ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
تأنوا علي الجميع
طول الأناة تعني ضبط النفس حتي لا يسرع الإنسان إلي مقابلة الخطأ بالخطأ, فلا يقابل الغضب بالغضب أو بالانتقام.
بركات طول الأناة:
طول الأناة تجعل الإنسان يقتني ثمارا كثيرة ويكسب الآخرين, وأيضا يقتني بعض الفضائل الروحية في حياته.
(1) بطول الأناة نجني الثمار:
يروي لنا الكتاب المقدس مثل التينة غير المثمرة.
إن فلاحا كان لديه شجرة تين في كرمه, ظلت ضعيفة لا تحمل ثمرا رغم الرعاية, فمر صاحب الحقل يتفقد نتاج أرضه, فلاحظ هذه الشجرة العقيمة, فقال للزارع: إن لي ثلاث سنوات أطلب ثمرا منها ولم أجد, اقطعها, لماذا تعطل الأرض, فهي تشغل مساحة من الأرض وستنفذ المال والجهد بلا فائدة ترجي هوذا ثلاث سنين آتي أطلب ثمرا في هذه التينة ولم أجد. اقطعها! لماذا تبطل الأرض أيضا (لو13:7), وهنا قال له الكرام: أنت علي حق فيما تقول, فالشجرة المثمرة أحق بالرعاية من الشجرة الضعيفة, والأرض غالية والجهد كبير.. لكني أرجوك أن تتركها هذه السنة أيضا, وأنا أحفر حولها وأضع زبلا, وأهتم بها لعلها تأتي بثمر في العام التالي فأجاب وقال له يا سيد, اتركها هذه السنة أيضا, حتي أنقب حولها وأضع زبلا. فإن صنعت ثمرا, وإلا ففيما بعد تقطعها (لو13:8).
وترك صاحب الأرض الشجرة كرغبة الزارع, فنقب حولها ووضع لها المخصبات, وزاد من جهده وتعبه وظل يراقب وينتظر في طول أناة وصبر إلي أن رأي أوراق الشجرة الجافة تخضر, فما جاء الصيف حتي كانت ثمرتها الحلوة.
إن العلماء الذين يحصدون الجوائز العالمية علي اختراع ما أو اكتشاف, لم يصلوا إلي ذلك من فراغ بل صبروا سنوات في تجارب بطول أناة, تصل لعشرات ومئات المرات حتي يصلوا إلي المطلوب.
الأثرياء والأغنياء والشرفاء لم يصلوا إلي ثرواتهم هذه إلا بعد سنوات من العمل الشاق وبطول الأناة وإصرار حتي يصلوا إلي مكانتهم هذه.
القادة وأصحاب الشهادات العلمية, لم تأت إلا بعد طول أناة من الدراسة والبحث علي مدي سنوات طويلة.
(2) بطول الأناة نكسب الآخرين:
يقول الكتاب: فأطلب إليكم, أنا الأسير في الرب أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتم بها. بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم بعضا في المحبة (أف4:1-2), فالكتاب يدعونا كل يوم أن نسلك بكل تواضع ووداعة وطول أناة, ونلاحظ هنا أن الفضائل تكون متداخلة ولا يمكن فصلها.
يقول القديس برصنوفيوس هذا القول الجميل: إن لم يكن الإنسان صبورا, فلن يستطيع أن يعيش مع الناس في سلام.
مثال.. داود مع شاول:
عندما نرجع إلي قصة داود النبي وشاول الملك, ونتتبع أسباب الغيرة التي تملكت علي قلب شاول, نجد أن شاول كان ملكا عظيما, أما داود فكان مجرد شاب صغير راعي للأغنام, لكنه علم بمعايرة هذا الفلسطيني جليات الجبار لشعب الله, فقرر أن يقف أمامه ويحاربه, وقد استطاع بنعمة الله أن يهزم هذا الجبار فقال داود للفلسطيني أنت تأتي إلي بسيف وبرمح وبترس, وأنا آتي إليك باسم رب الجنود (1صم17:45).
ومن هنا بدأ شكل من أشكال العداوة والغيرة تدب في قلب شاول الملك, وما زاد الأمر سوءا, ما تغنت به النساء بعد انتصار داود علي جليات, فقالوا: ضرب شاول ألوفه وداود ربواته (1صم18:7), والربوة عشرة آلاف, وهذا يعني أن داود قتل عشرة أمثال من قتلهم شاول رغم أن شاول كان ملكا قويا وداود مجرد فتي صغير يعمل راعيا للأغنام, وليس له أي علم بفنون القتال, وهذا ما أشعل الغيرة في قلب شاول.
ولكن داود مرنم إسرائيل الحلو, كان رجلا قلبه حسب قلب الله كما يقول الكتاب: وجدت داود بن يسي رجلا حسب قلبي (أع13:22), لذلك عندما أتيحت له فرصة التخلص من شاول وقتله رفض, لأنه بحق رجل الله, فقام بتوبيخ رجاله وقال لهم: حاشا لي من قبل الرب أن أعمل هذا الأمر بسيدي, بمسيح الرب, فأمد يدي إليه لأنه مسيح الرب هو (1صم24:6), ثم قام بقطع جزء من رداء شاول الخارجي (جبته) لكي ما يثبت له أنه كان في يده, وكان في استطاعته أن يقتله ولكنه لم يمد يده بالسوء إليه.
وهنا رفع شاول صوته وبكي وقال لداود أنت أبر مني, لأنك جازيتني خيرا وأنا جازيتك شرا (1صم24:17).
(3) بطول الأناة نقتني الفضائل:
جميع الفضائل يمكن أن نقتنيها بطول الروح, فالأمر يحتاج إلي جهاد وصبر..
مثال: الأم سارة..
قيل عنها إنها مكثت ثلاثة عشر سنة تقاتل قتالا شديدا من شيطان الزني, وبطول الأناة انتصرت عليه لتنال فضيلة الطهارة, حتي أنها صعدت مرة للسطح لتصلي, فرأت روح الزني متجسما, وقال: لقد غلبتيني يا سارة, فأجابته: إني لم أغلبك لكنه سيدي يسوع المسيح, فانصرف عنها القتال.
بطول الأناة وبمعونة السيد المسيح انتصرت علي قتال الزني, لتنال الطهارة.
(4) بطول الأناة نهزم الشياطين:
طول الأناة تجعلنا نقابل غلطات وإساءات الآخرين, لا بروح التشفي والانتقام, بل بالعطف.
وهناك قصة مشهورة من قصص آباء البرية عن أب ناسك جاءه الشيطان في أحد الأيام وقال له: افرح واسترح لقد علمت اليوم أنه مازال أمامك علي الأرض خمسون عاما!! فرد عليه هذا الناسك الحكيم قائلا: حسنا سأضاعف جهادي من اليوم, لأني كنت أظن أنه مازال أمامي مائة عام, فخزي الشيطان وهرب.
مثال: داود وشمعي بن جيرا..
عندما خرج داود هاربا من وجه ابنه أبشالوم, خرج عليه شمعي بن جيرا, وأخذ يرشق داود ورجاله بالحجارة, إلا أن داود وبطول أناة وصبر واحتمال منع أبيشاي وقال له: لعل الرب ينظر إلي مذلتي ويكافئني الرب خيرا (2صم16:12).
واستطاع داود بطول أناته أن يهزم الشيطان, ويقابل الإساءة باتساع قلب.
(5) بطول الأناة نعالج التسرع والاندفاع:
خطية الاندفاع والتسرع أصبحت منتشرة كثيرا في عالمنا الآن, فقد أصبحنا في عالم السرعة, وذلك بسبب الأجهزة الحديثة الموجودة بين أيدينا.
فهناك مرض يسمي (News Now), بمعني أن الإنسان يريد أن يتحقق له كل شيء فورا, لكن طول أناة الإنسان تحفظه من الاندفاع في تصرف ما قد يندم عليه بعد ذلك, وهكذا الطالب إن تسرع أثناء أدائه الامتحان فإن هذا قد يتسبب له في نقل رقم خطأ, أو نسيان خطوة معينة أثناء الإجابة علي الأسئلة.
إذن طول الأناة هي أفضل علاج لمن يتميز بالتسرع والاندفاع في العمل, وإبداء الرأي والحكم علي الأشياء واتخاذ القرارات السريعة في المواقف التي تحتاج لحكمة في التصرف.