أثناء توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل اشترط ” بيجن” علي السادات عودة الحجاج الأقباط الى القدس مرة اخرى و بتأشيرة دخول إسرائيلية . فوافق السادات علي الاقتراح .
وبعدها طلب من البابا شنودة ان لا يمنع الاقباط من زيارة القدس والحج إليها فكان رد البابا : أن حج الأقباط إلى القدس بمثابة حلم يتمناه كل قبطى ولكن عذرا سيدى الرئيس .. لا أستطيع الموافقة علي ذلك !!
صدم السادات من رفض البابا .. ولكنه قرر أن ينهى اللقاء مؤقتا ويغادر المقر البابوى .. بعدها بساعات ارسل السادات وفدا رفيع المستوى للبابا يحاول إقناعه بالفكرة تحت مسمى ” تحقيق السلام ” فأصر البابا علي رفضه مؤكدا : ان زيارة القدس بتأشيرة إسرائيلية بمثابة مشاركة فعلية للاحتلال الاسرائيلي وتوقيع علي إتفاقية لسفك المزيد من الدماء ضد الفلسطينيين.. ولايمكن ان أقبل ان يكون للأقباط دورا في هذا التطبيع حتى لو علي حساب احلامهم بالحج الي الاراضى المقدسة ولن يذهب الاقباط الإ مع اخوانهم المسلمين .
وفي سبتمبر عام 1981 شن السادات هجوما عنيفا علي البابا تحت قبة البرلمان واصدر قراره الشهير بتحديد إقامة البابا شنودة بدير وادى النطرون أيضا التحفظ على 1531 من الشخصيات العامة المعارضة له.
قابل البابا قرار السادات بكل هدوء وراحة ضمير ، وظل بدير وادى النطرون مصرا علي قراره ، والجميل ان جميع الاقباط علي ارض مصر كانوا مؤيدين لقراره ولا يذكر ان تم تسجيل زيارة واحدة للقدس آنذاك .
وبعد (16 يوم ) من قرار السادات بتحديد اقامة البابا ..وتحديدا في 6 أكتوبر 1981 تم اغتيال السادات في حادث المنصة أو عملية الجهاد الكبرى .
وفي 14 أكتوبر 1981 تقلد حسني مبارك مقاليد الرئاسة حيث قام في 1985 بالإفراج عن جميع المعتقلين الذين قام سلفه السادات باعتقالهم وقابل بعضهم وكان على رأسهم “البابا شنودة”..
هذه الفترة التى نادرا ما يتحدث عنها أحد .. ما هي الاسباب؟ والوضع السياسي فى هذا الوقت؟ لماذا اتخذ السادات هذا التصرف؟ ماذا حدث بعد ذلك؟ ماذا كان يفعل البابا فى الدير اثناء فترة تحديد الاقامة؟ كل هذه الأسئلة كانت تبحث عن إجابات ..
نيافة الأنبا بيسنتي هو السقف الذي يحمل هذا الصندوق من الذكريات فيقول.. في السنة الأولى من سنوات التحفظ، لم يكن مسموحا لأحد بزيارة البابا في الدير إلا الشخصيات الرسمية وكبار رجال الدولة، حتى المطارنة والأساقفة وجميع رجال الدين لم يكن مسموحا لهم بالزيارة، فكان البابا يقضي يومه ما بين الصلاة والقراءة والكتابة والعمل. وكان يفضل أن نأخذ “المقصات” ونذهب معا لتقليم الأشجار بحكم أنني خريج كلية الزراعة، والبابا مارس الزراعة جيدا من قبل. هذا بجانب الوقت الذي يقضيه في تعليمنا من خلال الدروس الروحية. أما بعد السنة الأولي، بدأ السماح بالزيارات للجميع، وأخذت مشاغل البابا في التزايد، وكانت تحوز على مساحة كبيرة من وقته.
والبابا كتب كتبا روحية، بل إن هذه الفترة شهدت صدور أروع مؤلفات البابا، منها كتاب “الرجوع إلي الله” والله وكفى ” والإيمان”، فقد كان يجمع محاضراته في موضوع معين ويعيد صياغتها ووضعها في كتاب، استثمارا لوقت فراغه في الدير.
وعن زيارات الوزراء للبابا في هذا الوقت يقول نيافته.. الذين زاروا قداسة البابا هم اللواء حسن أبو باشا، واللواء أحمد رشدي، وكان للواء حسن أبو باشا -أثناء زيارته للبابا-تفسير لاحتجاز البابا في الدير، فقد قال للبابا: “إن هذه الحراسة الموجودة حول أسوار الدير لك وليست عليك”، وكان رد البابا بفصاحة وبراعة بالغتين، أن قال:” يا سيادة الوزير. الحراسة التي لي تحرسني أينما ذهبت، أما الحراسة التي على فهي التي تمنعني من الحركة، واعذرني في القول إن الحراسة القائمة من النوع الثاني وليس الأول”.
وكيف استقبل البابا قرار تشكيل اللجنة الخماسية قال أنبا بيسنتي: استقبله بهدوء تام، لأن هذا كان أمرا متوقعا، لأنه ما دام هناك قرار بهذا الشكل، فالخطوة التالية أن يتم تشكيل لجنة لتسيير أمور الكنيسة بديلا للبابا.
وأضاف لو نظرنا إلى عمل اللجنة على أرض الواقع، سنجد أن أكثر من 90% من قرارات اللجنة كانت تعود فيها لقداسة البابا، ولم تقدر أن تأخذ قراراً دون الحصول على موافقته أولا. فعمليا، البابا هو من كان يدير الكنيسة من داخل الدير.
كان أبونا متي المسكين يخبرنا بمقابلته سواء مع قداسة البابا أو مع الرئيس أنور السادات، ويسرد لنا ما تم في هذه المقابلات من أحاديث، لذلك فهناك ما لم يرد في المذكرات المكتوبة وها هي:
- اعترض الأب متي المسكين أولا علي قرارات سبتمبر باعتقال المعارضين من السياسيين وبعض رجال الدين مسلمين ومسيحيين كما أخبره بها في هذا اللقاء الرئيس السادات قبل تنفيذها، فرجاه الأب متي المسكين أن يتراجع عنها لان العنف يولد العنف فرد عليه الرئيس بأن كل شيء قد أعد ولا يمكن التراجع عنه.
ـ ولما تطرق الحديث إلى ما ينوي اتخاذه مع قداسة البابا من: اعتقال، ومحاكمة، وتوجيه اتهامات، قال له أبونا متى المسكين:
ـ يا سيادة الرئيس، أي انسان قبطي يتعلم من صغره أن يؤدي مطانية ( أي سجود للأرض) أمام رئيس الكنيسة، لذلك فأي مساس برئيس الكنيسة يحدث جرحا عميقا في مشاعر الأقباط.
وبالمناسبة يا سيادة الرئيس أتوسل إليك ألا تدعوه في خطبك شنودة بل الانبا شنودة أو البابا شنودة لئلا تجرح مشاعر الشعب القبطي في الصميم.
ـ ثم قال له: ليس من حقك عزل البابا لأنه يظل بابا في الكنيسة طيلة حياته.
وفعلا لم يستخدم الرئيس كلمة عزل بل استخدم القرار الجمهوري الذي في سلطته فقط, فألغاه, ثم أعاده الرئيس حسني مبارك بعد ذلك عام1984.
وكيف استقبل البابا خبر اغتيال الرئيس السادات يوم 6 أكتوبر 1981، قال نيافته.. وقتها قال البابا باللفظ الواحد: “يارب.. يارب.. استر على البلد” لأن وسط هذه الأحداث، كان من الممكن أن يحدث أي شيء للبلد، وأن تقع أحداث لا تحمد عقباها.