للمرة الأولى .. تتجاوز فيها دولة الصين مؤشرات الولايات المتحدة الأمريكية، لتصبح أكبر اقتصاد جاذب للاستثمار الأجنبي المباشر، وتصعد إلى المركز الأول الذي احتلته أمريكا لعقود طويلة .. وتوسعت في حجم الاستثمار الأجنبي المباشر وفي بناء الشركات،والمصانع،ويعني ذلك الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي وليس في اقتصاد الأسهم والسندات والعملات .. مع انتشار كورونا حول العالم في الربع الأول من العام الماضي واضطرار أغلب الدول لاتخاذ إجراءات صارمة للحد منه، استمرت الشركات والأعمال في الصين بل زاد دخولها إليها وتوسعت الموجودة منها، كما توضح أرقام أونكتاد. فقد تمكنت بكين من سرعة السيطرة على الوباء ومع حلول أبريل 2020 وأعيدت فتح ما أغلقته من مناطق وقطاعات اقتصادية في الوقت الذي كان العالم في أغلبه بدأ الإغلاق المتكرر حتى الآن ..
نتيجة ذلك، تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في الاتحاد الأوروبي،ولم تجذب أي استثمار أجنبي مباشر على الإطلاق في 2020. كما شهدت ألمانيا تراجعاً لذا، حقّق الاقتصاد الصيني في 2020 نمواً، وإن كان متواضعاً عند 2.3 في المئة، في الوقت الذي حققت بقية الاقتصادات الكبرى انكماشاً
ويرى بعض الاقتصاديين أن عام وباء “كوفيد -١٩ ” شجع علي انتقال مركز جاذبية الاقتصاد العالمي نحو القارة الأسيوية، بخاصة الصين التي تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد واشنطن .
– صعود اقتصاد الصين:
والعام الماضي، وبما شهده من أزمة كورونا الذي بدأ من الصين، كان فرصة لصعود اقتصادها إلى مراكز عالمية متقدمة، خصوصاً أنه الوحيد بين الاقتصادات الكبرى والمتقدمة الذي شهد نمواً إيجابياً للناتج المحلي الإجمالي في عام الجائحة، بينما شهدت اقتصادات عالمية أخرى انكماشاً.
وبحسب أرقام مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، تراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة لأمريكا، بينما ارتفعت تلك الاستثمارات التي توجهت إلى الصين بنسبة 4 ٪ العام الماضي، وتعكس أرقام أونكتاد عن الاستثمار الأجنبي المباشر في زيادة توجه الشركات العالمية شرقاً نحو آسيا بدلاً من الغرب نحو الولايات المتحدة وأوروبا.
وظل حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الولايات المتحدة أكبر من الصين، ولكن هذا التوجه تغير قبل خمس سنوات، مع اتجاهها مباشرة نحو الشرق بديلاً عن الغرب.
في عام 2016، كانت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الولايات المتحدة عند 472 مليار دولار، بينما لم تزد في الصين على 134 مليار دولار. ومنذ ذلك العام تراجعت الاستثمارات في واشنطن لتزداد في الصين، بحسب جداول إحصائيات أونكتاد.
– الحرب التجارية والعقوبات:
وعلى الرغم من الحرب التجارية بينهما، والعقوبات الأمريكية ، فلا يقتصر الاستثمار الأجنبي المباشر إلي الصين علي الشركات الأمريكية بل امتد للشركات الأجنبية، ومنها الأمريكية والأوروبية والكورية واليابانية وغيرها ، لم تتوقف عن الاستثمار في بكين،وتخطط شركة أسترا زينيكا البريطانية للأدوية لبناء خمسة مراكز في مدن صينية.
وفي العام الماضي، أعلنت شركة وول مارت لسلسلة محال التجزئة عن استثمار 460 مليون دولار (3 مليارات يوان صيني) في ووهان، التي بدأ منها وباء كورونا، على مدى السنوات الخمس المقبلة. كما تستثمر محال ستاربكس 150 مليون دولار في مدينة كوشان شرق الصين لبناء مصنع لتحميص البن ووحدة أبحاث وتطوير.
وتوسع شركة تسلا الأمريكية للسيارات الكهربائية في مصنعها بشنغهاي،بينما تواصل والت ديزني إنشاء ساحة إضافية في مدينة الملاهي في شنغهاي.
ويعود تراجع التجارة الأوروبية مع أمريكا إلى الإجراءات التي اتخذتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، ففرضت قيوداً على الصادرات ورسوماً جمركية على بعض المنتجات مثل الصلب وغيرها.
في المقابل، زادت الصادرات الصينية لدول الاتحاد الأوروبي، بخاصة من الأجهزة والمستلزمات الطبية والصحية وكذلك منتجات التكنولوجيا. كما أن سرعة تعافي الاقتصاد الصيني من أزمة وباء فيروس كورونا، أسهمت في تحسن التبادل التجاري بينهما.
سعت السلطات الصينية بسرعة إلى طمأنة المستثمرين من الشركات الأجنبية من أي مخاطر ومخاوف عبرت عنها. وعلى الرغم من إجراءات العقوبات الأمريكية، لم تتأثر هذه الأعمال كثيراً، حتى الأمريكية منها، عن الاستمرار في ضخ الأموال في الصين. وإذا كانت الاستثمارات في الأسهم والأوراق المالية الأخرى تأثرت بتلك العقوبات والإجراءات فإنها في الاقتصاد الحقيقي لم تتأثر.
– الصين تستثمر في القطاع العقاري البريطاني:
توقّع تقرير حول مستقبل العقارات التجارية في لندن، أن يرتفع نصيب الاستثمارات الصينية والآسيوية في القطاع العقاري البريطاني عام 2021، قدّرت شركة نايت فرانك العقارية أن يصل حجم الاستثمار الجديد في قطاع العقارات التجارية بالعاصمة البريطانية خلال عام 2021 إلى نحو 46 مليار جنيه إسترليني (63 مليار دولار)، ويأتي المستثمرون من الصين وهونج كونج في المقدمة من حيث حجم الاستثمارات، إذ يتوقع أن تصل استثماراتهم في مباني المكاتب وغيرها من المباني التجارية هذا العام إلى أكثر من 12.6 مليار جنيه إسترليني (17 مليار دولار). بينما يقدّر أن يضخّ المستثمرون من منطقة آسيا والمحيط الهادي ما يقارب 10.8 مليار جنيه إسترليني (15 مليار دولار) بقطاع المباني التجارية في لندن هذا العام.
وتحتل الصين مكانة متقدمة في تلك المنطقة تجعلها في وضع يمكّنها من التقدم على مؤشرات عالمية عدة، متجاوزة الولايات المتحدة التي تملك أكبر اقتصاد في العالم.
– اتفاقية الاستثمار الشاملة:
على الرغم من التوجه الجديد لإدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن ” بتحسين العلاقات مع شركاء أمريكا الرئيسيين، الذين تضرروا خلال فترة رئاسة الرئيس السابق ترامب، إلا أن العلاقات الاقتصادية والتجارية الأوروبية الصينية مرشحة للنمو. وحتى الآن، لم تلغِ واشنطن القيود المفروضة عليها. كما أن الجذر الأساس لتلك العقوبات والمتعلق بالدعم الحكومي لصناعات الطيران، والمعروف بخلاف “بوينج” و”إيرباص”، يحتاج إلى مفاوضات مطولة بين بروكسيل وواشنطن.
في هذه الأثناء، ستدخل اتفاقية الاستثمار الشاملة بين الصين والاتحاد الأوروبي التي تم التوصل إليها نهاية العام الماضي حيز التنفيذ بمجرد مصادقة البرلمان الأوروبي عليها. وتهدف الاتفاقية إلى فتح السوق الصينية الهائلة أمام المنتجات الأوروبية وكذلك جذب استثمارات الأولى للقارة الأوروبية.