ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
تأنوا علي الجميع
تأنوا علي الجميع (1تس5:14)
فعل يتأني أحد الأفعال الإنسانية الراقية, فطول الأناة تعني طول الروح أو طول البال, وسعة الصدر والصبر, والإنسان طويل الأناة لا يتضايق بسرعة ولا ييأس بسرعة ويفشل, ولا يفقد الأمل مع الناس.
أمثلة للتأني من الكتاب المقدس:
إن الله هو صاحب طول الأناة الأول, وصاحب سعة الصدر وضبط النفس, وقد علمنا هذا من خلال أمثلة عديدة في الكتاب المقدس, فيقول: الرب طويل الروح كثير الإحسان (عد14:18).
ليتعلم الإنسان طول الأناة من طول أناة الله مع البشر.
1- اليهود:
لقد أطال الله أناته علي اليهود مرات ومرات, هذا الشعب غليظ الرقبة, الذي كان متمردا للغاية, وكثيرا ما اتعبوا موسي فمنها:
قال الرب لموسي: حتي متي يهينني هذا الشعب, وحتي متي لا يصدقونني بجميع الآيات التي عملت في وسطهم؟ (عدد14:11).
بدأ الرب حديثه مع موسي معلنا غضبه علي الشعب, وموضحا لموسي الشر العظيم الذي وقعوا فيه, وأن ما صنعوه هو إهانة لشخصه القدوس, فتذمرهم هو عدم إيمان بقدرة الله.
وقال لموسي: إني أضربهم بالوباء وأبيدهم, وأصيرك شعبا أكبر وأعظم منهم (عدد14:12).
وبدأ موسي المحب والشفيع والمحامي لشعبه يدافع عنهم, فأخذ يطلب رحمة من الرب, ويقول له: الرب طويل الروح كثير الإحسان (عدد14:18).
فتأتي إجابة الرب المفرحة لموسي: لقد صفحت حسب قولك (عدد14:20).
2- شعب نينوي:
طول أناة الله ظهرت بوضوح مع شعب نينوي, عندما أطال الله أناته عليهم, حتي تابوا جميعا بمناداة يونان النبي, وصارت قصة نينوي هي المثال الأروع في توبة شعب بأكمله أفلا أشفق أنا علي نينوي المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم, وبهائم كثيرة (يون4:11).
3- فرعون مصر:
نقرأ أيضا في الكتاب المقدس عن فرعون مصر, الذي أبي أن يطلق شعب بني إسرائيل من مصر فسمح الله له بالضربات العشر, وهنا نتعجب لماذا يارب أطلت أناتك عليه حتي عشر ضربات؟!
إن الله كان قادرا أن يجعل فرعون يطلق الشعب بضربة واحدة فقط, ولكنها طول أناة الله, فالله سمح بضربة تليها ضربة, ولكن قلب فرعون كان قاسيا ولا يلين, واستمرت الضربات حتي وصلت إلي عشرة.
وهنا سلم فرعون وأطلق الشعب: قوموا اخرجوا من بين شعبي أنتما وبنو إسرائيل جميعا, واذهبوا اعبدوا الرب كما تكلمتم (خر12:31), وهذا المثل هو أكبر مثال يعبر عن قساوة القلب.
وهكذا الإنسان في كل زمان ومكان, بينما يطيل الله أناته عليه, يظل هو كما في قساوة قلبه.
من الآيات الجميلة, التي تعبر عن طول أناة الله: أم تستهين بغني لطفه وإمهاله وطول أناته, غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلي التوبة؟ (رو2:4).
4- شاول الطرسوسي:
لقد أطال الله أناته علي شاول حتي صار بولس الرسول الكارز العظيم, الذي قال عن نفسه: أنا رجل يهودي ولدت في طرسوس كيليكية, ولكن ربيت في هذه المدينة مؤدبا عند رجلي غمالائيل علي تحقيق الناموس الأبوي (أع22:3).
لقد وقف شاول أمام المسيحية الوليدة بكل عنف لدرجة أنه كان مجرد ذكر اسمه يرعب قلوب المسيحيين, وعندما تشتت المسيحيون بعد رجم إسطفانوس, قام شاول بمطاردتهم وإلقاء القبض عليهم بعد أن أخذ رسائل إلي الولاة في دمشق أما شاول فكان لم يزل ينفث تهددا وقتلا علي تلاميذ الرب, فتقدم إلي رئيس الكهنة وطلب منه رسائل إلي دمشق إلي الجماعات حتي إذا وجد أناسا من الطريق رجالا أو نساء يسوقهم موثقين إلي أورشليم (أع9:1-2), ومع كل هذا العنف أطال الله أناته عليه.
وليس هذا فقط بل والأكثر من ذلك أن الله قال عنه: إنه مختار لي لأن هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائيل (أع9:15), بعد ذلك ظهر له ربنا يسوع المسيح علي أبواب دمشق, وهنا تغيرت حياة شاول, وتحول وتغير وتبدل, وصار إنسانا جديدا, هو القديس بولس الرسول!!
هذا اللاهوتي والكارز العظيم الذي استشهد علي اسم السيد المسيح, وهو الذي قال عن نفسه: فأنا أفضل: في الأتعاب أكثر, في الضربات أوفر, في السجون أكثر, في الميتات مرارا كثيرة (2كو11:23), فطول أناة الله تأتي بثمر كثير, وكانت وسيلة قوية جدا لكي ما يكون هناك ثمر وثروة كبيرة في شخصية القديس بولس الرسول.
5- أريانوس والي أنصنا:
كان أريانوس أكثر الولاة قساوة في تعذيب المسيحيين, وأطال الله أناته عليه حتي صار هو أيضا من الشهداء.
ولذلك.. كن طويل الأناة مع:
+ الضعفاء والخطاوة والمقاومين وصغار النفوس.
+ مع الذين يفترون عليك ويلصقون بك الشائعات والاتهامات, احتمل ما يتطلب ذلك من جهاد وصبر وطول أناة.
+ مع القلوب غير المطيعة وغير المستجيبة لكلمة الله.
إن طول الأناة صفة لابد أن يتحلي بها الخادم والمربي والمرشد والمعلم, فلا ييأس الخادم بسرعة إذا تأخر الثمر في مجال الخدمة.
فالخطاة يحتاجون إلي طول أناة حتي يتوبوا.
+ هي صفة لابد أن يتحلي بها الأبوان في صبرهما علي طفلهما حتي ينضج.
+ هي لازمة للمدرس حتي يستوعب تلميذه الدرس.
+ هي لازمة للطبيب حتي يستجيب المريض للعلاج.
+ هي لازمة لكل القادة.
يقول القديس مكاريوس الكبير: طول الروح هو الصبر, والصبر هو الغلبة.
يقول القديس يوحنا الأسيوطي: الذي ليس له طول روح, يتضايق.