ينبغي ألا نخلط بين القراءة كفن, والقراءة كعملية آلية نتعرف فيها علي الحروف والكلمات, فالكتاب, مثله مثل أشياء أخري كثيرة, ليس إلا مجرد وسيلة إلي غاية نسعي إليها.
فربما لا تكون القراءة أكثر من عملية تسلية وترويح عن النفس, أو قد تكون مصدرا للمعلومات عن طريق القراءة السريعة مثل مطالعة الصحف. أو قد تكون مصدرا للتعليم والتعلم والتعبير عما نتعلمه. وعندما نتحدث عن الكتب والمكتبات, يجب أن ينصرف اهتمامنا أساسا إلي هذا النوع الأخير من القراءة المنتجة.
إن القراءة كفن تقتضي ممن يمارسونها قدرة زائدة علي أن يقرأوا بتمييز وبعقل مدرك باحث.. قراءة تجعل العقل يستجيب استجابة دقيقة واعية واضحة لتأثير الكلام المطبوع. والسبيل إلي خلق مجتمع من القراءة من هذا النوع, لابد أن يبدأ من الأطفال.
إن كل طفل ينبغي أن تتاح له فرصة الاحتكاك بالكتب, وأن يقرأ لكي يتعرف علي شيء من الخبرات التي يعبر عنها الأدب, ولكي يتصل بحياة الآخرين ويعيشها بخياله, ولكي يكتسب مجموعة من القيم تجعله يقف في ثبات في العالم الأوسع الذي ينبغي أن يعيش فيه, ولكي يستمتع بالإضافة إلي كل ما سبق, بما هو مكتوب.
إن معظم الأطفال لديهم استعداد للقراءة. وما علي المربي إلا أن يهيئ لهم الكتب الملائمة لسنهم ويجعلها في متناولهم. وعدد كبير من الأطفال الذين يمكن أن يشغفوا من تلقاء أنفسهم بالقراءة, سوف يفعلون ذلك لو تلقوا العون في الوقت المناسب. وكثير من الأطفال الذين لا يقرأون من تلقاء أنفسهم, إنما يكون ذلك بسبب أن الكبار المحيطين بهم لم يقدموا لهم الدوافع اللازمة لذلك, ومن أهمها, وجود الكتاب في متناول أيديهم.
إننا إذا كنا ننشئ المدارس في كل مكان, فإن هذه المدارس لن تؤدي مهمتها علي الوجه الأكمل, ما لم يتوافر لتلاميذها خدمة مكتبية, تعينهم علي النهوض برسالة المدرسة التي لم تعد مقصورة علي التعليم, إنما تتعداه إلي التثقيف.
وإذا أخذنا في افتتاح المكتبات, فإن علينا أن نتخذ من الوسائل والطرق ما نراه كفيلا بازدياد استخدام الأفراد لكتبها. إن للمكتبة شخصيتها المميزة, فإنها لا تتعامل فقط مع الأطفال الذين لديهم شغف بالقراءة, لكنها يجب أن تتعامل كذلك مع الأطفال الذين يقرأون بصعوبة.
وليس هناك غرض من الأغراض التثقيفية أهم من توجيه الأطفال إلي الكتب, حتي تنشأ بين الأطفال منذ حداثتهم وبين الكتب صلة دائمة سعيدة. وليست مهمة الوالدين أو المدرسين مقصورة علي تعليم الأطفال كيف يقرأون, بل الأهم من ذلك جذبهم إلي القراءة والكتب.
ولا أهمية لكثرة ما ينشر من كتب الأطفال ما لم تصل إلي أيدي الطفل. وتواجه الآباء والمعلمين اليوم مسألة من أهم المسائل, هي كيف يجمعون بين عالم الأطفال وعالم الكتب, فالكتب تكلف نقودا, ولا يستطيع شراء الكثير منها إلا عدد قليل من الأطفال. وكثير من الأسر تعيش بعيدا عن مكتبات بيع الكتب, أو بعيدا عن المكتبة العامة, فلا تستطيع إفادة أطفالها لا عن طريق الشراء ولا عن طريق الاستعارة.
هذا في حين أن أهم عامل في تكوين الاهتمام بالكتب وتنمية عادة القراءة, هو سهولة الوصول إلي الكتب. والطفل الذي يجد صعوبة في الحصول علي الكتب, لن يقرأ إلا القليل, وبذلك تبقي ميادين خبرته بالقراءة واهتمامه بها محدودة.
أما الطفل الذي يكون له اتصال دائم بالكتب القيمة, فقد تهيأت له الفرصة لأن يجد في القراءة وسيلة من أهم وسائل النمو, واكتساب المعرفة, والترويح عن النفس.
ومتي أصبحت القراءة عادة, فإن الألفة مع الكتب تؤدي إلي ذلك النمط من المشاركة الذي قال عنه أحد كبار المفكرين: إنه عندما ينتقي الإنسان كتابا, يأمل أن يجد فيه صديقا يدخل قلبه ويتجاوب معه.
إننا عندما نقرأ, نمر بكثير من الخبرات التي نتهيب أن نخبرها بأنفسنا. هذه القراءات تجعلنا نحلق في عالم هو مزيج من الفكر والأحلام, فتصبح حياتنا أكثر ثراء وبهجة, وقد نتوصل من خلال هذه القراءات إلي أسلوب في الحياة يجعلنا أكثر قدرة علي مواجهة المشكلات التي تعترضنا.
وتنمية عادة القراءة لا بد أن تبدأ في البيت, منذ السنوات الأولي من حياة الطفل. ومن الوسائل المهمة التي تلجأ إليها الأسرة لتنمية علاقة أطفالها بالكتب, أن تنشئ لهم مكتبة خاصة, يحفظون فيها كتبهم, فتشجع فيهم الفخر بامتلاك الكتب, كما تعودهم كيف يحافظون علي الكتب وكيف يعاملونها باحترام. إن مكتبة الناشئ في البيت قد تكون صغيرة, وقد تكون عبارة عن رف واحد أو صندوق واحد, لكنها ملك له, تساهم في تكوين كثير من اتجاهاته نحو الكتاب.
فإذا انتقلنا إلي المدرسة الابتدائية, فإن كثيرا من الأطفال الملتحقين بها لن يجدوا لهم موردا غير المدرسة يحصلون منها علي الكتب بانتظام. لهذا ينبغي أن يكون لكل مدرسة مهما كان حجمها, مكتبة خاصة أو مجموعة من الكتب تستخدم في غرف الدراسة.
فإذا وجدت المكتبة, فإن علينا أن نجعل منها وسيلة تربوية, تعاون علي تخريج شباب أسوياء الشخصية, متطلعين إلي المعرفة. إن أهم أهداف المكتبة هو جذب الأطفال لاستخدام ما بها من كتب, خاصة هؤلاء الذين لم تتح لهم بيئاتهم أو أسرهم أن يتزودوا بالخبرات اللازمة للاستعداد أو التهيؤ للقراءة, وهذا يقتضي من المكتبة أن تلجأ إلي أساليب وطرق متعددة تجذب الأطفال إلي الكتاب, وتحبب إليهم المطالعة.