استأنف مركز “بى لمباس” برئاسة نيافة الأنبا مارتيروس أسقف شرق السكة الحديد، اعماله بعد توقف فترة بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، بمحاضرة للباحث ملاك نصحى مفتش اثار بقطاع الاثار الإسلامية والقبطية واليهودية بوزارة السياحة والآثار والمدرس المساعد بمعهد الدراسات القبطية والباحث بمؤسسة سان مارك لتوثيق التراث القبطى، تحت عنوان “مقدمة فى التقاويم فلكيا واثريا”، وذلك بمقر نيافة الانبا مارتيروس بكنيسة السيدة العذراء بمهمشة، حيث بدء اللقاء بصلاة افتتاحية ثم قام الاستاذ اشرف موريس منسق اللقاءات بالترحيب بالحضور الكريم وتقديم الاستاذ الباحث ملاك نصحى فى نبذة مختصرة.
وفى بداية المحاضرة قام الباحث ملاك نصحى بالقاء مقدمة عامة عن علوم التقاويم من خلال دراسة مدققة اعدها ضمن رسالة الماجستير الخاصة بة والذى اجازها بامتياز لأغلب التقاويم التي عرفتها الإنسانية منذ مصر القديمة وحتى اليوم، واوضح انة لاغنى عن هذة المعلومات في دراسة الآثار والمخطوطات القديمة
وأوضح الباحث ملاك نصحى انة منذ بدء تاريخ البشرية كان الإنسان في احتياجٍ ضروري لتسجيل أحداث حياته الشخصية، والاقتصادية، والدينية، والسياسية، لذا فوجود التقاويم أصبح ضرورة ملحة لوجود المجتمعات، وبدون التأريخ وأجهزة ضبط الوقت يكون من المستحيل تسجيل الأحداث على اختلاف أنواعها، وبدون التقاويم لن يستطيع المجتمع إنجاز مهامه اليومية، وهذا جزء من الكل، فـ “التقويم” هو أكثر بكثير من مجرد أداة نفعية لتنظيم الحياة الاجتماعية.
وأضاف الباحث ملاك نصحى ان علم التقويم (الكرونولوجي Chronology) يعتمد على تحديد الوقت والزمن وحساب الزمن بالشهور والأيام وأن نوع التقويم يحدد تقسيم الشهور وأن العام هو الوحدة الأساسية التي تحدد نوع التقويم.
فهو التسلسل الزمني للأحداث، وهذا العلم غاية في الصعوبة، وكمفهوم مشترك لوقت تدفق الأحداث البشرية، والطبيعية غالبًا ما يتم استثمار التقويم في معاني إيديولوجية تتجاوز التنظيم الزمني للمجتمع، وتتحمل في بعض الأحيان أهمية كونية، وغالبًا ما كان تصميم وحساب التقاويم القديمة إنجازًا فكريًا، وعلميًا يتضمن تقنيات حسابية، وبعض المعرفة بعلم الفلك، وبالتالي كان التقويم – في كثيرٍ من النواحي – جزءًا تأسيسيًا لما يُسمى بـ “الثقافة”، هذا بالرغم من أنه غالبًا ما يتم التقليل من التقويم باعتباره فضولًا تقنيًا، مفيدًا فقط لكتابات الكُتاب والمؤرخين القدامى بغرض تحديد التسلسل الزمني والتأريخ للأحداث المختلفة، ويتضح لنا عدم مقدرة غير المتخصصين في الدراسات الفلكية الربط بين التقاويم، وذلك لكثرة الاختلافات بينها في السنين، والشهور، والأيام، وهذا لعدم اشتراك تلك التقاويم معًا في نفس أنواع السنين قمري كانت، أو شمسي، أو نجمي، أو قمري شمسي، ولفهم تعدد واختلاف التقاويم، ومحاولة التوصل إلى توافق بين التقاويم معًا على أساس حسابي فلكي تقابلي يتطلب جهد كبير ومشقة في عملية البحث للوصول الى النتائج الصحيحة.
وعن ارتباط التقاويم بالحياة الدينية للناس اكد الباحث ملاك نصحى على ارتباط التقاويم بالحياة الدينية بصورة لا غنى عنها مثل تحديد اليوم المقدس كالسبت بالنسبة إلى اليهود، والأحد للمسيحيين، والجمعة للمسلمين؛ وأرتبطت الأعياد والمناسبات الدينية جميعها بمواقيت خاصة في التقويم المستخدم، أو في أكثر من تقويم معًا،
وفى كلمته قسم الباحث ملاك نصحى التقاويم الى عدد من المجموعات..
مجموعة التقاويم القبطية وهي التقاويم المصرية المنشأ فهى اختراع مصري صرف يعتمد على النص الكتابي وظهرخلال فترات زمنية مختلفة منها: التقويم المصري القديم وتقويم سني العالم القبطي (الخليقة) والتقويم الميلادي القبطي والتقويم الميلادي القبطي للحبشة وتقويم الشهداء القبطي وتاريخ الإنديكتيون وتقويم السنة الخراجية،
ثم مجموعة التقاويم العبرية وهي التقاويم اليهودية المنشأ، وتم دراستها هنا لإرتباط بعض الحسابات الدينية للأعياد بها، ومنها التقويم العبري السياسي والتقويم العبري الديني،
ثم مجموعة التقاويم الأرمنية واليونانية والرومانية وهي تقاويم تتبع نفس الحسابات الفلكية بها؛ كالتقويم الأرمني القديم والتقويم الأرمني القديم للعجم والتقويم الأرمني الكنائسي والتقويم الروماني لإنشاء روما والتقويم اليوناني للإسكندر،
ثم مجموعة التقاويم الميلادية وهي التي وضعت على أساس ميلاد المسيح ويوجد اختلاف بين بعضها في الحسابات الفلكية وهي: التقويم الميلادي اليوليوسي والتقويم الميلادي الأرمني والتقويم الميلادي الغريغوري،
ثم مجموعة التقاويم الهجرية والفارسية وهي التي أنتشرت في العالم العربي وما يجاوره بعد انتشار الإسلام مثل: التقويم الهجري والتقويم الفارسي (الحديث) اليزدجردي والتقويم الفارسي بعد اليزدجردي والسنة المالية العثمانية وأشار ملاك أن المسلمين في مصر استخدموا النظام الشمسي في الجباية بما يسمى السنة الخراجية وذلك في القرن السابع الميلادى.
كما القى الباحث ملاك نصحى الضوء على أنواع السنين فلكيًا وحدد خمسة أنواع من التقاويم هى:
– أولا: تقويم السنة النجمية:
وتتكون من 365.2564 يومًا شمسيًا متوسطًا، وهو الزمن الذي تستغرقه الأرض في رجوعها إلى نفس الموقع في مدارها، وذلك بالإشارة إلى النجوم الثابتة، وتُعتبَر السنة النجمية أطول من السنة الشمسية (من الناحية الحسابية، وليس من خلال الرؤية لظاهرة الشروق الاحتراقي لنجم الشعرى اليمانية)، وهذه السنة مُستخدمة في تقويم السنة المصرية القديمة، والذي استخدم فيما بعد في السنوات القبطية مع إجراء بعض التعديلات عليه بتحويله للنظام الشمسي.
– ثانيا: تقويم السنة الشمسية المدنية:
وهي التي طولها 365 يومًا وربع (365.25)، وينبغي إضافة يوم إضافيّ كل أربعة أعوام، وتُسمّى هذه السنة الرابعة السنة الكبيسة، أي السنة التي تطول إلى 366 يومًا، وهذه السنة مستخدمة في التقاويم الرومانية واليونانية والميلادية والقبطية بعد التعديل.
-ثالثا : السنة الشمسية المدارية:
وهي التي طولها 365.2422 يومًا شمسيًا متوسطًا، وهي الفترة الزمنية لعبورين متتاليين للشمس خلال نقطة الإعتدال الربيعي، والتي تساوي 365 يوم، و5 ساعات، 48 دقيقة، 46 ثانية، وهذه السنة مستخدمة في التقويم الميلادي الغريغوري.
– رابعا: تقويم السنة القمرية:
وهي مكونة من اثني عشر شهرًا قمريًا، وتتكون من 354 يومًا، ويُضاف لها يوم كبيس، وتُستخدم حاليًا في التقويم الهجري.
– خامسا: تقويم السنة الشمسية القمرية:
هي التي يكون حساب الشهور فيها على النظام القمري، وتتبع دورة القمر في تحديد بداية ونهاية الشهور، ولكن طول مدة السنة تتبع النظام الشمسي أي عدد أيام السنة فيها 365 يوم وربع يوم، وهذه السنة يستخدمها اليهود في التقويم العبري السياسي والديني وهى السبب في الخلاف حتى الآن بين تاريخي عيد الميلاد الشرقي والغربي.
واختتم ملاك نصحي كلمته قائلًا: تنشأ كل التقاويم على تواريخ مهمة ولا يبدأ التقويم بالضرورة في نفس وقت هذا التاريخ أو الحدث فاستخدام التقويم الهجري على سبيل المثال بدأ عام ١٧ هجريا.
و انتهى اللقاء ببعض المداخلات من السادة الحضور، كما اجاب الباحث ملاك نصحى على العديد من الأسئلة والتعليقات والاستفسارات والمداخلات التى وجهت له من الحضور، ثم قدم الاستاذ اشرف موريس الشكر للحضور الكريم وللباحث الشاب ملاك نصحى على تشريفة ومحاضرتة الهامة والتى تعد مرجعا هامة فى علوم التقاويم.
ومن المعروف أن مركز (بي لمباس) يختص بدراسة أنشطة التراث القبطي والرحلات العلمية وورش عمل، وتبنى أبحاث علمية جديدة لتدريب صغار الباحيثن على الدراسة والبحث فى مجال القبطيات، بالإضافة إلى كورسات خاصة بدراسة اللغة اليونانية ، لمدة ساعة ، ومناقشة نصف ساعة ، وذلك بقاعة مجهزة خاصة بمقر نيافة الأنبا مارتيروس وسيحاضر نخبة من السادة الأساتذة المتخصصين في التراث القبطي ، كالتاريخ والفن والآثار ، والأدب القبطي ، والموسيقي القبطية ، وتاريخ الرهبنة ، والمخطوطات ويقيم المركز محاضرة شهرية تقام فى الساعة السادسة والنصف من الجمعة الأولي من كل شهر.