في دنيتهم ومش سامعين نصيحتك، صلي. لما تكون موجوع أو بتعاني في علاقاتك، صلي. صلي. صلي.
والنهاردة برضه وأنا بابص على حياتي وحياة إخواتي شايفة ثمر صلواتها وسجودها وتضرعاتها. وعايزة أشهد قدام العالم كله أد إيه ممنونة لأمي الجميلة اللي علمتني، من غير كلام، درس عمري.
“وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلَا يُمَلَّ ،” (لوقا ١:١٨).
“لَا تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِٱلصَّلَاةِ وَٱلدُّعَاءِ مَعَ ٱلشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى ٱللهِ.” (فيليبي ٦:٤).